شاميات
صحيفة الوطن العمانية ـ
زهير ماجد:
كلما زاد الضغط العسكري على سوريا وجدتني ألجأ إلى سماع أغنيات تتغنى بالشام وبدمشق، كأنما هي توثيق لنعمة إنسانية كانت وستكون، هي الشام .. وهل غير فيروز من أتحفنا بتلك الروائع التي نحتاجها في مثل هذه الظروف .. وهل غير الرحابنة من كتب، أو قيل إنه الشاعر الكبير سعيد عقل الذي مزق القاموس العربي ليخرج منه المبهر من الكلمات التي تليق بالشام.
اكتب في حضرة الشاميات، شيء اسمه الدموع يأبى الا ان يغمر الوجه وخصوصا عندما تتكرر الجملة السعيد عقلية بقوله “قد غبت عنهم ومالي في الغياب يد / انا الجناح الذي يلهو بالسفر” .. ثم “يا طيب القلب يا قلبي تحملني هم الأحبة ان غابوا وان حضروا ” .. عالم من قديم الشام كثيرا ما أثار حشريتي وانا أراه ،، لكن يبدو ان السماع محرج لأنه ذاكرة، والذاكرة اسمها وطن يعلو ولا يعلى عليه .. ولأنه بحجم الشام، فهو مقرون بروح التاريخ الذي يعرفه الشاميون كلما ادلهمت ايامهم.
تقول فيروز “قرأت مجدك في صدري وفي الكتب/ شام ما المجد انت المجد لم يغب” .. بيت من الشعر اختصار لزمن، لعمق في الروح، لكتابة دائمة عن سحر مكان .. لمكان مر دائما في خيال محب فأعاده إلى لحظة وجدان.
هؤلاء الذين يحاولون قتل المكان، أي قتل الشام، هم دائما بلا تاريخ .. اللا تاريخيون من هواياتهم اطلاق النار على التاريخ، على مكانه وعلى مسرحه. لا يحبون الأماكن الواضحة اذا ما كتب عنها الكثير، بل الأماكن المظلمة والمعتمة كي يحتفوا فيها خوفا من لقاء الشمس.
هم الذين يمولون قاتلي الشام، هم الفائزون بربح العتمة التي تشغلهم .. كلما قرأوا عن الشام خافوا أكثر، وكلما رأوا صور الشام ازدادت نبضات قلوبهم خوفا على آتيهم. من هوياتهم الثابتة عبر التاريخ إضاعة كل فرصة حلم عربي جميل، وقتل من يحملونه .. ظل وجودهم إهانة للحياة، لكنهم لن يظلوا طويلا، فالقادم أعظم، وسنرى.
دقائق الاستماع إلى شاميات فيروز تستمر، ألم يقل سعيد عقل في روائعه تلك ما هو أسرع وجدان قومي مخاطبا الشام بقوله “أمويون فإن ضقت بهم / ألحقوا الدنيا ببستان هشام”. وحين كان لبنان يتعذب في حربه واجه بكلماته سوريا قائلا ” وانا هنا جرح الهوى / وهناك في وطني جراح ” وعليك عيني يا دمشق / فمنك ينهمر الصباح”. أكبر من كل الكلمات هي شاميات فيروز التي كلما سمعناها فاز زمنها الجميل، وسيفوز الزمن القادم ضمن تخطي حسرة الواقع الحالي. لكن الشام تنتصر دائما، على العصابات ومموليهم .. على كل من أهدر دما سوريا، أو دفع ثمن هدره، وعلى كل من أرسل القنابل كي تدك بيوت الآمنين .. قد لا أقول ان العصابات هي المشكلة، النهر بلا نبع سوف يجف، وهذه العصابات بدون ممول ومحتضن ستنتحر.
الشام لغة الحضارة، مما يعني لغة المستقبل، أما قتلتها فهم ماض سيء لمستقبل مروع سيرون تفاصيله قريبا، واقول قريبا بثقة العارف.