سورية أمام المشهدين الإقليمي والدولي!
صحيفة الوطن السورية-
د. بسام أبو عبد الله:
مضى أحد عشر عاماً على بدء الحرب على سورية، ولسنا بحاجة للتذكير بالوثائق والتصريحات، والكتب التي نشرت وتتحدث عن أهداف هذه الحرب وغاياتها، والأدوات القذرة التي استخدمت لتنفيذها، سواء من خلال غرف العمليات التي كانت تدير الحرب في الأردن وتركيا، أو من خلال حجم الأموال الهائلة التي ضُخت من دول الخليج، وأميركا وبريطانيا وفرنسا… أو أدوات التضليل الإعلامي والديني والاثني، والإمبراطوريات الإعلامية التي انخرطت في الكذب والخداع، وغسل الأدمغة بطريقة خبيثة تدلل على الأهداف الكبرى التي كانت تقف خلف هذه الحرب وأهدافها الخفية.
الآن يجب أن نعرف أن قرار الحرب على سورية كان قراراً من مراكز العالم الغربي، واللوبيات الصهيونية، وكان جزءاً من ضرورات استمرار العالم الأحادي القطب، الذي اعتقد منظروه أن احتلال أفغانستان ثم العراق، وإسقاط النظام السياسي في سورية، والسيطرة على اليمن وليبيا، هو اتجاه أساسي للمحافظة على هيمنة هذا القطب، وأتباعه في الغرب والمنطقة.
من هنا يمكن أن نفهم الأسباب التي تقف خلف هذه الشراسة والدموية في الحرب على بلادنا، وكي نفهم أكثر حقيقة ما كان يمكن أن يحدث فيما لو لم نصمد في سورية، سأطرح السؤال وفق الآتي: ماذا لو نجح خصومنا وأعداؤنا في مخططهم؟ وهنا فالإجابة ستكون وفق ما يلي:
• تركيب نظام سياسي إخونجي ولا مانع من. بعض الواجهات الليبرالية والماركسية والقومية، أي نظام سياسي «سَلَطةْ» كما سمى رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم، المعارضة السورية العميلة، وقد يكون قريباً من مجلس الحكم الانتقالي العراقي، الذي أسسه بول بريمر، أو الليبي مثلاً والذي تأسس في ليبيا، واختفت شخصياته لاحقاً لتحل محلها شخصيات بديلة، كانت معدة في الخارج، وليستمر الاقتتال والصراع حتى تاريخه.
• تفكيك المؤسسة العسكرية السورية، وتدمير بنيتها العقائدية والوطنية، وطرد كبار ضباطها تحت عنوان الموالين للرئيس بشار الأسد، ومن يريد أن يرى ذلك لينظر إلى الجيش العراقي كنموذج، وكيف تمّ تحويله إلى ألوية وفيالق لا رابط بينها في العقيدة والانتماء الوطني، أو في ليبيا كنموذج آخر.
• تفكيك المؤسسات الأمنية والاستخباراتية تحت عنوان «إصلاح الأجهزة الأمنية»، وإدخال الجواسيس إلى داخلها، وتحويلها من أجهزة وطنية إلى أجهزة تعمل لمصلحة قوى خارجية، وأجندات أجنبية تتصارع فيما بينها وفقاً لهذه الأجندات.
• اجتثاث حزب البعث وفقاً للطريقة العراقية، وتدمير الجهاز البيروقراطي والتيكنوقراط، والانتهاء من طروحات الفكر القومي والعروبة الحضارية باتجاه إنتاج هويات ما تحت وطنية طائفية ومذهبية وعرقية، وغيرها، وهو ما نجده لدى كل أشباه المعارضات التي مولها الغرب والبترودولار، والتي تعرّت تماماً بطروحاتها المقززة، وتسترت خلف الشعارات البراقة من حرية وديمقراطية وحقوق الإنسان.
• تقسيم سورية إلى كانتونات متصارعة يقودها مجموعات من القتلة والمجرمين المرتبطين بأجهزة الاستخبارات الخارجية، ولمن يريد أن يرى نماذج لهؤلاء بإمكانه أن ينظر لسلوكيات ميليشيات «قسد» مثلاً، وارتباطات قياداتها بالاحتلال الأميركي، وكذبها ونفاقها في خطابها الذي يتحدث عن وحدة سورية، لكنه متحالف مع الاحتلال الأميركي، وعن ثروات سورية، لكنه يسرقها ويهربها للخارج، في الوقت الذي يعيش أغلبية السوريين في تقنين شديد، إضافة للبنية الأمنية والعسكرية، التي تخالف منطق الدولة ووحدتها لأن مشروعهم انفصالي مهما كذبوا، فالأفعال تخالف الأقوال، أما النموذج الثاني المتبقي فهو نموذج الميليشيات التي ترعرعت في كنف الاحتلال التركي، وتحولت إلى مرتزقة، يقاتلون في كل مكان، حيث يدفع لهم، إضافة لنموذج أبو محمد الجولاني الإرهابي الذي ينتقل من جهاز مخابرات إلى آخر لتقديم الخدمات، متستراً بذقنه وطروحاته المنافقة والكاذبة بعناوين إسلامية، وقبله كان الإرهابي زهران علوش، وغيره الكثير من هذه الجماعات التي نمت وترعرعت بتمويل خارجي ولأهداف مشبوهة.
• إنتاج نظام دستوري برلماني يجمع هذه الأطراف، والتحكم بكل قانون، ومسار دستوري من القوى الخارجية وتعطيل الحياة السياسية متى شاءت هذه القوى، وتمرير ما تريده، وتوقف تشكيل الحكومات السورية، والأجهزة الدستورية على رضا هذا الطرف الإقليمي والدولي أو ذاك، وللتأكد أكثر انظروا إلى لبنان، العراق، أو ليبيا مثلاً.
الآن هذه بعض المشاهد واللقطات التي كانت بالتأكيد ستحدث، ومن يريد الاستزادة عليه العودة إلى الوثيقة الأميركية المسماة «اليوم التالي»، أو وثيقة أخرى بعنوان «التحول الديمقراطي في سورية»، وكلها وثائق كتبت من أجهزة الاستخبارات الغربية، وبمشاركة بعض المنافقين مما يسمى «معارضة سورية»، ومن ناحية أخرى سأطرح سؤالاً آخر: كيف سيكون شكل الخريطة الجيوسياسية في العالم من هنا إلى تايوان؟
• ستُخرج إيران من المنطقة، وتُحاصر في حدودها من جهة الخليج وأفغانستان، وسيُقطع الأوكسجين عن حركات المقاومة في المنطقة، وتُضرب في مناطقها، وتُحاصر حتى تستسلم.
• لن تكون لروسيا قواعد في شرق المتوسط، وستُحاصر في جغرافيتها الواسعة، وتُهاجم من حدودها، وأوكرانيا كانت تُحضر لهذه الغاية، كما سيضعف دورها بالشرق الأوسط وتنشغل في همومها الداخلية، كما أنها لن تجد أنظمة صديقة لها.
• سيتم إغلاق الطرق أمام المشروع الصيني «حزام واحد- طريق واحد» من أفغانستان حتى شواطئ المتوسط، ولن تجد الصين حلفاء وأصدقاء هنا لأن الأنظمة السياسية ستركب وفقاً للمصالح الغربية.
• لن أتحدث أيضاً عن الصراع حول مصادر الطاقة كالغاز ومرور الأنابيب، وجغرافيتها، فهذا جانب مهم جداً أيضاً ضمن إطار هذه الصراعات الهائلة.
هذا هو المشهد العام الذي كان سيتشكل فيما لو لم يصمد السوريون وجيشهم وقائدهم، والحقيقة أن صمودنا لم يكن دفاعاً عن أحد، إنما دفاعاً عن وجودنا وبقائنا وعن هويتنا وتاريخنا ومستقبل أبنائنا وأحفادنا، وتعبيراً عن الرفض لهذه المشاريع القذرة التي لا تنسجم مع الروح السورية المؤمنة دائماً بالانفتاح والتعاون والتنوع والمحبة وليس بالتطرف والإرهاب والانغلاق والتمترس خلف الجدران.
هذه البلاد هي قلب العالم منها نهضت الإمبراطوريات: الرومان والبيزنطيون والعثمانيون، وفيها انهارت وسقطت وتداعت، ومن هنا يجب أن نفهم لماذا الحرب علينا شرسة وقذرة وطويلة، لكنها تستحق أن نصمد في وجهها، ونهزمها مع أدواتها، فالبدائل كارثية علينا جميعاً، وعلى الرغم من معرفتي كما الجميع أن تعب الناس وإرهاقهم وفقرهم، ومحاولات بث اليأس في نفوسهم لإجبارهم على الاستسلام مستمرة، لكني أعرف أن ذلك لن يكسرهم، وخاصة أن بوادر الحلول والمخارج لا تبدو بعيدة، وتبشر بالتفاؤل، وأما كلامنا السابق فإنه لا يلغي أبداً حاجتنا للإصلاح وتطوير الذات، لأنها حاجة مستمرة ومطلوبة، لكنها إصلاحات يجب أن تتم بأيدينا، وليس بأيدي القوى الخارجية، ومن أجل مصالحنا الوطنية، وليس من أجل مصالح أي أحد آخر.
أدرك أن التحديات أمامنا ما تزال كبيرة وهائلة، لكن المشاهد اللبنانية والعراقية والليبية تدفعنا دائماً للقول إن التمسك بالدولة ومؤسساتها هو المخرج الوحيد، والحمد لله أن أغلبية السوريين حافظوا عليها، على الرغم مما أصابنا من ترهل وتعب، ونقاط ضعف، لكن البدائل التي كانت مطروحة، وما تزال تطرح هي بدائل مشبوهة ومدمرة، ولن تفيد أحداً لا في الداخل، ولا في الخارج.