شكوك تغلّف عمل منصة “صيرفة”: حجم تداول العمليات لا يتطابق مع الواقع
موقع العهد الإخباري-
فاطمة سلامة:
لا يمكن فصل أداء بعض الصيارفة عن أزمة سوق النقد في لبنان. الارتفاع بسعر صرف الدولار وجد بيئة خصبة له في سوق الصيرفة فنما على هوامش ربح غير شرعية ما سرّع في الانهيار الدراماتيكي لليرة اللبنانية. طبعًا، نحن هنا لا نحمّل المسؤولية للصيارفة فقط. ثمّة عوامل عديدة كان بعض الصيارفة جزءًا منها بدعم وتعمية من مصرف لبنان في كثير من الأحيان، ما دفع بسعر الصرف الى التحليق. تجربة “الدولار المدعوم” واستخدامه لمآرب وأهداف ربحية خاصة تشكّل عيّنة بسيطة عن الممارسات غير القانونية.
والمفارقة أنّ مصرف لبنان الذي لطالما فوّض الصيارفة وأعطاهم صلاحيات عدّة أعلن حاكمه رياض سلامة قبل أيام أنّه سيتم تحويل الصرافين على الهيئة المصرفية العليا بدءاً بمؤسسات الصرافة من الفئة “أ”. بحسب سلامة، بعد الاطّلاع على المعلومات المسجلة من قبل الصرافين على منصة “صيرفة”، تبيّن أنّ الأرقام لا تتطابق مع الواقع. وعليه، قرّر مصرف لبنان أن يصبح تنفيذ عمليات بيع الدولار الأميركي للمسجلين على منصة “صيرفة” بشكل يومي بدءًا من اليوم الإثنين (21 حزيران) بعد أن كانت يتم تسجيل هذه العمليات أسبوعيًا. فما دلالة عدم مطابقة الأرقام التي يُصرّح عنها الصيارفة للواقع الفعلي؟.
عكوش: حركة الأعمال اليومية للصرافين يجب أن تتراوح بين 50 و60 مليون دولار
الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش يشير في حديث لموقع “العهد” الإخباري الى أنّ التعميم 149 الصادر عن مصرف لبنان تحدّث عن الجهات المفترض أن تسجّل على منصة “صيرفة” للحصول على الدولار. وفق عكوش، فإنّ الصرافين من فئة “أ”، وجميع المصارف، مُلزمون بالتسجيل. وبحسب التعاميم اللاحقة طلب مصرف لبنان تقديم الطلبات وفقًا لشروط محدّدة بحيث يقدّم المستورد ملفًا معينًا مرفقًا بكل المستندات كي يلبي طلبه ويشتري عبر المنصة أي عبر السعر الذي حدّده مصرف لبنان بـ 12 ألف ليرة للدولار الواحد.
شكوك تغلّف عمل منصة “صيرفة”: حجم تداول العمليات لا يتطابق مع الواقع
ويوضح عكوش أنّ منصة “صيرفة” بدأت عملها بشكل فعلي في مستهل الشهر الحالي تقريبًا ولكن بوتيرة بطيئة، فحجم تداول العمليات لم يتجاوز في الأسبوع 35 مليون دولار تقريبًا للصيارفة والمصارف معًا. مصرف لبنان لاحظ أنّ حركة الأعمال التي يصرّح بها الصرافون من فئة “أ” لا تتلاءم مع الحركة الفعلية لحركة الصرافة في لبنان، فمعظم حركات الصرافة في البلد تحصل عن طريق الصرافين خاصة العمليات التي لا يموّلها مصرف لبنان والتي بلغت قيمتها بحسب أرقام الاستيراد 11 مليار دولار عام 2020. واذا ما استثنينا منها السلع الأساسية أي بحدود الـ5 مليارات دولار يبلغ عدد الأموال التي تأمّنت عن طريق السوق السوداء أو الصرافين 6 مليارات دولار. وبحسب عكوش اذا احتسبنا حجم العمليات يكون لدينا يوميًا ما بين 50 الى 60 مليون دولار كحركة يومية من المفترض أن يقوم بها الصرافون خاصة أن معظم العمليات الكبيرة تتم عن طريق صرافي الفئة “أ”.
وعليه، يشدّد عكوش على أنّ حجم العمليات التي صرّح عنها الصرافون -وهم مجبرون على التصريح- غير مطابق للحجم الفعلي بالسوق بحسب الأرقام المتداولة للاستيراد. لذلك، طلب مصرف لبنان إجراء تحقيق مع الصرافين من فئة “أ”. وفق عكوش، العدد محدود وبالإمكان إجراء التحقيق لتبيان الحقيقة لأن ما يحصل غير صحيح، فالارقام التي يصرّح بها الصرافون يجب أن تكون أرقامًا قريبة من الأرقام الفعلية والا فهناك مشكلة حقيقية.
أسباب عدة لعدم مطابقة الأرقام للواقع الفعلي
ولدى سؤاله عن الغاية والأسباب التي تمنع الصرافين من التصريح عن الأرقام الحقيقية، يُرجع عكوش الأسباب الى عدّة احتمالات. أولًا، من مصلحة الصرافين عدم التصريح عن العمليات، فالشركات عندما تريد التصريح عن العمليات لمصرف لبنان يجب أن تلتزم بالأرقام التي ستقدّم لوزارة المالية، وبالتالي فالأرقام التي يصرّح عنها بشكل رسمي لمصرف لبنان تصبح خاضعة للضريبة عن طريق وزارة المالية. وهنا يبرز احتمال التهرب الضريبي. في الاحتمال الثاني، لا يستبعد عكوش نظرية أن تُستخدم بعض العمليات من قبل الصيارفة في السوق السوداء. حظوظ هذا الاحتمال كبيرة، فمن مصلحة الصرافين بيع الدولار في السوق السوداء لتحقيق هامش ربح عالٍ خصوصًا أن مصرف لبنان وضع هامش ربح محدّداً بـ100 و125 ليرة للدولار الواحد، بينما من الممكن تحقيق هوامش كبرى تتراوح بين 300 و500 ليرة في السوق السوداء.
ثالثًا، يرى عكوش أنّه قد يكون من مصلحة الصيارفة عدم الإفصاح عن سجلاتهم، فبعض العمليات قد لا يريدون التصريح عنها نزولًا عند طلب بعض الجهات التي لا تريد التصريح عن اسمها، ونحن نعرف أنّ بعض العمليات التي تتجاوز مبلغًا محددًا من المفترض أن يتحقق مصرف لبنان منها للتأكد من أنّها لا تحتوي على عمليات تبييض أموال أو تهريب، وعليه قد لا يتم إدراجها لتفادي التحقيق.
مصرف لبنان ليس شفافًا في كل التحقيقات التي يجريها
لكن عكوش لا يبدو متفائلًا بإمكانية أن تصل التحقيقات التي أعلن عنها مصرف لبنان الى خرق ما. تجربتنا مع مصرف لبنان تبيّن أنه ليس شفافًا في كل التحقيقات التي يجريها. ثمّة أشخاص حوّلوا الى التحقيق إثر تعاميم سابقة ولكن لم يحقق معهم. وفق عكوش، قد يكون بيان المركزي استعراضيا بعد أن باتت الأمور مكشوفة لجهة أنّ حجم التداول بمنصة “صيرفة” أقل بكثير من الحجم الفعلي للسوق.
نقابة الصيارفة: الموضوع تقني بحت
مصادر نقابة الصيارفة تبرّر في حديث لموقع “العهد” عدم مطابقة الأرقام للواقع بالإشارة الى أنّ القضية بحت تقنية، فالعديد من الصيارفة لم يتعوّدوا بعد على آلية إدخال البيانات على منصة “صيرفة”. تؤيّد المصادر بيان مصرف لبنان لجهة التفاوت في الأرقام لكنّها تشير في المقابل الى أنّ الصرافين لم يعتادوا بعد على آلية العمل، موضحةً أن القضية ستُحل في الأيام المقبلة.