شرارات معركة الشمال السوري تطال جنيف
صحيفة السفير اللبنانية ـ
محمد بلوط:
نبل والزهراء في «جنيف 3». المعركة من أجل الوصول إلى البلدتين المحاصرتين منذ أربعة أعوام في الريف الشمالي لحلب، تردد صداها على طاولة المفاوضات السورية التي لا يزال أمر انعقادها متفاوتاً بين وفد مجموعة الرياض، الذي لا يرى فيها سوى مجرد دردشات مع ستيفان دي ميستورا، وبين الوسيط الدولي الذي اعتقد بعد لقاء أولي معهم أن «جنيف 3» قد بدأ رسمياً.
ولم يجد دي ميستورا من يستقبله منهم ظهرا، عندما قالت العضو في وفد المعارضة بسمة قضماني إنه «من المحتمل ألا يحضروا المحادثات اليوم (أمس) بعدما شنت القوات الموالية للحكومة السورية هجوماً كبيراً على مواقع للمعارضة في حلب».
وبعد لقاء كان من المفترض فيه أن يكون فاتحة المفاوضات مع الوسيط الدولي، لم يجد رئيس الوفد الحكومي المفاوض بشار الجعفري إلا القائمة الموعودة بأسماء من سيفاوضهم، واستمرت لليوم الثالث حيرة السفير بشار الجعفري أمام مشهد مجموعة الرياض المتعثر، ليقول «ما زلنا في إطار الإجراءات التحضيرية للمحادثات غير المباشرة، وما زلنا بانتظار معرفة مع من سنتحاور، لا شيء واضحا حتى الآن».
وقال دي ميستورا، في مقابلة مع قناة «آر تي أس» السويسرية، إنه سيلتقي مع «الوفود المختلفة» اليوم من دون أن يحددها بالاسم، مضيفاً أن لروسيا والولايات المتحدة مصلحة في حل الصراع.
وحول ما إذا كانت محادثات جنيف قد تبوء بالفشل الذريع، قال دي ميستورا «هذا محتمل دوما، لا سيما بعد خمس سنوات من الحرب المروعة، حيث يكره كل طرف الآخر، وحيث تغيب الثقة تماما». وأضاف «إذا فشلت هذه المرة، بعدما حاولنا مرتين في مؤتمرات في جنيف، فلن يكون هناك أمل آخر بالنسبة إلى سوريا. علينا قطعاً محاولة ضمان عدم فشلها».
ولم تكن العملية الهشة أصلاً، تنتظر دخول المعارك الميدانية على خط محاولة التفاوض، لكي تترنح مجدداً، أو يهدد وفد الرياض بأنه لن يفاوض، على إيقاع عمليات ميدانية لا تصب في مصلحته، وتسهم يوماً بعد يوم في انتزاع أوراقه القليلة أصلاً، منذ انخراط الروس في العملية العسكرية، وتراجع القدرة التركية على المناورة نسبياً في الشمال السوري، وترجيح كفة الجيش السوري. إذ كانت قضماني نفسها قد أنذرت منذ وصول الوفد أنه لن يبقى أبعد من الخميس المقبل.
وكانت المعركة في ريف حلب الشمالي قد وصلت من دون دعوة إلى جنيف، لتمنح «الائتلافيين» وجماعة «الإخوان المسلمين» والعسكريين، في الوفد الذي لم يأت إلا تحت الضغوط الأميركية – السعودية، فرصة التهرب من استحقاق التفاوض. وشهد فندق «ان اتش» في قلب جنيف تمرداً على الإرادة الأميركية والسعودية بخوض المفاوضات، عندما خرج جورج صبرا للهجوم على اجتماع أمس مع دي ميستورا، أو مواصلة اللقاءات، فيما لم تؤد أي منها إلى انتزاع أي تنازل من الوفد الحكومي، يمكن تقديمه إلى المجموعات المسلحة كانتصار تم تحقيقه من دون «التنازل» للتفاوض مع الحكومة السورية، وعبر التلويح فقط بعدم الدخول إلى قاعة المفاوضات.
غير أن ما حصل هو أن المفاوضات لم تؤد إلى تحقيق أي تراجع في مواقف الحكومة السورية، أو إبطاء إيقاع العمليات العسكرية، لتلتقط المجموعات المسلحة أنفاسها، بعد هزائمها في أرياف اللاذقية وحلب الجنوبية والشرقية، بل إن الميدان التهب بتنسيق سوري – روسي، لتصاب هذه المجموعات بخسائر أفدح مما انتظرت، عوضاً عن الهدن والتنازلات التي تم إقناعها بها لدعم العملية السياسية.
وقد يكون صح حدس المعارضين بالقول إن الأميركيين، الذين يدفعون بهم إلى المفاوضات، ليسوا بعيدين عن الموافقة على العمليات العسكرية الروسية. وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد حاول طمأنة المحتجين على جنيف، بالقول «انه يجب أن يكون التوصل إلى وقف لإطلاق النار ممكناً. فالروس يستطيعون ضبط طائرتهم. ويستطيع الروس والإيرانيون الذين يدعمون (الرئيس بشار) الأسد، ضبط طائراته». فيما لا تزال المعادلة الروسية التي أرساها وزير الخارجية سيرغي لافروف قائمة بالفصل كما قال «بين جنيف ومسار العمليات الميدانية» بانتظار تجديد التفاهم الروسي – الأميركي، وتقييم «جنيف 3»، خلال اجتماع ميونيخ في 11 شباط الحالي لمجموعة الدعم الدولية لسوريا.
ويبدو أن محاولة التمرد لم تتطور إلى انقلاب كامل على قرار المشاركة في «جنيف 3»، إذ تقول مصادر في المعارضة إن الأميركيين والسعوديين أجهضوا المحاولة في المهد. وأجرى رئيس الهيئة التفاوضية رياض حجاب اتصالات هاتفية، منفردة مع نائب رئيس الوفد المفاوض جورج صبرا، والمتحدث باسمه سالم المسلط، وكبير مفاوضيه محمد مصطفى علوش، وطلب منهم أن يخرجوا على وسائل الإعلام للتراجع عن التصريحات، والبقاء في جنيف، ريثما يصل حجاب ورئيس «الائتلاف» خالد خوجة إليها اليوم، لإعادة ضبط أداء الوفد، واستئناف المشاورات مع دي ميستورا.
غير أن الهجوم الذي كاد يطيح «جنيف 3» لن يتوقف، وسيضع المعارضين أمام المزيد من الضغوط من قواعدهم، كما يتوقعون، فضلا عن وجود تيار واسع من الصقور داخل من جاؤوا إلى جنيف يريد أن يحزم حقائبه ليعود أدراجه مجدداً إلى الرياض. إذ لم يكن الهجوم نفسه مباغتاً في ريف حلب الشمالي، وهو هجوم أُعلن عنه عشرات المرات من دون أن يتحقق، قبل أن يقرر الجيش السوري فجأة إرسال عشرة آلاف مقاتل مع حلفائه على جبهة طولها سبعة كيلومترات، وهو رقم قياسي في حالة الجيش الذي استنزف، لكنه تمكن من حشد هذا العدد من المقاتلين في رقعة ضيقة نسبياً.
وكان الجيش قد قام مع ذلك بمناورة تمهيدية توضح بدء الهجوم لفك الحصار عن نبل والزهراء، عندما استعاد دوير الزيتون وتل الجبين حول باشكوي لتأمين ميسرته، وخلفية قواته، وإطلاقها نحو هدفها.
ويمكن القول إن «الائتلافيين» و «الإخوان» والذين أيدوا ضم العسكريين إلى الوفد المفاوض، أخطأوا الرهان على إشراكهم لاحتواء قاعدتهم المقاتلة، وتسهيل دمجهم بالعملية السياسية، وضمان تنفيذ الالتزامات المطلوبة، وهو رهان دافع الأميركيون عنه. واستطاع العسكريون، الذين مثلهم الثلاثي محمد علوش والعقيدان عبد الباسط الطويل واسعد الزعبي، تجاوز السياسيين، في الاستئثار تدريجياً بتحديد إيقاع التفاوض، والتهديد في كل لحظة بالانسحاب والعودة إلى ساحات القتال.
وقد تصل مؤازرة جنيف السياسية والعسكرية متأخرة جداً لاحتواء هجوم الجيش السوري، إذ تتوقع غرف عملياته أن تصل طليعة قواته إلى الزهراء ونبل خلال الساعات المقبلة. وقدم الروس إسناداً جوياً قياسياً، إذ شنت طائراتهم خلال 24 ساعة أكثر من 320 غارة لتدمير خطوط المدافعين عن رتيان التي تفصل المهاجمين، عن ملاقاة عناصر اللجان الشعبية في نبل والزهراء، الذين شنوا هجوماً باتجاه ماير، في الجنوب الشرقي، ووضع المسلحين بين فكي كماشة، إذ يتقدم الجيش على محور معرسة الجب شمال شرق الزهراء.
وشلت الغارات الروسية أي محاولة تركية لإرسال تعزيزات إلى «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» خاصة، ودمرت الغارات ثلاثة أرتال مؤازرة حاولت التقدم من مسقان وعندان ومعرسة الخان. ويشكل الهجوم الكثيف الروسي جواً، رسالة واضحة عن حجم التنسيق الإيراني – الروسي في هذه المعركة، التي تشارك فيها وحدات من الحرس الإيراني والمقاومة. وستؤدي استعادة الزهراء ونبل إلى إسقاط ورقة إقليمية تركية مهمة ابتزت فيها أنقرة منذ أربعة أعوام دمشق وطهران، وتؤكد التراجع المستمر لتركيا في الشمال السوري، من المتوسط عبر اللاذقية، حتى حلب.
[ad_2]