شباب لبنان بين الواقع المؤلم والمستقبل المجهول
موقع إنباء الإخباري-
بتول ريّا:
أزمات إقتصادية، إجتماعية، معيشية، صحية وسياسية تسوء وتشتدّ يوم بعد يوم، حياة أصبحت مشبعة بالتعقيدات والمشاكل والصراعات، شعب أنهكه الذل والفقر والظلم والفساد، إنهيار حاد لسعر صرف الليرة ، إرتفاع خيالي لأسعار الأدوية والمحروقات والمواد الأساسيّة وغالبيّة السلع الّتي تشكّل أبسط متطلّبات الحياة، أي أبسط حقوق للمواطن، إنّه الواقع اللبناني، الواقع المأساوي المدمّر للمجتمع بفئاته كافّة .
الشباب هم إحدى فئات هذا المجتمع، وأكثر هذه الفئات فعاليّة، فئة من المفترض أن تكون العمود الفقري لأي وطن، أمل المستقبل، والرأس مال البشري الّذي تحتاجه أي دولة، فئة قد تشمل نخبة من المتخصّصين والمهنيين والخرّيجين وأصحاب الكفاءات واليد العاملة الشابّة، ولكن للأسف هذا ما يخسره لبنان حاليّاً بتركيز وإتّجاه الأكثرية الساحقة من شبابه نحو الهجرة.
والهجرة بدورها قد تكون آخر ما يسعى إليه من يجد في وطنه الأمان والإستقرار، من يجد في وطنه كل ما يحتاجه، من يقدّم له هذا الوطن أبسط حقوقه ومتطلّباته، ولكن هذه الهجرة أصبحت بالنسبة للشباب اللّبناني خياراً لا بديل له، لأنّ المشكلة الأساسيّة لهؤلاء الشباب لا تكمن في حب الوطن والشعور بالإنتماء إليه بقدر ما تكمن في السياسات الفاشلة المعتمدة داخل هذا الوطن، والّتي أوصلته إلى واقع مدمّر على كل المستويات.
الهدف من هذه الهجرة قد يختلف من شخص إلى شخص آخر، رغم وجود سبب موحّد دفع الجميع إليها، والمقصود بإختلاف الأهداف هو إختلاف وضع الشخص، فمنهم من كان يعمل في قطاع معيّن سواء القطاع الصحّي أو التعليمي أو غيرهم من القطاعات، وكان عمله جيّداً إلى حدّ ما قبل الأزمة اللبنانيّة كالأطباء والأساتذة الجامعيّين والمدرّسين والمهندسين، ولكن تدهور الأوضاع في لبنان أدّى إلى سعيهم للهجرة بهدف البحث عن ظروف عمل ودخل أفضل، ومنهم من تخرّج وأنهى تخصّصه حديثاً في ظل هذا الإنهيار ووجد في الهجرة الباب أو الخيار الأمثل لتحقيق أهدافه وبناء مستقبله ونيل ما يستحقّه، ومنهم من لم تسمح لهم الظروف أو الحياة أو المجتمع بإكمال تعليمهم ويعتبرون اليد العاملة لأي قطاع، أصبحت أيضاً الهجرة بالنسبة لهم بقعة الضوء في ظل عتمة بلدهم الطاغية مع إنعدام فرص العمل من جهة لمن لا يعمل أساساً، والتخلّي من جهة أخرى عن عدد كبير منهم كان يعمل، وبالتالي لا بدّ أيضاً من ذكر نوع آخر أو فئة أخرى من هؤلاء الشباب، وهم أصحاب الأعمال والأموال، الأشخاص الميسورون الّذين يبحثون عن الأمان والإستقرار سواء لجهة الإستقرار النفسي أو لجهة الإستقرار المالي الّذي يؤدّي إلى إستثمار أكبر للأموال.
المجتمع اللبناني ينهار، والخلل فيه يزداد، أمل شعبه يخيب، أحلام شبابه تتحطّم، درجات اليأس فيه ترتفع، إقتصاده منهك بالفعل، قطاعاته ومرافقه لم يسلم أيّ منها من تداعيات الأزمة الإقتصاديّة، ولذلك وقعٌ مؤذٍ جدّاً، فطاقة الشباب وقدرتهم على التحمّل والصبر قد نفذت، شباب لطالما أبوا ورفضوا الهجرة وتمسّكوا بوجودهم على أرض الوطن رغم ما كان يحمله من مشاكل وصراعات على السلطة والنفوذ والمال والإقتصاد وتقاسم الحصص، ولكن القدرة على تحمّل هذا كانت لا تزال موجودة والمطالبة بالتغيير كانت هدفاً لكل مواطن، أمّا الوضع الراهن فهو مختلف والأوضاع في لبنان على كلّ الأصعدة والمستويات أصبحت لا تطاق ولا تحتمل، فالشعب اللبناني غرق بالفقر والجوع والبطالة وسوء الخدمات وإنعدامها، والبقاء في الوطن أصبح بالنسبة لهذا الشعب أشبه بالمصارعة مع الموت.
كل ما سبق يشكّل خسارة كبيرة للبنان، خسارة بشريّة، خسارة ماليّة، خسارة إبداعيّة ومهنيّة، تليها خسارة لأي تقدّم أو تطوّر أو إصلاح، فالأوطان لا يمكن لها أن تتطوّر وترتقي مع إنعدام الطاقات القادرة على الإنتاج الإبداعي، أي إنعدام وجود العنصر الشبابي القادر على الإصلاح والتغيير وإعادة بناء وهيكلة الوطن، وهجرة الشباب اللبناني بالتالي ستؤدّي إلى تفاقم إنهيار الإقتصاد وإعاقة إنتعاشه، لذلك لا بدّ من السعي وبذل المزيد من الجهود لإيجاد الحلول للحدّ من هذه الخسارة وتشجيع المهاجرين على العودة لكي لا تكون الهجرة أبدية لا سيّما هجرة العاملين في القطاعات الأكثر حساسيّة وأصحاب الخبرة والكفاءة، ولكن هل من إمكانيّة لتحقيق ذلك، هل من إمكانيّة للنهوض بعد كل هذه الصعاب، هل من جديّة في التعاطي مع كل هذه الأزمات وبالتالي هل من تقدير للكفاءات العلميّة وللطاقات البشريّة الّتي نخسرها بشكل مرعب وخطير؟
شكرا على الكلام المفيد الله يعطيكي العافية و انشالله بالنجاح الكبير