سيناريو المحادثات الإيرانية – الأميركية: أقلّ من إتفاق وأبعد من تفاهم
موقع قناة الميادين-
ليلى نقولا:
لا شكّ في أن الإنكار الأميركي والتلاعب بالكلمات لتوصيف الاتفاق الذي تنوي الإدارة الحالية عقده مع إيران، يعود بشكل أساسي إلى عدم قدرة إدارة بايدن على مواجهة سلسلة من الاعتراضات الداخلية والغربية.
رغم نفي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن المستمرّ إمكانية إبرام اتفاق جديد بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران بشأن الملف النووي، فإن العديد من الوسائل الإعلامية والتصريحات السياسية المختلفة يشير إلى أن المفاوضات بين الطرفين تسير على قدم وساق، وقد تصل إلى نتائج إيجابية قريباً، وخصوصاً بعدما أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أن بلاده تواصل محادثاتها غير المباشرة مع الولايات المتحدة في العاصمة العُمانية مسقط.
ويناقش الطرفان -بحسب ما تمّ الكشف عنه- مواضيع تجميد إيران الحدّ الأقصى لتخصيب اليورانيوم وتعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في مقابل تجميد بعض العقوبات الأميركية المفروضة عليها وتبادل السجناء بين الطرفين.
وكان المرشد الإيراني السيد علي خامنئي قد أعطى الحكومة الإيرانية الحالية الغطاء السياسي والضوء الأخضر للتفاوض مع الأميركيين والتوصل إلى اتفاق مع وضع سقف لحدود التنازلات الممكنة، عندما أعلن بوضوح: “قد ترغبون في إبرام بعض التوافقات، وهذا ممكن. اتفقوا، لكن من دون المساس بالبنى التحتية والتسبّب بتدمير ما أنجزه المسؤولون والمعنيون بالصناعة النووية على مدى السنوات الماضية”.
ولا شكّ في أن الإنكار الأميركي والتهرب والتلاعب بالكلمات لتوصيف الاتفاق الذي تنوي الإدارة الحالية عقده مع إيران، والذي يتراوح بين “تفاهم” و”اتفاق مؤقت” و”اتفاق جزئي” وغير ذلك، يعود بشكل أساسي إلى عدم قدرة الإدارة الأميركية الحالية على مواجهة سلسلة من الاعتراضات الداخلية والغربية، وأبرزها:
أولاً: مواجهة اعتراض الكونغرس الأميركي، إذ ألزم المشرعون في الكونغرس في وقت سابق أي إدارة أميركية تريد أن تعقد اتفاقاً مع إيران بعرضه على الكونغرس الأميركي للموافقة عليه.
إضافة إلى ذلك، وفي توجّه يعكس انسحاب معارضة إيران على الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، أقرّ الكونغرس الأميركي في كانون الأول/ديسمبر 2022 مشروع قانون يلزم وزير الخارجية الأميركي بتشكيل مجموعة عمل تضم مسؤولين من الخارجية والاستخبارات ووزارة الطاقة، تتخصص في مراقبة برنامج إيران النووي، على أن تقدم تقريراً فورياً للكونغرس في فترة لا تتخطى 72 ساعة في حال حققت طهران تقدماً ملحوظاً على صعيد السلاح النووي.
ثانياً: يجد الأميركيون والأوروبيون حرجاً في موضوع تحسين علاقاتهم مع إيران والانفتاح على تفاهم معها، وذلك بعد اتهامها بتقديم دعم عسكري لموسكو في الحرب الأوكرانية، وخصوصاً في إطار بيع الطائرات المسيّرة.
ثالثاً: استمرّ الإعلام الغربي في التحريض على الحكم في إيران واتهامه بقتل المعارضين والتضييق على النساء والناشطين الذين خرجوا في تظاهرات تنادي بمزيد من الحريات. وبناء عليه، إن أي انفتاح إيجابي على الحكم الإيراني وأي اتفاق يتوّج بمصافحات وابتسامات تنقل عبر وسائل الإعلام سوف يسببان حرجاً للدول الغربية ولإدارة بايدن؛ الطرف الرئيسي في تلك الاتفاقيات المزمع عقدها.
أما الإطار الإيجابي الّذي يحضّ الإدارة الأميركية على التوصل إلى اتفاق مع إيران، فيعود بشكل أساسي إلى حاجتها إلى إنجازات في الشرق الأوسط تسجل لبايدن في إطار تجديد ولايته، أهمها الإفراج عن سجناء أميركيين وإنجاز “وضع سقف للتخصيب النووي الإيراني يمنع الإيرانيين من امتلاك سلاح نووي”، وهو ما يريده الإسرائيليون والمشرعون في الكونغرس.
وهكذا، بما أنَّ الأميركيين تيقّنوا بفشل خطة ممارسة الضغوط على إيران لدفعها (من دون مقابل) إلى العودة إلى بنود اتفاق 2015 والعودة إلى سقف 3.75%، وهو سقف التخصيب السابق الذي تخطته إيران بعد خروج ترامب من الاتفاق بصورة أحادية، وبما أن خيار العودة التامة إلى الاتفاق السابق غير متاح للإدارة في الوقت الحالي للأسباب التي تمّ ذكرها، فإنّ التكهّن بمستقبل المفاوضات الإيرانية الأميركية يحيلنا إلى السيناريوهات التالية:
– بقاء الحال كما هي عليه الآن، أي إبقاء نافذة الحوار مفتوحة وعدم السماح بوصول الأمور إلى حائط مسدود. هذا السيناريو واقعي، لكنه لا يقدم أي شيء للإدارة الأميركية التي تريد إنجازاً ما في الشرق الأوسط. وبالرغم من ذلك، يبقى احتمالاً ممكناً.
– الإعلان عن التوصل إلى “تفاهم” على مبادئ عريضة بانتظار الانتخابات الأميركية عام 2024 وعودة الديمقراطيين مجدداً إلى البيت الأبيض، وهو أمر غير واقعي، لأنَّ إيران لن تقبل بتقديم تعهدات مستقبلية بسبب عدم ثقتها بالجانب الأميركي، وعدم وضوح مَن سيكون الرئيس التالي، وإمكانية فوز ترامب في انتخابات 2024.
– الاتفاق على “التجميد مقابل التجميد”، أي تجميد العقوبات في مقابل تجميد سقف التخصيب، الذي يسير على مبدأ تجميد التخصيب على سقف معين، في مقابل تجميد جزء من العقوبات على إيران، وخصوصاً في القضايا التي تعتبرها إيران حيوية لتجارتها الدولية (وخصوصاً الطاقة)، وهو السيناريو الأكثر قابلية للتطبيق واقعياً في حال توافرت الإرادة المشتركة للتوصل إلى اتفاق إيراني – أميركي في الفترة الحالية.