شروط بومبيو أم أحلام نتنياهو؟!
صحيفة الوطن العمانية ـ
عبد اللطيف مهنا:
مع أن اشتراطات بومبيو ووعيده يرتقيان إلى مستوى اعلان حرب، فلا نعتقد بأنه من السهل على الإدارة الأميركية ولا في واردها التورُّط في هزيمة مضافة لمتوالية تلك الهزائم التي حصدتها كافة حروب بلادها العدوانية الخاسرة، التي تلت الحرب الكونية الثانية. فيتنام، أفغانستان، العراق. والمرجَّح أنه ما زال في الإدارة الأميركية هناك من يدرك بعد أن إيران ليست العراق أو أفغانستان ولا ليبيا.
نطق بومبيو بكل ما كان يلهج به نتنياهو ويردده منذ زمن أوباما. هذا هو مختصر ما تضمَّنته الاشتراطات الاثني عشر التي يطالب بها وزير الخارجية الأميركي إيران ليعقد معها اتفاقا جديدا يجب سابقه الدولي، المعروف بـ”5 + 1″، والذي بات بعد انسحاب الأميركيين منه “4 + I”، حول الملف النووي الإيراني والمصادق عليه من قبل مجلس الأمن الدولي. جديد بومبيو يتسع للكثير الذي يتعدى هذا الملف، والذي من شأنه أن يجعل من إيران، لو قبلته، وهي قطعا لن تفعل، غير إيران هذه التي نعرفها ويعرفها الإيرانيون. كما أن بومبيو تفضّل فخيَّرها بين اثنتين لا ثالث لهما، إما القبول أو “عقوبات لم يسبق لها مثيلا في التاريخ”!
ما نطق به وزير الخارجية الأميركي هو ما يشير بجلاء إلى كنه الاستراتيجية التي اعتمدها ترامب وأوكل أمر تنفيذها إلى ذئاب إدارته الثلاثة المتصهينين والكارهين للعرب والمسلمين والمشاركين في وضعها، جون بولتون، وجيم ماتيس، ومايك بومبيو، والتي ترسم كيفية التعامل المراد مع إيران. ويمكن أن نضيف للثلاثة ورئيسهم، جينا هاسبل، سيدة التعذيب الشهيرة، التي باتت مديرة للـ”CIA”. أما هدف هذه الاستراتيجية، أو ما عكسته اشتراطاتها، فما من ما يدعونا للتردد في القول بأنه ليس سوى محاولة تغيير النظام في جمهورية ايران الإسلامية والإتيان بنقيضه.
شروط بومبيو معروفه، وفوق كونها تعجيزية، وتضمنت مطالب مضحكة، من مثل، “وقف دعم تنظيم طالبان والقاعدة”، فهي تتضمن تدخلا سافرا ومباشرا في الشؤون الداخلية الإيرانية، أما جوهرها، فهو فوق الإنهاء الكلي للبرنامج النووي السلمي الإيراني والتمهيد لتدمير المنجز منه، إنهاء برنامج الصواريخ البالستية وتدمير راهن الترسانة الإيرانية منها لحرمان إيران مما توفره لها من وسيلة دفاعية مشروعة. يليه، وتحت لافتة “وقف دعم الإرهاب”، مطالبة طهران بوقف دعمها للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية والحشد الشعبي العراقي، ثم مطالبتها بـ”وقف التدخُّل في نزاعات الشرق الأوسط”، التي تعني وقف مساندتها لحقوق الشعب الفلسطيني، ولسوريا في مواجهتها للحرب الكونية التي تُشن عليها، أضف إليه، موقفها إزاء وحدة العراق وحرب اليمن، وأخيرا، مطالبتها بالانسحاب وإنهاء وجودها العسكري الداعم لسوريا.. باختصار، هم هنا يتجاوزون الملف النووي إلى الشؤون العسكرية الإيرانية، وعلاقات دولة إقليمية كبرى بإقليمها، والهدف، كما قلنا، تغيير النظام كأولوية لهم وخدمةً لإسرائيلهم.
ومع أن اشتراطات بومبيو ووعيده يرتقيان إلى مستوى اعلان حرب، فلا نعتقد بأنه من السهل على الإدارة الأميركية ولا في واردها التورُّط في هزيمة مضافة لمتوالية تلك الهزائم التي حصدتها كافة حروب بلادها العدوانية الخاسرة، التي تلت الحرب الكونية الثانية. فيتنام، أفغانستان، العراق. والمرجَّح أنه ما زال في الإدارة الأميركية هناك من يدرك بعد أن إيران ليست العراق أو أفغانستان ولا ليبيا.
وعليه، أما وأن لائحة بومبيو مرفوضة من إيران، فعقوبته “التاريخية” ستعني حصارا اقتصاديا شبيها بذاك الذي فرض على العراق، أو المضروب على كوريا الشمالية. وهذا يفسّر كل مظاهر البهجة التي عمت الكيان الاحتلالي الغاصب في فلسطين، لا سيَّما المستويين السياسي والإعلامي المرحبين بوعيد بومبيو، وإن لم يخلُ ضجيج هذه البهجة العارمة من تفرُّد أصوات تنبَّهت ونبَّهت إلى وجوب عدم المغالاة في المراهنة على اشتراطات الإدارة الأميركية وحصاد وعيدها الخلبي، ومن بين هؤلاء يوسي ملمان محلل الشؤون الأمنية في صحيفة “معاريف” الذي وصف شروط بومبيو بـ”قائمة أحلام نتنياهو” ونعتها بالآمال.
لقد خبرت إيران طيلة الأربعين عاما الماضية، التي أعقبت انتصار ثورتها الإسلامية، كافة أوجه التهديدات الأميركية، والتي لم تتوقف من حينها. والإيرانيون لم يفرقوا يوما كبعض العرب بين الأميركان وإسرائيلهم، وهم يعيشون حصارا ممتدا تعايشوا معه واحتالوا ما في وسعهم للتخفيف من وطأته، والذي رافقهم منذ أن وطئت أقدام الإمام الخميني أرض طهران بعيد اندلاع الثورة، وفي ظل العدوانية الأميركية والحصار الدائمين أسسوا نظامهم وأقاموا دولتهم الإقليمية الكبرى وبنوا نفوذهم في محيطهم، وشادوا بُنى قدراتهم العسكرية ونمّوها باطراد حتى باتت هاجس الغزاة المحتلين في فلسطين ومدعاة تحريضهم الذي لا ينقطع للعدوانية الأميركية وحثها الدائم ضدهم. لذا لا أعتقد أن من خبروا عدوانية “الشيطان الأكبر” قد فوجئوا بلائحة بومبيو، مثلما هم لم يتفاجأوا بخروج ترامب من اتفاقية الملف النووي، وأجزم بأنهم قد استعدوا لكافة السيناريوهات المترتبة.
يدرك الإيرانيون أن تهديدات بومبيو ليست موجَّهة لهم وحدهم، وإنما تطول معهم الأربعة زائدا واحدا. وإذ لا يثقون في الأوروبيين، ولا يعتمدون كثيرا على غضبتهم من بلطجة حليفهم المضرة بمصالحهم، وأقله، أن حصار النفط الإيراني، سيرفع من سعر نفطه الصخري، يدركون أنهم لن يبتعدوا كثيرا عن بيت طاعته. لذا بدهائهم التليد وصبر صانع السجَّاد الماهر، بينما ينطلقون من اعتمادهم على الذات، يضربون على وتر المصالح الأوروبية التي تتهددها سياسات ترامب، ويولون التحولات الكونية الدائرة من حولهم، والتي يقرأون جيدا كنهها، ما تستحقه من مراهنات وينسجون علائقهم بما ينسجم معها ويفيدهم منها.