شافيز من جديد
صحيفة الخليج الإماراتية ـ
فيصل جلول:
فاز الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز بولاية رئاسية ثالثة لمدة ست سنوات يكون في نهايتها قد حكم بلاده لمدة عشرين عاماً من دون أن يفقد حقه بالترشح لولاية رابعة . فالدستور الذي عدل في عهده يسمح للرئيس المنتخب أن يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية بصورة لا متناهية . ومن المنتظر أن يواصل شافيز في ولايته الجديدة مخطط تأميم المؤسسات والشركات الوطنية كما فعل خلال ولاياته الانتخابية السابقة . وفي عهده عادت شركتا الكهرباء والهاتف الى كنف الدولة والراجح أن يؤمم في هذه الولاية البنك المركزي .
وكما في ولاياته المنصرمة سيتابع الزعيم الفنزويلي سياسة خارجية مناهضة للولايات المتحدة الأمريكية والليبرالية المتوحشة والعولمة، منطلقاً من قناعة راسخة بأن حماية الفقراء الذين يشكلون قاعدته الانتخابية تمر ليس فقط عبر أحياء كراكاس وأروقة السلطة فيها وإنما أيضاً وربما أولاً وأخيراً بردع الولايات المتحدة وضبط تعديات اقتصاد السوق على مصالح موارد محدودي الدخل . ومن الطبيعي أن تمتد هذه السياسية نحو بلدان أمريكا اللاتينية المناهضة لواشنطن إلى هذا الحد أو ذاك من ثم نحو الشرق الأوسط لتصل إلى فلسطين وسوريا وإيران ومحور المقاومة .
يطلق شافيز على سياسته اسم الثورة البوليفارية نسبة لسيمون بوليفار صاحب مشروع توحيد أمريكا للاتينية، وتختلف هذه »الثورة« اختلافاً كبيراً عن الثورات المعهودة . فهي ليست ناجمة عن انقلاب عسكري ولا عن حرب عصابات مسلحة كما جرى في كوبا، وليست ناجمة عن إصلاحات بنيوية في الاقتصاد، كما هي الحال في الصين . إنها ببساطة تتم في كنف النظام الرأسمالي وتستخدم وسائله من دون أن تتمكن النخبة الرأسمالية حتى الآن من كبح هذه الثورة وتحطيم إنجازاتها وذلك للأسباب التالية:
* أولاً: كسر القاعدة التي تعتمدها الديمقراطيات الغربية في تداول السلطة عبر ولاية قابلة للتجديد مرة واحدة ونهائية فقد لجأ شافيز إلى الوسائل القانونية والدستورية حتى تمكن من فتح باب الترشيح لولايات لا متناهية الامر الذي يفسر انتخابه مرة ثالثة، وربما لمرات أخرى إذا ما نجا من مرض السرطان .
* ثانياً: أعتمد تقنيات النخبة البورجوازية في التحكم بالرأي العام وتوجيهه الوجهة المرغوبة، لذا نرى خطبه ومداخلاته مصممة بحيث تصيب عقول ومشاعر الفقراء في بلاده فهو يكثر من الحديث عن أصله المتواضع ويكثر من عرض حالات الفقراء والمعدمين الذين تطحنهم الرساميل المتوحشة وأظن أنه يعمل وفق قاعدة، تقول إن الوعي إذا ما نفذ إلى عقول الناس يمكن أن يتحول إلى قوة مادية لا تقهر، ولعل أثر هذه القوة نلاحظه في إقبال أنصار شافيز على صناديق الاقتراع بحماس شديد أدى في بعض الحالات الى الانتظار ساعات طويلة للإدلاء بأصواتهم معتبرين أن الصوت هو السلاح الأبرز في الثورة البوليفارية الفنزويلية .
* ثالثاً: انتزع شافيز من خصومه ومنافسيه شرط الموافقة المسبقة على نتائج الانتخابات إذا تمت وفق قواعد يتفق عليها الجميع، وقد بارك المعارضون نتائج فوز شافيز بالدورة الأخيرة، كما باركوا من قبل فوزه بالدورتين السابقتين ما يعني أن تداول السلطة متاح دائماً للجميع إذا ما رضي الشعب الذي اعتبر المصدر الوحيد للسلطات .
* رابعاً: مما لا شك فيه أن موقع فنزويلا النفطي وعلى مقربة من سوقها الرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية يتيح لها إمكانات اقتصادية لا تقهر وبالتالي يساعد الحاكم على تمويل وعوده الانتخابية بسهولة نسبية وهو ما يتجسد في برامج محو الأمية والطبابة والضمان الاجتماعي وغيره من المشاريع التي أطلقها شافيز في الأحياء الفقيرة وجاءته بتأييد شعبي منقطع النظير .
* خامساً: تلعب شخصية شافيز الكاريزمية دوراً مهماً للغاية في »ثورته البوليفارية«، فقد توصل الى إقناع مواطنيه بأن الحفاظ على مكاسبهم التي تحققت يستدعي البقاء طويلاً حول صناديق الاقتراع، وبالتالي اختيار ممثلين لهم ينتمون الى هذه الثورة، وأن خسارة الانتخابات سيكون لها معنى واحد هو الإطاحة بمكاسب الفقراء .
إن الدرس الأبرز الذي يمكن استخلاصه من التجربة الفنزويلية هو أن الديمقراطية ليست حكراً على دول بعينها بل يمكن أن تكون وسيلة فعالة في الدفاع عن مصالح الفقراء المختلفة في الصحة والتربية والضمانات الاجتماعية والعمل، بل لتحقيق ثورة فعلية إذا ما تمكنت الفئات التي تمثلهم من تطويع هذه الوسيلة في خدمة الشعب في عودة إلى تعريفها الأصلي الذي لخصه هيراقليط بقوله: »هي حكم الشعب للشعب بنفسه ومن أجل نفسه« .