سفير تل أبيب الأسبق بالقاهرة: التهديدات بإعادة لبنان للعصر الحجريّ غيرُ قابلةٍ للتنفيذ ومؤذية
الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
لا يختلِف عاقِلان بأنّ المعضلة الرئيسيّة، أوْ كما تُسّمى إسرائيليًا بالتهديد الإستراتيجيّ الأوّل الذي يقُضّ مضاجع صُنّاع القرار في تل أبيب ويؤرِق الإسرائيليين عامّةً، يكمن في الجبهة الشماليّة، وتحديدًا ضدّ حزب الله، الذي يعتبره التقدير الاستخباراتيّ الإسرائيليّ خلال السنتين الأخيرتين بأنّه العدوّ رقم واحد لدولة الاحتلال، تليه إيران، وفي المرتبة الثالثة حركة المُقاومة الإسلاميّة (حماس) في فلسطين.
ويبدو واضحًا وجليًا أنّ حديث السيّد حسن نصر الله، الأمين العّام لحزب الله، بأنّ إسرائيل خلافًا للماضي، باتت تتكلّم كثيرًا وتفعل قليلاً، قد تحقق على أرض الواقع، عُلاوةً على ذلك، يجب الإشارة في هذه العُجالة، إلى أنّ الدولة العبريّة، التي تملك أقوى جيشٍ في الشرق الأوسط، إنْ لم يكُن على الصعيد العالميّ، باتت تُصنّف حزب الله بأنّه الجيش الثاني من حيثُ القوّة بعد جيشها، فيما قال وزير الأمن السابِق، أفيغدور ليبرمان، إنّ حزب الله يملك أسلحة أكثر كمًا ونوعًا ودقّةً من العديد من جيوشٍ مُعينّةٍ في حلف شمال الأطلسيّ (الناتو)، والأخطر من ذلك، كما يقول مُحللّوها للشؤون العسكريّة والسياسيّة، أنّ الأمور انقلبت رأسًا على عقبٍ، فتل أبيب أصبحت تلجأ لمجلس الأمن الدوليّ للمُطالبة بالحدّ من “خروقات” حزب الله واستفزازاته، بعد سنواتٍ طويلةٍ كانت تصول وتجول وترتكِب الجرائم بلبنان في ظلّ صمتٍ غربيٍّ وعربيٍّ على حدٍّ سواء.
وربمّا هذا الزمان وهنا المكان للتذكير بما كان قد قاله الصحافي والمُستشرِق الإسرائيليّ داني روبينشتاين: حسن نصر الله هو شخصيّة عظيمة، تشخص لها أبصار الفلسطينيين والشارع العربيّ، بدرجةٍ تفوق عبد الناصر في زمنه، عبد الناصر صمد في حرب حزيران ستة أيام، أمّا حسن نصر الله فقد حبس رُبع سكان إسرائيل في الملاجئ أكثر من أربعة أسابيع، على حدّ تعبيره.
وفي السياق عينه، رأى السفير الإسرائيليّ الأسبق في مصر، يتسحاق ليفانون، أنّ تهديدات إسرائيل بضرب لبنان تخدم حزب الله فقط، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ عدم الأخذ في الاعتبار التاريخ الطائفيّ الحسّاس في لبنان، وعدم الفهم الدقيق للطريقة التي تُدار فيها الحياة السياسيّة والاجتماعيّة في هذه الدولة طوال عقود، كانا في أساس الأخطاء التي ارتكبتها إسرائيل في حرب لبنان الأولى، أيْ عام 1982، مؤكّدًا على أنّ تل أبيب ماضية على طريق ارتكاب الأخطاء عينها.
وتابع ليفانون في مقالٍ نشره بصحيفة (معاريف) العبريّة، ونقلته للعربيّة مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة في بيروت، تابع قائلاً: تتنافس القيادة الإسرائيليّة بين بعضها البعض بشأن مَنْ يعبّر بحدّةٍ أكثر إزاء الدولة المجاورة، مُوضحًا أنّ المتحدثين هدّدّوا بمهاجمة البنى التحتية، أوْ كما قال سفير تل أبيب في الأمم المتحدة في مناقشةٍ خاصّةٍ في مجلس الأمن الشهر الماضي لموضوع الأنفاق: إذا تجرّأ حزب الله على مهاجمة إسرائيل، سندفنه تحت الخراب الذي سيُحيق بلبنان، وشدّدّ السفير الأسبق على أنّ هذه التهديدات ليست فقط غير قابلة للتنفيذ، بلْ هي أيضًا مؤذية، وفق تعبيره.
وأوضح أنّه من المشروع القول إنّ لبنان كدولةٍ ذات سيادةٍ مسؤولةٍ عمّا يجري داخل أراضيها، ومن المشروع أيضًا مطالبتها بالعمل وفقًا لذلك، لكن تهديدها بالدمار لأنّ حزب الله يستغل ضعفها ليس مفيدًا لإسرائيل، فالرأي العّام الدوليّ لن يتحمل ذلك، وأصدقاؤنا في العالم لن يقفوا إلى جانبنا عندما يروا الدمار ومعاناة السكان.
وزعم ليفانون أنّ حزب الله هو تنظيمٌ إرهابيٌّ وهو عدو لنا، ويجب أنْ نتعامل معه بهذه الطريقة من جانبنا، وأنْ نضربه أيضًا عند الضرورة، والعالم سيفهم ذلك، لأن دولاً كثيرةً اعتبرته تنظيمًا إرهابيًا وليست راضيةً عمّا يجري في لبنان.
أيضًا، ساق السفير الأسبق، أغلبية الطوائف في لبنان التي تُشكّل نسيجًا اجتماعيًا حسّاسًا للغاية، تعتبر الأنفاق خطرًا حقيقيًا على وجود الدولة، لافتًا إلى أنّ ما أسماه بـ”المعسكر الدرزيّ” بزعامة وليد جنبلاط، القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، الكتائب برئاسة سامي الجميل، ومعسكر المستقبل التابع للحريري – جميعهم يعتبرون حزب الله عاملاً سلبيًا، وهم قلقون على مصير بلدهم، وبالتالي، أضاف ليفنون، كلمّا قوّينا هذه الطوائف كلما قلّصنا تأثير حزب الله، وإذا نفّذنا تهديدنا بتدمير البنية التحتية في لبنان، سندفع بأيدينا هذه الطوائف إلى أحضان حزب الله، وهي ستضطر إلى التعبير عن تأييدها له و”لبطولته” في الدفاع عن الوطن، وفق أقواله.
ورأى ليفنون أنّه يتعيّن على إسرائيل أنْ تفهم هذه الحقائق، وأنْ تعمل بما يتلاءم معها لتعزيز الاتجاه المعادي لحزب الله الموجود داخل لبنان، والحزب، كما هو معروف، هو تنظيم ذو أهداف معادية لنا، زاعمًا أنّ المُواجهة معه ستُستقبل بتفهُّمٍ من الأطراف الداخليّة اللبنانيّة، وأيضًا من المجتمع الدوليّ، والتهديد بردٍّ قاصمٍ ضدّه هو شرعيّ، لكن ليس شرعيًا الردّ القاسيّ الذي ستُوجهّه إسرائيل إلى الحكم المركزيّ في لبنان.
واختتم قائلاً: الفهم الدقيق معناه فهم الصعوبات الداخليّة اللبنانيّة القائمة، والفهم الدقيق معناه تجنيد المعارِضين لحزب الله لإضعافه وللسماح لنا بضربه بقوّةٍ،إذا فعلاً نفّذ تهديداته ضدّ إسرائيل، على حدّ تعبير سفير تل أبيب الأسبق في القاهرة.