سوريا بعد القصير
موقع إنباء الإخباري ـ
دمشق ـ المحامية سمر عبود:
على مدار سنتين واجهت سوريا مخططاً محكماً مدبراً باشتراك أطراف كثيرة، منها داخلي ومنها خارجي، منها عربي ومنها عالمي، الهدف منه تقويض سوريا وتفتيتها وتحويلها إلى دويلات طائفية، بهدف بناء شرق أوسط جديد، وفقاً للمصالح العالمية، حتى يتسنى لكل طرف أن يأخذ حصته منها دون نزاع.
فلنعد قليلاً إلى بداية “الربيع” كما أطلق عليه الغرب، بدأ المشروع ببلاد تونس وانتشر كالنيران، فالتهم كل ما كان، متحدثاً عن ثورة وحقوق مرتقبة من قبل شعب تعوّدعلى القمع والدكتاتورية، وعلى سلب كل ما هو حق وفرض كل ما هو واجب وأكثر.
ابتداً المشوار بحرق بو عزيزي، وتوالت المظاهرات وتحولت سريعاً إلى ثورة استغلتها القوى العظمى بذكاء حاد راسمة للشباب وللشعب أحلاماً وآمالا طالما طمحوا لتحقيقها.
وانتقلت نيران ما سمي ربيعا عربيا مراقباً ومرافقاً من قبل الشبكات الاجتماعية العالمية إلى ليبيا ومصر واليمن، وأخيراً إلى سوريا.
مرت سنتان منذ الأزمة السورية، فماذا حقق أولئك الذين قالوا نريدها ثورة؟
بعد أن كنا مضرباً للمثل في التعايش بين مختلف الطوائف، أصبحنا طائفيين كارهين كل من هو ليس منا. تحوّلنا من بلد الأمن والأمان إلى بلد أصبح يندرج ضمن أكثر الأماكن خطراً عالمياً. طفى على السطح فكر طائفي غريب عن المجتمع السوري، فبات أول سؤال نسأله لبعضنا: ما هي طائفتك، وبات السؤال الأول عند لقائك أي أحد أنت مؤيد أم معارض؟؟
ما هي طائفتك؟؟
ماذا فعلت الجامعة العربية حيال الأزمة؟ هل احتوتها حقنا للدماء أم سيقت من قبل دويلات موّلت وقرّرت منفردة القرارات، ضاربة بعرض الحائط كل ما فات، فاعترفت بائتلاف، ومنحته كرسي سوريا، ما يناقض جميع القوانين الدولية والأعراف؟ فكيف للجامعة طرد سوريا، وهي دولة مؤسسة فيها، معترفة بائتلاف كوّنته أمريكا وحلفاؤها ليس له قاعدة قانونية؟
وكيف يعيّن رئيس حكومة بدون شعب ولا دولة أم باتت دولة سوريا دولتين، واحدة موجودة والأخرى في مخيلة من أرادها هكذا؟
لما قامت الثورة ـ أو ما يسمى بالثورة ـ ألم يقم من أسموها ثوره بهذا الحراك من أجل نيل الحقوق؟ وما هي أبسط حقوق المواطن؟ أليس حقك بالحياة وحقك بالتمتع بحرية الرأي والاعتقاد وممارسة حياتك؟
فلمَ بات الاختلاف في الرأي ذريعة للقتل، متل ما حصل لـ “رولا حقوق” التي لاقت حتفها وهي على سجادة الصلاه فجراً في يبرود؟
ولمَ بات الاختلاف في الدين ذريعة للقتل مثل ما جرى في أم شرشوح وغيرها من القرى المسيحية في ريف حمص، مهجرين أهاليها، مغتصبين بناتها؟
ولمَ باتت معالم الحياة المدنية ذريعة للقتل مثل ما يحصل مع من يسبح، وباتت السباحة مخالفة للشريعة، ومن يقبض عليه وهو يمارس هذا الجرم يزج في السجن؟
ولم بات على طفل يبلغ من العمر 14 سنة في حلب أن يفكر مليّاً قبل أن يتكلم لأنهم سيسوقونه كالخروف إلى الذبح؟
وكيف لبلد يذبح بحجة الجهاد أن يحتج بأنه يقوم بهذا لاسقاط نظام؟
كيف للعالم المتحضر المتمدن ـ الذي يتغنى ليل نهار بديموقراطيته ومنحه الحقوق للمواطن ـ أن يغمض عيونه عن أمثال أبناء حطله وريف دمشق وحلب وريف حمص وكل مكان في سورية؟
هل بات كرّاس الدراسة في مدينة الرقة مخصصاً للمسلم فقط، ولم يعد لغير المسلم أي مكان في سورية ما بعد الثورة؟
هل بات القتل والنهب والسرقة ونقل ثروات الوطن إلى الخارج نهجاً للوصول إلى سورية مدنية، كما يردد البعض حتى الآن؟
لقد دفع تقدم الجيش العربي السوري على الأرض من تآمروا إلى التخبط، وما كان منهم سوى أن يواجهوا هزائمهم المتتالية بتسليح مبطن ودعاوى جهاد.
معركه القصير كانت حاسمة، حيث قصمت ظهر المتآمرين، فأظهرت دور العالم الغربي الذي تنكر طوال السنتين عن تقديم ما هو عسكري للمعارضة، وبات الهجوم واضحاً جلياً على مشاركة مقاتلي حزب الله في المعركة، بدعوى أنهم قوى خارجية، ونسى هؤلاء ـ أو تناسوا ـ أن وفوداً من الذين بحثوا عن الحوريات أتوا من كل حدب وصوب بحجة الجهاد.
بعد هزيمة المعارضة ومن يدعمها في القصير سارعت الجامعة العربية إلى إصدار تنديد بالتدخل الخارجي في سوريا، وكأن من كان على الجبهة المقابلة طوال سنتين وحصد أرواحاً بريئة بحجة الثوره والحقوق، سالباً أول هذه الحقوق، وهو حق الحياة، كان من سكان القمر أو الشمس.
وبعدها تحول شيوخ الفتنة إلى إصدار خطب نارية، يدعون فيها الشباب إلى الجهاد، مكفّرين كل من هو ليس معهم بقولهم: اقتلوا كل من قال يا حسين فهو كافر. ومن بعدها حزموا حقائبهم إلى لندن معللين هذا بأنه المصياف ؟!! فأين هم مما يدعون إليه؟ وشيخ آخر سئل من قبل متصلة على برنامجه أين أولاده فقال إنهم في الرياض مشغولون بما هو أهم؟؟!!
وللصدف وللمفارقة، يصدر في اليوم ذاته تصريح من رئيس الولايات المتحده قائلاً إنه قرر دعم المعارضة بالسلاح، لأن سوريا قد تعدت الخطوط الحمراء باستخدامها الكيماوي. للتدكير فقط، صدر تقرير عن الأمم المتحده مفاده انهم لا يستطيعون الجزم من قام باستعمال الكيماوي، وللتنويه أيضاً، فإن المسؤولة عن هذه اللجنة كانت قد صرحت خلال لقاء تلفزيوني أن المعارضة هي من استعملته، لكن الأمر سوّي بعد تدخلات عديدة أن لا نستطيع الجزم من يقوم باستعمال هذه الاسلحة
المعركة التي تدور رحاها الآن هي حلب، ومع استردادها تكون ما سمي بالثورة قد فشلت، ما دعا أصحاب الجهاد لأن يفقدوا عقولهم هم ومن دعوهم كي يحولوا دون الهزيمة المنتظرة.
سوريا، وبعد سنتين من حرب كونية عليها، (لا أستطيع تسميتها بغير حرب بين قوى المقاومة وأمريكا)، ما زالت قائمة صامدة رغم الدمار والتشريد، رغم الدماء، ما زالت تعقد صفقات أسلحة متطورة بملايين الدولارات، رداً على العدوان الاسرائيلي، ما أثار حفيظة أمريكا وإسرائيل اللتين لم تتوانَيا عن التدخل، حتى يمنعا الصفقات التي بمقدورها أن تقلب الموازين العسكرية في المنطقة، فيذهب التفوق الجوي أدراج الرياح، ما دعا إلى فتح جبهة الجولان.
سوريا ما زالت تسيطر على زمام الأمور، ما زال العالم يتخبط حيال صمودها، وها هم يدعون إلى الحوار في جنيف 2 أملاً منهم في احتواء هزيمتهم والاحتفاظ بماء الوجه.
مؤخراً صدر مرسوم زيادة رواتب للمدنيين والعسكريين، تماشياً مع ارتفاع الأسعار. رغم كل السيئات إلا انه رسالة واضحة إلى الخارج أن هذه الدولة ـ التي يدور على أرضها حرب كونية ـ ما زالت قادرة على رفع الرواتب.
وهذا موشر للنصر القادم بإذن الله.