شكوك في أوساط الصهاينة المحتلين وداخل اللوبي “الصهيو- أمريكي”
كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله – موقع قناة المنار
بعد حدوث مجموعة واسعة من التطورات الإقليمية مؤخراً، ساد الجدال بين عدد من القادة الصهاينة وعملاء اللوبي الصهيو – أمريكي وأثيرت التساؤلات والشكوك حول ما إذا كان بإمكان الإستيطان الإستمرار في إحتلال الأراضي الفلسطينية في المستقبل.
يتمثل القلق الصهيوني من تفوق الجمهورية الإسلامية لإيران في المنطقة والعالم في ما يعتبره البعض في واشنطن هلعاً محدقاً. فقد علقت إيران، إعتباراً من 20/01/2014، تخصيب اليورانيوم بموجب إتفاق يضمن تخفيف العقوبات الدولية المفروضة عليها، كما تعمل الحكومة الإيرانية بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، وقد أوقفت في وقت سابق العمل بأجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز في إطار الإتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مع الولايات المتحدة وروسيا والصين والدول الأوروبية الكبرى في تشرين الثاني/نوفبمر الماضي ومدته ستة أشهر.
واستجابت كل من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي من خلال رفع بعض العقوبات المفروضة على إيران، حيث يمهد تعليق العقوبات لمدة ستة أشهر الطريق أمام إيران لإستئناف تصدير البتروكيماويات. ولكن هذه التطورات بمثابة لعنة على الكيان الصهيوني مع أنها مشجعة لجزء كبير من المجتمع الدولي. حيث إتخذ القادة الصهاينة وعملاؤهم في اللوبي الأمريكي إجراءات إحترازية تحسباً لمثل هذه التطورات تماماً كما يفعلون في كل مرة تبدو فيها الولايات المتحدة ومجموعة 5+1 تحرزان تقدماً في مجموعة متنوعة من القضايا الإقليمية والدولية، بما في ذلك ما يسمى بـ “الملف النووي”. وهذا من شأنه أن يدق ناقوس الخطر في تل أبيب وفي مقر لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) في واشنطن.
فعندما تأخذ إيباك على عاتقها دائماً مسؤولية شن حملة بالنيابةً عن إسرائيل وتضع مصالحها فوق مصالح أميركا، أي في كل مرة يُطلَب منها القيام بذلك كما تحاول الآن تخريب أي فرصة محتملة للتقارب بين إيران والولايات المتحدة، تراها تستخدم تقنيات مجربة ومختبرة مسبقاً تماماً كما أوضح مدير إيباك التنفيذي السابق م. ج. روسنغبرغ قبل بضعة أسابيع. حيث أشار إلى وجود حملة مماثلة يشنها اللوبي الصهيو أمريكي لحث الولايات المتحدة على قصف سوريا، مدعياً “أن تاريخ اللوبي الصهيو أمريكي لا يذكر على الإطلاق حادثة تحمّلها على عاتقه من أجل السماح بوصول شيء أو الإطاحة به من دون أن يكون لهذا الأمر صلة مباشرة بإسرائيل. وبما أنه يضمن موقف الكونغرس في ما يتعلق بقضايا إسرائيل، فهو نادراً ما يحتاج الى اللجوء للشجار”. لقد خسرت إيباك بشكل غير متوقع المعركة الرامية إلى دفع الجيش الأمريكي نحو مهاجمة سوريا، وهي لم تشف بعد من حالة الإذلال التي أصابتها.
ذات يوم، عمد ستيف روزن، أحد أهم إستراتيجيي إيباك (وأُدين فيما بعد بتهمة تجسس بموجب قانون التجسس الأمريكي)، إلى تلخيص قوة إيباك لمجلة “نيويوركر” بما يلي: “هل ترون هذا المنديل؟ نستطيع في غضون أربعة وعشرين ساعة جمع تواقيع سبعين عضواً من أعضاء مجلس الشيوخ على هذا المنديل”. إن القوة التي كان روزن يتفاخر بها تتعلق بالعدد الجديد لأعضاء مجلس الشيوخ الذين وقعوا على الحملة التي قادها الكونغرس مؤخراً لإحباط تطلعات أوباما المتعلقة بالسلام مع إيران.
كما أن حملة إيباك الأخيرة للتحكم في كيفية التصويت في الكونغرس هي نفسها التي تم إستخدامها طوال ربع القرن الماضي، حيث تبدأ بالمكالمات الهاتفية الواردة من الناخبين الذين هم أعضاء في إيباك، وسبق لهم أن تعرفوا على عضو الكونغرس ويتعاملون معه بلطف ومودة، ويخبرونه – أو يخبرون أي موظف آخر يعرفونه – عن مدى أهمية هذا التصويت بالنسبة له ولأصدقائه في الدائرة الإنتخابية. ثم تتصل الجهات المانحة التي تولت جمع التبرعات، والتي لا تكون من نفس المحافظة عادة بل من نيويورك أو لوس أنجلوس أو شيكاغو، وتكرر الرسالة ذاتها فتقول: هذا التصويت مهم جداً.
وعلى عكس ما قد تتوقع، لا تأتي هذه الجهات على ذكر أي مال يتعلق بالحملة، بل ليس عليها القيام بذلك، لأن هؤلاء المتصلين هم أناس لا يعرفون عضو الكونغرس سوى من خلال الشيكات التي يهبونها له، ويكون التهديد بعدم صرف المزيد منها ضمنياً. كما تستخدم الجهات المانحة، تماماً كما يفعل الناخبون، محاور النقاش التي تعتمدها إيباك والتي هي بسيطة وقوية في آن. إذ يمكنك أن تجادلهم لكنهم يعتمدون على النص الكتابي كمرجع موثوق. ناهيك عن الحاخامات الذين ليس لدينا سوى عدد قليل منهم في المنطقة ولكن نستقبل إتصالات منهم جميعاً، وكذلك من حاخامات آخرين من مختلف أنحاء الولاية.
وهناك أيضاً جماعات الضغط السياسي التابعة لإيباك، وهم مجموعة من الموظفين المهنيين الذين يزورون عضو الكونغرس مع أو بدون موعد مسبق، فيتوقعون رؤيته على الفور إذا كان موجوداً؛ وإن لم يكن، يضطرون الى مقابلة أحد الموظفين. وإذا لم يرق لهم ما سمعوه منه، فيعاودون المجيء. تجدهم في غاية العدوانية، بحيث لا تجرؤ أي جماعة ضغط أخرى على ذلك، فهم يتوقعون رؤية عضو الكونغرس بنفسه، وليس فقط مقابلة الموظفين العاديين.
يضيف روزنبرغ في تقريره الخاص عن صديق مشترك يعمل في منطقة كابيتول هيل في واشنطن قائلاً: “وهناك رسائل البريد الإلكتروني التي تصل على موقع إيباك الإلكتروني، وكذلك الإفتتاحيات في الصحيفة اليهودية الوحيدة التي تُوزَّع في ولايتنا. وبعد ذلك تأتي رسائل “الزميل العزيز” من أعضاء مجلس النواب اليهودي التي تثني على أهمية التصويت بالنسبة لإسرائيل ولأمريكا. فهم أيضاً يُبقون على الأعضاء في مجلس النواب. ولأن مديري ليس يهودياً، فهو يميل الى النزول عند رغبة زملائه اليهود، وكأنهم خبراء على هذا الصعيد. والحق يقال، جميع كبار الأعضاء اليهود في مجلس النواب هم على صلة وثيقة بإيباك. أيضاً، أكبر منفذين إثنين في إيباك، وهما زعيم الأغلبية في مجلس النواب إريك كانتور ونظيره الديمقراطي ويب ستيني هوير، من أنصار إيباك والمدافعين الشرسين عنها ويسعيان لإيجاد أعضاء من المجلس لإخبارهم كيف يجب عليهم التصويت. يتحدثون في كل شيء متعلق بإسرائيل بصوت واحد، ألا وهو صوت إيباك”.
وكما فعل النظام الصهيوني عند احتلاله فلسطين منذ أكثر من ستة عقود، فقد حاول مجدداً، وبكفاءة عالية، تخويف جامعة الدول العربية وقسمٍ كبير من المجتمع الدولي بتفاخر غير مقنع وبإفتراءات كاذبة حول قوته العسكرية التي لا تقهر، في حين لا يتوانى عن المطالبة، كما فعل سيمون فيزنتال مرة أخرى هذا الأسبوع، بأن “تلتزم أمريكا وحلفائها بوعودهم المتعلقة بحماية إسرائيل”.
وتهدف هذه البرامج الأخيرة إلى الضغط على أوروبا وأمريكا الشمالية خاصة، بما في ذلك الحملة النكراء التي تستهدف الرئيس أوباما على خلفية سياسته لإعطاء فرصة للجهود الدبلوماسية، إذ إنه يسعى كذلك إلى تحسين – وبالتالي تطبيع – العلاقات بين البلدين. وقد أظهرت إستطلاعات أخيرة للرأي أن ما نسبته ثلثي الجمهور الإسرائيلي يعتقدون بأنه لا يمكن الوثوق ببراك أوباما في عدم إبرام اتفاق مع إيران، فهو يُعتبر خائناً في دوائر الحكومة الإسرائيلية وداخل اللوبي الصهيوني الدولي. وبالتالي، فإن العملاء الإسرائيليين قد أطلقوا العنان مؤخراً لتصرفاتهم في المؤتمر، والرامية الى الضغط من أجل شن الحرب على إيران قبل كل شيء، على أن تمتد هذه الحرب إلى سوريا.
ومع تصاعد حدة الفوضى في سوريا، يدَعي المسؤولون الصهاينة علناً أنه ليس لديهم أي خطط محددة للتدخل، وتبنوا بدلاً من ذلك ما تم تسميته بـ “عقلية القلعة”، بانين آمالاً على أن الخندق المائي الذي بنوه حول القلعة- على شكل سياج حدودية مفترضة ذات تكنولوجيا متطورة، وكذلك الإنتشار العسكري والإستخبارات المتطورة – سوف تمنحهم الوقت الكافي لمواجهة ما يتوعد به لهم الكثير من الجهاديين الذين يقاتلون الآن في سوريا بتحرير فلسطين.
وصرّح مايكل هيرتسوغ، الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، هذا الأسبوع قائلاً: “تقبل الولايات المتحدة الحجة الإسرائيلية الأساسية ومفادها أنه في ضوء ما يحدث في المنطقة – فجأة بدأ الجهاديون بالسيطرة على سوريا، وليس هناك من يُخبر ما الذي سيحدث في أماكن أخرى أو متى سوف يأتون إلى هنا. فهناك مسوِّغ شرعي للقلق إذاً”. لقد أقنع إشتداد القتال العديد من الإسرائيليين أن المنطقة ستُعدَم الإستقرار أو حتى أن الفوضى ستعمها لبعض الوقت، ناهين بذلك عقوداً من التمركز الإستراتيجي والتخطيط العسكري.
وقد شعر المسؤولون الأمنيون والسياسيون الإسرائيليون بالقلق إزاء التطورات السريعة على الأرض وعلى الساحة الدبلوماسية التي حصلت في الأسابيع الأخيرة. وتأتي تلميحات واشنطن بشأن إيران، ليس فقط بشأن المسألة النووية ولكن أيضاً فيما يتعلق بسوريا والعراق، لتؤكد أن الولايات المتحدة تنظر إلى المنطقة بطريقة مختلفة عن طريقة إسرائيل والحلفاء المقربين. وفي الوقت نفسه، تلعب المملكة العربية السعودية، التي تشارك إسرائيل قلقها حول شجاعة إيران، دور الممول للجماعات السنية التي تعتبر إسرائيل عدواً مطلقاً.
ومن جهته، أفاد دوري غولد الذي يتبنى المقولة الشائنة “فلنمضي قدماً في تجويع شعب غزة”، وهو سفير إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة، وحالياً يشغل منصب مستشار السياسة الخارجية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، لصحيفة نيويورك تايمز مؤخراً أن “المنطقة مليئة بالخيارات السيئة. وهذا يتطلب أخذ الأمن الخاص على محمل الجد. ويجب أن لا يُخيفنا قول الناس: “حسناً، هذا تحليل لأسوأ الحالات”، لأنه في الآونة الأخيرة، يزداد هذا “الأسوأ” اقتراباً منا”.
في الواقع، “الأسوأ يقترب منكم”، فالصهاينة يحتلون فلسطين بشكل غير قانوني، وأنصارهم الدوليون يواجهون – ليس حقيقة تطور المقاومة وتقدمها في العشرات من الطرق والأساليب هذه الأيام فحسب مع رفض التاريخ لإستمرارية إحتلالهم – بل أيضاً شكوكاً متزايدةً في الأوساط الصهيونية.