سيد تمّام… “فيق”…
موقع إنباء الإخباري ـ
حسن ديب:
كان المنتخب اللبناني لكرة القدم، في طريقه نحو كأس العالم 2014 عندما كُلف الرئيس تمّام سلام بتشكيل حكومة لبنانية عتيدة تحمل لبنان من بحر التفتت إلى بر الأمان. لذلك، وبسبب انشغاله باستقبال المهنئين، لم يتسنّ للسيد تمّام متابعة منتخب لبنان في مسيرته نحو البرازيل والتي انتهت بفضيحة الفساد الكروي التي تعتبر وليدة الفساد السياسي المستشري في لبنان.
ليسَ… فاليوم أيضاً يخوض المنتخب اللبناني معركته في التصفيات المؤهلة لكأس أسيا، ولكن السيد تمّام لن يتمكن أيضاً من متابعة المنتخب، فهو ما زال مشغولاً باستقبال المهنئين له بمناسبة تكليفه بتشكيل الحكومة.
حتماً لا تزال الفرصة متاحة أمام المنتخب اللبناني لتحقيق نتائج مميزة في هذه البطولة، وكلنا أمل بوصول منتخبنا إلى النهائيات وإحراز البطولة، ولكن حتماً لن يستطيع السيد تمّام أن يشاركنا فرحتنا، لانشغاله أيضاً وأيضاً في استقبال المهنئين بالتكليف.
وكم بتُ أخشى أن تدور بنا الأيام فنصل يوماً ما إلى كأس العالم ويبقى صاحبنا المكلف مشغولاً للسبب نفسه.
حقاً، إن موضوع تشكيل الحكومة المزعومة قد بدأ يؤرقني وأنا الذي ما تأملت خيراً منذ اليوم الأول لتسمية السيد تمّام رئيساً بالتكليف.
في البداية كان مجرد حدسٍ بأن الخيار السياسي الذي اعتمدته القوى السياسية في تسميتها للرئيس المكلف خيار فاشل، ولقد أعلنت يومها بأن من قام بتسمية السيد تمّام رئيساً للحكومة على اعتباره وسطياً لا يمثلني، وذلك لأني لا أؤمن بوجود وسطية سياسية في لبنان، فأي وسطية هي التي يقودها رئيس رحّالة، يشاركه فيها سيد الجبل (الذي حتى هو نفسه لا يدري على أي قرار قد يستيقظ) ورئيس لحكومة تصريف أعمال تلوثت يداه بدعم الصهيونية الإسلامية في لبنان، ورئيس مكلف (وسطي) هو نتاج لكتلة نيابية معادية لكل نهج مقاوم وكل حركة مناهضة لليهودية. ولكن ومع مرور الأيام بدأ هذا الحدس يتحول إلى واقع فعلي، خاصة بعد أن ضاع السيد تمّام في طريق البحث عن القرنفلة المشهورة، وضاع معه المواطن في طريق البحث عن الوطن.
وقد تأكد حدسي مع مرور الأيام، دون أي تطور جدي في مسألة التأليف، حتى وجدنا أنفسنا في انتظار المجهول الذي سيأتي على أيدي المجهول.
فالرئيس المكلف هو في حالة سبات عميق يفرضها عليه الواقع السياسي الإقليمي (المسألة الشامية تحديداً)، ولن يفك سباته سوى كلمة سر سعودية لن تأتي إلا إذا (ولا بد من التركيز على إذا) حصلت السعودية على مكاسب حقيقية في معركتها مع الشام. ولهذا فليغطّ السيد تمّام في سباته جيداً إذا تمسك بالخيار السعودي، لأن كلمة السر هذه لن تأتي أبداً.
ومن جهة ثانية أيضاً، لا تزال المكوّنات السياسية، التي تطلق على نفسها الوسطية، تعتبر نفسها اللاعب الأساسي في عملية تشكيل الحكومة، مرتكزة بذلك على عوامل عدة متعلقة بالطموح السياسي والارتباط الخارجي لكل طرف فيها (وما أجمل الوسطية عندما يكون ارتباطها خارجياً). وعلى سبيل المثال نجد بأن فخامة رئيس الجمهورية يرتبط ارتباطاً جذرياً بالإدارة الأمريكية المريضة اقتصاديا،ً وفرنسا المريضة سياسياً، طمعاً بأن تقوم هذه الدول المريضة بالضغط على موظفيها في البرلمان اللبناني من أجل التمديد لفخامة الرئيس، عسى أن يمكنه ذلك من تطوير أدائه السياسي واستثمار نفوذه وسلطته وهو ما عجز عنه في فترة ولايته الطبيعية.
بينما يعتمد وليد جنبلاط على أسياده من بني عربان في دعمه نحو ترتيب الأمور داخل البيت الدرزي بعد أن وصل به جنبلاط نحو الهاوية في مواقفه السياسية المتقلبة نحو المقاومة وفي عدائه المعلن لسوريا الممانعة مما أدى الى شرخٍ كبير في بني معروف وهم الذين سجل لهم التاريخ بأنهم أهل المقاومة عبر العصور.
أما رئيس التصريف الملا ميقاتي فإن شغله الشاغل هو العمل على إنهاء الحالة الحريرية السياسية، يساعده في ذلك ولاءه للصهيونية الاسلامية، السعودية الصنع، من جهة، وغياب الفتى الأغر سعد الحريري عن الساحة السياسية من جهة أخرى، وإن ذكاء الملا ميقاتي كافٍ لأن يدرك بأن القضاء على الحريرية السياسية والدعم من المجموعات المسلحة في الشمال قد يجعل منه زعيماً سنياً في غياب الزعامة الحقيقية على الصعيد السياسي.
وحده الرئيس المكلف، يبقى خارج الشبكة، فهو غير متوفر دائماً، كما وأن الرئيس المطلوب غير متوفر حالياً فيرجى عدم المحاولة لاحقاً.
هو رئيس مكلف برز إسمه كسياسي وسطي من خلال حملة سياسية روج لها ودعمها سالفو الذكر، وكم كنت أتمنى على السيد تمّام أن يعي بأن السياسة حنكة ودهاء، وأنه من الخطر بمكان تسليم الرقبة لوسطي يبحث عن تمديد أو لمتقلب كما حال الوليد.
أتوا بالسيد تمّام من البعيد البعيد، بعد أن فشل حتى بإدارة مؤسسة المقاصد الخيرية الإسلامية، أتوا به نائباً في المرة الأولى لإرضاء الشارع السني من خلال اعادة بعض الورثة السياسيين إلى الواجهة ليس إلا.
استغلته الحريرية السياسية بعد أن بدأت تشعر بالخلل الجماهيري في بيروت تحديداً، لذلك سعت إلى تحريك مشاعر البيروتيين من خلال اسم تمّام سلام وريث الرئيس صائب سلام وحامل لواء القرنفلة من بعده، ثم استغلته من تطلق على نفسها الوسطية السياسية في محاولة للإلتفاف منها على المقاومة وجمهورها تحت شعار قيام لبنان بحكومة جامعة تتنازل من خلالها المقاومة عن بعض حقوقها في حماية الوطن. ولكن المقاومة ـ وكما عودتنا دائماً ـ فهي بعيدة جداً عن المساومة على الوطن والمواطن.
استعملته السعودية من أجل التحكم في هوية لبنان السياسية على اعتبار أن السيد تمّام لا شارع سياسي له وبذلك تستطيع أن تحركه وفقاً لأهدافها ومشاريعها كلما دعت الحاجة.
ولكن تمسك المقاومة بخياراتها جعل من ذلك كله وهماً.
هكذا هو حال السيد تمٌام، فإن عدم امتلاكه للدهاء السياسي وضعه في موقف الرجل التائه الذي لا خيارات لديه.
كان مخطئاً بقبوله التكليف من اليوم الأول، وهو العالم بأنه إنما قد أتوا به للقضاء على المقاومة في لبنان بالتزامن مع المسألة الشامية.
مخطئاً كان هو، لأنه لم يتعلم من أبيه بأن سوريا هي عرين الأسد وبأن بيروت هي عاصمة المقاومة، وبأن المقاومة هي روح الله ونوره.
كان مخطئاً جداً عندما أدخل نفسه في دوامة كان يدرك سلفاً بأنها ستقضي عليه سياسياً وهو الذي عانى ما عاناه من التغييب السياسي الذي فرضته عليه الحريرية السياسية سابقاً…
مخطئاً كان هو عندما أوصل نفسه إلى مرحلة السبات الذي لا صحوة فيه ولا قيامة فيه ولا حكومة فيه…
لذا، وبعيداً عن السياسة، وعلى أمل أن يحقق لنا منتخبنا الكروي ما عجزت عن تحقيقه المنتخبات السياسية… وإلى أن ينتهي السيد تمّام من استقباله وتوديعه للمهنئين…
لأجل لبنان، وتاريخ لبنان، ومجد لبنان…
سيد تمّام … فيق