سجناء لبنان ضائعون بين عتمة الزنازين وإضراب القضاة
موقع العهد الإخباري:
لا تعذيب نفسيًا يعلو على ما يتعرض له السجين في لبنان؛ غرف يستحيل وصفها بدقّة، عشرات السجناء ينازعون الفضاء المحدود محدثين صخبًا متواصلًا، والزنزانة مساحتها لا تتجاوز أمتارًا قليلة. المشكلة ليست بضيق المكان وعدم القدرة على النوم فقط، بل بغياب النظافة، وانبعاث الروائح الكريهة من دورات المياه المفتوحة على الزنازين، والحرمان من الاستحمام، وتفشي الأمراض، والتقنين في وجبات الطعام.
“يُنذر هذا الوضع بقنابل موقوتة قابلة للانفجار”، بهذه العبارة يصف الوضع في السجون عضو لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب حسن عز الدين في حديث لموقع “العهد”، حيث عاد ملف السجون إلى الواجهة من جديد وسط الحديث عن ظروف مأساوية يعيشها السجناء، ووفاة اثنين منهم في رومية.
السجون الرسمية الموزعة على مختلف الأراضي اللبنانية، يجمعها، حسب عز الدين، “همّ واحد يتمثّل بالاكتظاظ الذي يفوق قدرتها على الاستيعاب، وتعذّر إجراء المحاكمات في مواعيدها”، ويضيف “عمر مباني السجون تخطى الـ 70 سنة، وإننا بحاجة ماسة لوضع خارطة بناء للترميم والصيانة”، لافتًا إلى أن السجون أُنشئت في مرحلة سابقة ولا تتطابق مع التطور الديمغرافي الذي يشهده لبنان اليوم، إذ إننا نحتاج لسجون إضافية، عازيًا السبب للتخطيط العشوائي وانهيار الدولة وتفلتها في كثير من المواضع.
ويشير النائب في البرلمان اللبناني إلى كمّ المرات التي طالب المعنيون فيها باقفال السجن المسمى “سجن العدلية” المستحدث منذ سنوات، والذي لا يتمتع بأدنى مقومات السجن، مؤكدًا أنه كان من بين الأسوأ في لبنان، ويشهد اكتظاظًا. ويذكّر هنا بالـ 31 موقوفًا الذين تمكّنوا من الفرار من نظارة تحت جسر قصر عدل بيروت، مما دفع لجنة حقوق الانسان النيابية لاستنكار الواقعة التي يحوم حولها الكثير من الأسئلة. ونتيجة متابعة اللجنة تم إغلاق السجن وتوزيع السجناء.
ويشدد في هذا السياق على أن هذا مثال عن سجون لبنان، التي لا تتمتع بأبسط المعايير الإنسانية، إن كان على المستوى الصحي أو النفسي أو بخصوص الإنارة والنظافة والحاجات الخاصة وغيرها.
عز الدين يتطرق في حديثه لـ”العهد” إلى الكتاب الذي وجهه موردو المواد الغذائية لصالح سجون رومية ونساء بعبدا وزحلة وطرابلس، إلى وزير الداخلية والبلديات، والذي يتعلق بتأمين الأموال للاستمرار في تسليم المواد الغذائية، ووضعهم المأساوي حتى لا يضطروا للتوقف عن تسليم المواد الغذائية.
والنتيجة هي أن هناك سجينا يعاني، ويسقط ضحية الاكتظاظ وغياب الرقابة الطبية لحين انقضاء فترة محكوميته.
وماذا ستفعل لجنة الإدراة والعدل؟
يجيب عز الدين كاشفًا عن اقتراح قانون أقر حاليًا باللجنة حول التبليغات الالكترونية من خلال المحامي، لأنها العائق الأكبر. كما تعمل اللجنة على تعديل بعض الأحكام المدنية، وستعقد جلسة بحضور الصليب الأحمر، ووزراء الصحة والعدل والداخلية، للوقوف على وضع السجون، وحقيقة وفاة سجينين. ووفقًا لعز الدين، ستعرض اللجنة موضوع توريدات الغذاء مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، معربًا عن أمله بأن تفضي الاجتماعات لحلول تخفف من المأساة.
تردي أوضاع السجون بدأ يتجلى بشكل كارثي
من جهته، يعتبر رئيس نادي قضاة لبنان القاضي فيصل مكي أن الاعتكاف الشامل للقضاة فرض نفسه بعدما رفعوا الصوت عاليًا في مراحل عدة، محذرين من أنّ “ظروف العمل قد لامست خط التعذر من دون أن يلقوا آذانًا صاغية من السلطة”. ويوضح أن قرار الاعتكاف يرتبط بسببين أساسيين، الأول اقتصادي ومعيشي إذ لم يعد القاضي قادرًا في ظل غلاء المحروقات على الوصول إلى مكتبه، ويواجه ثانيًا صعوبة في تأمين لقمة العيش.
وعن الإشكالية بخصوص أوضاع السجون، فإن الخضوع للمحاكمة بات أقرب إلى المستحيل اليوم في ظل تعذّر سوق الموقوفين إلى المحاكمات بسبب تعطّل آليات القوى الأمنية أو لغلاء أسعار الوقود، إضافة إلى قلة عديد القوى الأمنية والإضرابات المتلاحقة التي حصلت في المحاكم.
ووقائع التردي في الأوضاع بدأت تتجلى بشكل كارثي، وفقًا لمكي، على خلفيّة الاكتظاظ المستمرّ واحتمال انقطاع المازوت نهائيًا عن السجون، خصوصًا أنّ استخدامات مادة المازوت لا تتوقف فقط على الإضاءة، بل مرتبطة بكل شيء تقريبًا وصولًا إلى مضخّات الماء والصرف الصحي ومراوح التهوئة.
المنظومة كلها متوقفة من قبل بدء اعتكاف القضاة، يلفت القاضي مكي، ما شكل ضغطًا على السجون، فلا تُقدم الدولة فعليًا إلى سجنائها اليوم سوى المأوى بالمجان، فالدولة تترك السجناء مكدّسين من دون أن تُقدّم أي حل، لا لأزمة الاكتظاظ في السجون، ولا لعدم قدرتها على تأمين أبسط المستلزمات في ظل الانهيار الاقتصادي.
ويعتبر أن المطالبات بخفض السنة السجنية لا يجدي نفعًا لأن النسبة الأكبر هم “سجناء بلا أحكام”، فهم قيد المحاكمة في الاحتجاز، وهذا القرار يطبق فقط على المحكومين.
ويأسف مكي من أن كل ما ليس له فائدة مالية واقتصادية عند أهل السلطة يصبح من القطاعات المهملة لأنه لا يدرّ أموالًا، وهذا ما حصل بموضوع تحسين السجون ومتابعتها.