شرق الفرات: بين المواجهة الكبرى والصفقة الكبرى
موقع العهد الإخباري-
حيّان نيّوف:
بشكل متسارع تتواتر الأنباء وتتوارد من الجزيرة السورية وتحديدا من دير الزور وريفها، حيث تشهد المنطقة مواجهات عنيفة بين أبناء العشائر العربية وميليشيا قوات “قسد” التي تسيطر على ما يعرف بالإدارة الذاتية لشرق وشمال الفرات.
الإشتباكات بين الجانبين انطلقت منذ عدة أيام على أثر اعتقال المدعو “أحمد الخبيل” المعروف باسم أبو خولة والذي يرأس ما يعرف بمجلس دير الزور العسكري الذي يتبع للإدارة الذاتية التي شكلتها قوات الإحتلال الأمريكي و تتولى حمايتها في الشرق السوري.
وصحيح أن اعتقال المدعو “أبو خولة” كان الشرارة التي أطلقت المواجهة، غير أنه سرعان ما بدأت المواجهة تتحول بشكل متسارع إلى انتفاضة لأبناء العشائر والقبائل العربية في دير الزور خصوصا والجزيرة السورية عموما ضد قوات قسد المدعومة أميركيا، حيث أعلن العديد من شيوخ العشائر والقبائل في الشرق السوري النفير العام ضد التمييز وسوء المعاملة التي يتعرضون لها من قبل ميليشيا قسد والإدارة الذاتية، ولتصبح قضية المدعو أبو خولة قضية ثانوية خاصة أنه كان يمثل إلى الأمس القريب حليفا رئيسيا لقسد وذراعا لها ولقوات الإحتلال الامريكي في دير الزور خصوصا وضد أبناء جلدته من العشائر.
بالنسبة لميليشيا “قسد” فإنه يمكن القول اليوم بأنها في مأزق حقيقي، فالمسيّرات التركية تغتال قياداتها الواحد تلو الآخر بشكل شبه يومي، والعشائر العربية انتفضت بوجهها، في الوقت الذي ما زال حليفها الأميركي يتخذ موقفاً حيادياً ويكتفي بالمراقبة سواء بالنسبة لاعتداءات التركي او لانتفاضة العشائر او ما يتبع منها من فصائل للأميركي، ومأزق “قسد” ليس مفاجئاً، ويمكن القول بأنه يشكل نتيجة متوقعة منذ مدة طويلة خاصة أن العشائر باتت تهدد ليس بتحرير دير الزور فقط بل وبالتوجه إلى محافظة الحسكة.
وبالنسبة للأمريكي فإن قوات الإحتلال هناك ما زالت تتبنى موقفا حياديا مما يجري في دير الزور خصوصا والجزيرة السورية عموما، هذا الموقف الحيادي يعكس في أحد جوانبه حذرا وتحوّطاً من تبعات إظهار أي موقف غير متوازن أو غير محسوب، ذلك بأن وقوف الأميركي علناً مع “قسد” يعني انقلاب كل أبناء العشائر ضد الإحتلال الامريكي هناك، وهذا أمر له تبعات كارثية على الاميركي ليس في سورية وحسب بل يمكن ان تمتد تلك التبعات إلى العراق و ربما الأردن حيث امتدادات أبناء العشائر عبر الحدود، هذا بالإضافة إلى أن الأميركي يخشى موقفا تركياً يزيد من خلط الاوراق وهو ما لا ترغب به الولايات المتحدة اليوم. بالمقابل فأن وقوف قوات الإحتلال الأمريكي إلى جانب أبناء العشائر سيتسبب بامتعاضٍ كردي قد يمتد من شمال العراق إلى الشمال والشمال الشرقي السوري، وبالنتيجة فإنه يمكن القول بأن الأميركي هو الآخر قد يكون في مأزق حقيقي مما يجري.
وبالعودة إلى الوراء قليلا فإن الفترة السابقة التي امتدت لما يقارب الشهرين شهدت ضخاً وتسريبات اعلامية و مواقف سياسية و تحركات ميدانية محلية واقليمية ودولية عدة حول الوضع في الشرق السوري و تحديدا دير الزور، وتحدثت مصادر عدة عن نية قوات الإحتلال الامريكي بإغلاق الحدود السورية العراقية، وتحدثت مصادر اخرى عن مخطط امريكي للسيطرة على معبر القائم/ البوكمال، وقبل ذلك ترددت معلومات عن تحشيدات عسكرية على ضفتي نهر الفرات في دير الزور لقوات الإحتلال الامريكي وحلفائها من جهة وقوات الجيش العربي السوري و حلفائه من جهة اخرى.
ترافق ذلك كله مع ضغط اقتصادي كبير على سورية وعلى الإقتصاد السوري، واستغلال للضائقة المعيشة لأبناء الشعب السوري لإحداث حراكات في الشارع واستغلالها سياسبا وخاصة في الجنوب السوري في محافظة السويداء وسط ضخ إعلامي مضلل من قبل وسائل الإعلام ذاتها التي قادت المعركة ضد سورية طوال سنوات الحرب عليها.
وبرزت العديد من المواقف من قبل مكونات محور المقاومة من طهران وبيروت ودمشق وحتى بغداد، وتلك المواقف كانت حاسمة لجهة التصدي الحاسم للمخطط الأمريكي الهادف لغلق الحدود السورية العراقية وقطع الطريق البري بين البلدين ، وقد عبر عن هذه المواقف كبار القادة والمسؤولين في محور المقاومة وهو ما عكس جدية المخطط الأمريكي وخطورته.
ويمكن تلخيص المشهد الحالي في الشرق السوري اليوم بالقول بأن حالة الستاتيك الميداني النسبية التي كانت سائدة طوال سنوات قد انتهت بفعل المواجهات الجديدة وما سبقها ورافقها من مواقف سياسبة، وتجري حاليا عملية تغيير للمعادلات والتحالفات التي حكمت المنطقة هناك لسنوات، وهذا التغيير الذي بدأ من دير الزور مرشح بشكل شبه حتمي للإمتداد إلى الحسكة والرقة و وصولا إلى أقصى الشمال والشمال الشرقي السوري وربما إلى الشمال الغربي خاصة بعد ما تسرب من معلومات عن توجه جبهة النصرة الإرهابية في ادلب لمؤازرة و دعم قوات قسد بمواجهة أبناء العشائر العربية في دير الزور، وهو أمر إذا ثبت صحته ، فلا يمكن تفسيره إلا من زاوية واحدة، وهي بأن الإرهابي “ابو محمد الجولاني” بات يتخوف من أن سقوط تجربة قسد أو ما يعرف بالإدارة الذاتية التي تقودها قسد في الجزيرة السورية، يعني أن الأمر سينسحب لاحقاً على إدلب والشمال الغربي السوري، بل يمكن القول بأن الجولاني يخشى من طبخة أوسع تتضمن مقايضة قسد بالنصرة ، و بالمحصلة يتم التضحية بالإثنين معاً، وبمعنى آخر فإن الجولاني يخشى بأن تكون تركيا قد باعته مقابل التخلص من قسد.
حتى الآن لا يمكن وصف ما يجري بأنه يعكس تنفيذا لصفقة كبرى جرى التفاهم عليها، لكنه في ذات الوقت يعكس انهيارا للوضع الذي بقي قائما لسنوات، وتبدلاً في خريطة التحالفات القائمة ، وخلطاً متمدا للاوراق في مناطق الإحتلال الامريكي للشرق السوري، وهو ما بدأ كما قلنا بموقف حاسم لإسقاط المخطط الامريكي لإغلاق الحدود السورية العراقية، وهذا الخلط الميداني من وما سينتج عنه من معادلات جديدة قد يدفع باتجاه انجاز صفقة كبرى في الميدان شرط أن يكون أساسها دخول الجيش العربي السوري إلى كامل الجزيرة السورية و انتشاره على كامل الحدود وخروج قوات الإحتلال الامريكي، وأما الإحتمال الثاني فيتمثل باستمرار المواجهات الحالية و توسعها و ودخول القوى الفاعلة و الحقيقة الإقليمية و الدولية على خط المواجهة بشكل مباشر وهذه معركة تحدث عنها سماحة السيد حسن نصرالله في خطاب التحرير الثاني بقوله “إذا اراد الأميركيون أن يقاتلوا بأنفسهم فأهلا وسهلا، هذه هي المعركة التي ستغير المعادلات”.
وبالمحصلة؛ لا حلّ لما يجري في الجزيرة السورية إلّا بالعودة إلى كنف الدولة السورية وانتشار الجيش العربي السوري في كامل المنطقة وعلى طول الحدود، وهذه هي النتيجة النهائية التي ستؤول إليها الأحداث هناك والمرشحّة بطبيعة الحال للتصعيد مهما كان الخيار الامريكي بالمواجهة أو بالإنكفاء والرحيل.