شمال شرق سورية.. لاعبون كُثر وأهداف مُتعددة
جريدة البناء اللبنانية-
د. حسن مرهج:
تطورات استراتيجية تلوح في أفق الشمال السوري، إذ بات الخبر الرئيس على شاشات غالبية الأقنية الفضائية، مشهد الاشتباكات المسلحة بين قوات سورية الديمقراطية الانفصالية المدعومة أميركياً، والعشائر العربية في دير الزور، وذلك على خلفية اعتقال قسد القائد العسكري المجلس دير الزور العسكري، وبالتوازي مع حالة الاشتباك المستمرة بين الطرفين، فقد تضاربت الأنباء حول أعداد القتلى، إضافة إلى تضارب الأنباء عن الخلفية الحقيقية والفعلية، التي أطلقت شرارة الاقتتال بين قسد والعشائر العربية في دير الزور.
في مقابل ما سبق، وبالعودة الى الوراء قليلاً، فقد شهدت دير الزور، العديد من حالات الاقتتال بين قسد والعشائر، وذلك جراء ممارسات قسد، ومحاولتها تحييد المكوّنات العربية في عموم الشمال السوري، لكن سرعان ما كانت تنتهي حالة الاقتتال، إلا أنّ النار بقيَت تحت الرماد، لتعود حالة الاقتتال بين الطرفين، والتي يبدو أنها ستُفضي قتالاً طويل الأمد، ولن ينتهي حتى يتمّ تحييد قسد من عموم مشهد الشمال السوري، أو أن تتدخل الولايات المتحدة لفضّ الاشتباك بينهما.
واقع الحال وجراء سياسات قسد، فقد كان متوقعاً أنّ الانفجار بين قسد والعشائر العربية سيكون حتمياً، ولكن المشهد اليوم يبدو أنه مختلف بالجوهر والمضمون عن حالات الاقتتال السابقة، ويُتوقع أن تتسع رقعة الاشتباكات، لتشمل شرق الفرات بأكمله، بسبب جهود الإقصاء وسياسة التهجير والتطهير التي يتبعها الانفصاليون في قسد ضدّ العرب في المنطقة.
الحقائق في جغرافية الشمال السوري، باتت واضحة للجميع، فـ الولايات المتحدة ورغم سطوتها السياسية والعسكرية، والدعم المادي الهائل، إلا أنه ثمة حقيقة دامغة تُظلل مشهد الشمال السوري. هي حقيقة يصعب على الولايات المتحدة إنكارها، فالمشروع الكردي الانفصالي، قد انفجر أولاً في الوجه والحضن الأميركي، واليوم بات هذا المشروع أمام عقبات كبيرة، تجعل منه قنبلة موقوتة تُهدّد واشنطن أولاً وأخيراً، وتهدّد أيضاً النفوذ الأميركي في العراق وسورية.
أجندة قسد الانفصالية باتت خطراً إقليمياً، فهذه الأجندة لا تهدّد الجغرافية السورية فحسب، بل ثمة أخطار تتعلق بالجغرافية العراقية والتركية، وحتى الجغرافية الإيرانية، ويُذكر أنّ مظلوم عبدي زعيم التنظيم الكردي الانفصالي، قد نجا من محاولة اغتيال وبرفقته جنود أميركان، جراء استهداف مُسيّرة تركية له خلال تواجده في مطار السليمانية العراقي نيسان/ أبريل الماضي.
واقع الحال يؤكد بأنّ الوجود الأميركي مستهدف من حلفاء واشنطن وشركائها وخصومها في المنطقة، في ما يمكن وصفة بالمشروع الأميركي الأغرب والأعقد على الإطلاق في المنطقة الذي تصرّ أميركا على التمسك به، رغم عجزه وقصوره الذاتي والموضوعي وحتى الجغرافي، حيث أنّ المحاولات الأميركية لإعادة تشكيل المنطقة، عبر إغراقها بالصراعات العرقية، وإشغالها بالمشاريع التقسيمية والانفصالية، كلّ ذلك بات مُهدّداً حقيقياً للوجود والنفوذ الأميركي في المنطقة، واليوم مع مشهد الاقتتال بين قسد والعشائر العربية، يبدو واضحاً أنّ المشروع الأميركي يلفظ أنفاسه الأخيرة في جغرافية الشمال السوري.
في المعلومات، ثمة معطيات تؤكد بأنّ الولايات المتحدة عاجزة حتى اللحظة عن التدخل لإيقاف حالة الاقتتال بين قسد والعشائر العربية، وسبب عدم التدخل الأميركي، يعود في جوهره ومضمونه، إلى رغبة واشنطن بالنزول من أعلى الشجرة، وهي تسعى إلى عدم استفزاز العشائر، لمنع الأخيرة من الهجوم على قواعدها المنتشرة في شمال شرق سورية، وبالتالي ما يمكن استنتاجه مبدئياً، أنّ الولايات المتحدة قد رفعت غطاءها السياسي والعسكري عن قسد، وترغب اليوم بتهدئة خصومها من العشائر وسورية وإيران وروسيا، الذين ينتظرون اللحظة المناسبة للانقضاض على الجنود الأميركيين المختبئين خلف أسوار قواعدها، ومن ثم طيّ صفحة قسد إلى الأبد.
واشنطن تدرك بأنّ الدولة السورية وإيران، وضمناً فصائل المقاومة السورية، باتوا اليوم أقوى من أيّ وقت مضى، وقد أكد مصدر في المقاومة السورية، بأنّ فصائل المقاومة تنتظر إشارة القيادة السورية، لإشعال جغرافية الشمال السوري، بالأميركيين وأدواتهم الانفصالية على السواء، من هنا فإنّ واشنطن تحاول استمالة روسيا، بغية نسج تفاهمات معها، في ما يتعلق بمستقبل الوحدات الكردية، ومستقبل الوجود الأميركي في المنطقة.
ختاما، إنّ محاولات أميركا لإعادة تشكيل المنطقة عبر استنزافها في صراعات عرقية وإشغالها بمشاريع انفصالية انقلبت إلى عملية استنزاف للنفوذ الأميركي ذاته، فلا يتوقع من هذا المشروع أن يحقق مكاسب كبيرة للولايات المتحدة رغم الاستثمارات الأميركية المتعاظمة فيه والجهود المضنية لتثبيته على الأرض؛ وكما العادة، ستبقى الكلمة الفصل للقيادة السورية وحلفائها، وكذلك لفصائل المقاومة السورية واللبنانية.