«شتم المقاومة الفلسطينية» تمهيد للحوار بين أنقرة وتل أبيب
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
علي حيدر:
مع الإعلان في تل أبيب عن بدء الحوار السياسي مع أنقرة، للمرة الأولى منذ عام 2010، تتكشف جوانب إضافية للإهانة التي وجهها نائب رئيس الوزراء التركي، محمد شيمشك، إلى مقاومة الشعب الفلسطيني. ويشي التعاقب بين الحدثين بأن هذه الشتيمة لم تكن سوى جزء من عمليات التمهيد اللازمة؛ فلو لم يكن الموقف التركي ضمن هذا المنسوب من الشتم للمقاومة، لكان من المشكوك فيه أن توافق تل أبيب على استكمال المسار السياسي المتصاعد بين الدولتين.
وسيشهد هذا المسار تطوراً في الاتصالات السياسية باتجاه «الحوار السياسي»، كما لفتت صحيفة «هآرتس»، والذي يجري للمرة الأولى منذ حادثة سفينة مرمرة، مع وصول المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، يوفال روتم، بعد حوالى أسبوعين، إلى أنقرة، للقاء نظيره التركي. وتشكل هذه الخطوة تتويجاً لمسار القطيعة مع تلك المرحلة التي حاول فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يقدم نفسه كناصر للشعب الفلسطيني، مع التذكير بأنه لم يتجاوز السقوف الحمراء الإسرائيلية والأميركية، حتى في ذروة المواجهة الكلامية مع الطرف الإسرائيلي، كما أنه لم ينتقل إلى مرحلة دعم المقاومة الفلسطينية.
من الواضح أن هذا الحوار الثنائي ليس مقدمة لاستكشاف هل بالإمكان الحصول على أثمان «ملائمة»، على أن يُبنى على الشيء مقتضاه، بل خطوة استكمالية لخيار القطيعة الظرفية مع مرحلة 2010، وتمهيد للارتقاء في مسار التطبيع الذي حسمت تركيا أمرها به. وعادة ما يكون هذا المستوى من الحوار (مديرا وزارة الخارجية) تعبيداً للطريق لرفع مستوى الحوار إلى مستوى وزراء، ووفق نتائجه وتطور الظروف السياسية، نحو مستويات أعلى.
امتداداً لهذا المسار الذي بات بالإمكان تحقيقه على وقع المواقف التركية، لم يعد من الصعوبة الجزم بأن ما يجري حتى الآن ليس سوى مقدمات سوف تظهر نتائجه تباعاً على المستوى الثنائي والإقليمي، وأيضاً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. مع ذلك، لم يترك المسؤول الإسرائيلي، الذي نقلت عنه «هآرتس»، محاور الحوار المرتقب غامضة، موضحاً أنها ستشمل قضايا سياسية وأمنية، مثل: الحرب السورية، والعلاقات مع روسيا والوضع في قطاع غزة والضفة المحتلة، إضافة إلى تعزيز العلاقات الثنائية على مختلف المستويات.
لكن المواقف التركية الرسمية المتتالية، وصولاً إلى الإهانة الأخيرة، تشي بأن التركي هو في موقع من يسترضي الإسرائيلي، في مقابل أن الأخير هو في موقع من يقطف الثمار ويجرّ التركي نحو ثوابته وخياراته. واستناداً إلى التطورات الإقليمية في سوريا والمنطقة ومفاعيلها على أطراف الصراع، يصير مفهوماً العلاقة التبادلية بين تطورات العلاقات الثنائية التركية ــ الإسرائيلية، وبين متغيرات الميدان في الساحة السورية. وبعبارة أدق: يأتي مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب كجزء من مخطط مضاد لاحتواء مفاعيل الانتصارات التي حققها محور المقاومة في الساحة السورية.
أما عن معالم الحوار المتصلة بالضفة والقطاع، فباتت النتائج واضحة من المقدمات التي عبَّدها كلّ من أردوغان، عندما دعا قبل أشهر إلى أفضل العلاقات مع إسرائيل، ونائب رئيس الوزراء التركي بإهانة مقاومة الشعب الفلسطيني. وليس بعيداً عن هذه الأجواء، يأتي أيضاً إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل يومين، أن المنطقة تشهد «تغيرات سياسية إقليمية دراماتيكية، من المتوقع أن يكون بعضها جيداً جداً بالنسبة إلى إسرائيل». ومن الواضح أنه يشير بذلك إلى أكثر من مسار؛ فإلى جانب تطبيع العلاقات الثنائية مع تركيا وتطويرها، هناك أيضاً مسار تعزيز العلاقات مع السعودية وبعض دول الخليج، وهو أكد في مناسبة أخرى أن ما يجمع بين الرياض وتل أبيب أنهما في «جبهة موحدة».
يُذكر أن وسائل إعلام تركية نشرت، أمس، عدة تقارير تتحدث عن خطط الحكومة التركية لدفع العلاقات مع إسرائيل قدماً. وتعليقاً على ذلك، أوضح مسؤول إسرائيلي رفيع في حديث مع صحيفة «هآرتس» أن تصحريات مسؤولين أتراك مع وسائل إعلامهم المحلية حول العلاقات مع إسرائيل لم تكن منسقة مع الأخيرة، لكنها «تدل على رغبة تركية حقيقية في التقدم سريعاً على طريق تطبيع العلاقات». وكان وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، قد صرح الإثنين الماضي في خطاب ألقاه أمام مؤتمر السفراء في وزارة الخارجية في إسطنبول، بأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل هو إحدى النقاط الأساسية في السياسة الخارجية التركية.