سيارة مفخّخة لاغتيال المفتي في يوم العيد؟
صحيفة السفير اللبنانية ـ
لينا فخر الدين :
كان من المفترض أن يطلّ مفتي الجمهورية الشيخ محمّد رشيد قباني من على شرفة منزله في تلّة الخياط قبيل توجّهه صبيحة يوم العيد إلى «مسجد محمد الأمين»، فلا يجد أحداً بانتظاره.. تكتيك «المستقبل» كان بذهاب قباني وحيداً إلى صلاة العيد. كاد «التيار الأزرق» أن ينجح في تحقيق مراده، بعد معاونة الرئيس نجيب ميقاتي، الذي اصطفّ إلى جانب خصومه في السياسة، لـ«يجرّد» قباني من «حقوقه»، وأن يمحو بـ«جرة قلم» البروتوكول المعتاد في تكليف وزير يرافق «سماحته» إلى صلاة العيد وقوى الأمن الداخلي لتأمين الحماية. وبالرغم من كلّ ذلك وقبل ثلاثة أيام من التماس هلال شوال، بدأ المقرّبون من قباني بعقد اجتماعات متتالية للتحضير لـ«اليوم الكبير». على ورقة وقلم، درس هؤلاء استعداداتهم، من الحشد الشعبي والتحضيرات اللوجستية.. إلى الحماية الشخصية لقباني. لم يكن من السهل على مفتي الجمهورية أن يستمع إلى كلّ التهديدات التي كانت تصل إلى بعض المقربين منه، إذ أن البعض منهم حذّره بكلّ صراحة من أن «تيار المستقبل» يريد أن يفتعل إشكالاً داخل المسجد. وخلال هذه اللقاءات بدأت «الأخبار المشؤومة» تزداد كـ«كرة ثلج»: من انسحابات لـ«جماعة الحريري» خلال الخطبة، إلى تدافع فتضارب بالأيدي.. حتى وصل الأمر إلى إشكال مسلّح داخل «محمد الأمين». «خليّة عمل المفتي» أخذت الخبر الأخير على محمل الجدّ، بعد أن اتصلت جهة أمنية موثوقة في بيروت بالمقربين من قباني لتنبيههم من خطوة التوجّه إلى وسط بيروت، مشيرةً إلى أنها تلقّت «إخبارية» تفيد أن «المستقبل» مستعدّ لأي شيء في مقابل إنزال قباني عن المنبر خلال إلقائه خطبة العيد. ودفعت «معركة الضغط بالترهيب» هذه ببعض المقربين من المفتي إلى حثّه على تغيير المسجد، أو حتى غضّ الطرف عن إقامة صلاة العيد برمتها، غير أن «سماحته» حسم أمره ليل الأربعاء ـ الخميس قائلاً لفريق عمله: «سأتوجّه إلى مسجد محمد الأمين غداً (الخميس) ولو لقيتُ حتفي هناك».
انتهى الاجتماع الأخير على خير وحضّرت خلاله خطة سير قباني منعاً لأي إشكال، إلا أن بعض المقربين من «ساكن عائشة بكار» بدوا «منقبضي القلوب». ولكن الاتصال الذي تلقاه بعض المقربين من قباني حوالي الساعة الثانية بعد منتصف ليل الأربعاء، خلط جميع الأوراق. فالتحذير ليس بإشكال داخل أو خارج المسجد، وإنما «الجهة الأمنية» التي اتصلت تؤكد وجود سيارة مفخخة معدّة لاغتيال قباني خلال توجّهه إلى صلاة العيد! هذا الخبر لم يصل إلى آذان مفتي الجمهورية، إذ أن فريقه الأمني بدأ بسلسلة اتصالات بمسؤولين في الجيش خلال منتصف الليل، والذين عملوا على التأكد من الخبر، ثم بدأوا بتمشيط المنطقة وفرزوا أكثر من 400 عسكري لمواكبة قباني وتأمين الإجراءات الأمنية أمام منزله وحول مسجد محمد الأمين. «شائعة الاغتيال» لم «تفرمل» برنامج المفتي، وإنما قام المعنيون بتغيير خطة سيره صباح يوم العيد، واتخاذ الإجراءات اللازمة. فجر يوم العيد، كانت كلّ التدابير قد اتخذت، والحشود الشعبية أصبحت جاهزة: أكثر من مئة وخمسين سيارة كانت تنتظر «سماحته» حتى يخرج من منزله. البعض منهم سبقه إلى المسجد، فيما البعض الآخر كان يريد مرافقته إلى المسجد.
المشهد داخل «محمد الأمين» كان مختلفاً، أكثر من 1000 شخص توزعوا بين داخل المسجد وخارجه. إعلام «المستقبل»، لم يستطع أن ينقل الصورة والخبر، فارتأى أن «يلتحق» بالرئيس فؤاد السنيورة ونادر الحريري، ليكون «مفتيهم» هو مفتي صيدا سليم سوسان.
أما «جماعة المستقبل» على الأرض، فيؤكد مَن كان داخل المسجد أن مسؤولي «التيار» م. ج وب. ع. دخلا على رأس مجموعة من 40 شخصاً وبدوا كمن يريد افتعال إشكال. لماذا لم يتمّ ذلك؟ يشير بعض المقربين من قباني أنهم ذهلوا بهذا الكم من المصلين خلف قباني بالرغم من دعوات مقاطعته، فما كان من منهم إلا أن استكانوا لأنهم يعرفون أن إشكالاً داخل المسجد سيكلّفهم الكثير في وجود هذا الكمّ من الأشخاص.
إذن، نجح قباني في «تحدّي صلاة العيد»، الصورة وحدها كفيلة بإظهار أن «السحر انقلب على الساحر». أما قباني فهمس لبعض الذين تحدثوا معه على باب المسجد: «أنا سعيد جداً اليوم بهذا الاحتضان الشعبي، ولا أريد أن يرافقني أحد بعد اليوم، فأنا بحماية الناس وهم أفضل بألف مرة من بعض السياسيين الذين يتمثلون بالكذب». وكان قباني قد توجّه في خطبة العيد إلى المسؤولين عن الطائفة، قائلاً: «سوسوا أبناءكم بما يرضي الله ورسوله، اجمعوا كلمة المسلمين، وحّدوا صفّهم، أبعدوهم عن استنزال طائفتهم وإدخالها في شقاق ونزاع مع بعضهم ومع الغير، لا تغرنكم السلطة والجاه».
ودعا اللبنانيين، مسلمين كانوا أو مسيحيين، أن «لا يقتل بعضكم بعضاً، ولا يسفك بعضكم دماء بعض، فاحذروا الفتنة الكبرى التي يدبّرها ويعدّها لكم عدوّكم للإيقاع بينكم، وإحراق وتدمير وطنكم لبنان، حققوا وحدة صفكم واجتماع كلمتكم».