زيارة وزير الخارجية السعودي إلى أوكرانيا.. ماذا في خلفيات الدور الأمريكي؟
موقع العهد الإخباري-
حيّان نيّوف:
دأبت الولايات المتحدة أولًا ومن خلفها حلفاؤها في الأطلسي على ممارسة بروباغندا إعلامية منظمة ومكثّفة ضد التقارب الإيراني – الروسي. الحملة الأمريكية ركّزت في البداية على مزاعم تزويد طهران لموسكو بالمسيّرات الإيرانية لاستخدامها في عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وتوالت فصول الحملة الإعلامية حتى تحولت إلى جزء من الخطاب السياسي والإعلامي اليومي للساسة الأمريكيين والأوروبيين والمؤسسات الإعلامية الغربية وحتى العربية. ولم يتوقف الأمر عند موضوع المسيّرات، بل تعداه إلى الحديث عن الصواريخ والمدفعية وحتى عناصر الحرس الثوري الإيراني، ودورهم المزعوم في الميدان الأوكراني لصالح موسكو.
الحملة الأمريكية المضللة انطلقت تزامنًا مع تفعيل التعاون بين روسيا والسعودية وتحديدًا في إطار منظمة أوبك+، والذي ساهم باستقرار أسعار الطاقة منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا على عكس ما كانت ترغب واشنطن وتخطط، وهي التي واظبت على اتهام روسيا بالمسؤولية عن ارتفاع أسعار الغاز والنفط في أوروبا، وحتى في الولايات المتحدة نفسها.
لم يرُق للولايات المتحدة هذا التفاهم السعودي الروسي، وفي ذات الوقت خشيت من توسع هذا التفاهم إلى مجالات أخرى في الاقتصاد والسياسة والفضاء وغيرها، خاصة في ظل الطموح الجامح لولي العهد السعودي لتطوير وتحديث المملكة وتحويلها إلى قوة إقليمية ودولية، وفي ظل العروض المغرية التي راحت موسكو تقدمها للرياض في مجال الطاقة النووية وصولًا إلى منظومة اس ٤٠٠ للدفاع الجوي، ومؤخرًا ما عبّرت عنه موسكو من رغبة سعودية بالانضمام إلى منظمة بريكس.
ولأن الظروف الإقليمية والدولية وخاصة مع احتدام الصراع العالمي لا تسمح للولايات المتحدة بالمغامرة وخلق فوضى جديدة في الإقليم وتحديدًا في السعودية على اعتبار أنها ستؤثر بشكل سلبي وعميق على سلاسل التوريد ما بين الشرق والغرب، وعلى سلاسل توريد الطاقة المتازمة أيضًا، بالإضافة لكونها ستخلق مناخًا مؤاتيًا لزيادة “النفوذ الإيراني الروسي” في المنطقة على حساب النفوذ الامريكي المتراجع أصلًا، فإنه كان لا بد للولايات المتحدة من اللجوء لاستراتيجية جديدة لوقف أي تقارب سعودي – روسي محتمل والانتقال منه إلى خلق جو من التوتر بين البلدين.
ولأن الولايات المتحدة تدرك جيدًا حساسية العلاقة السعودية – الإيرانية، عملت طوال عقود ومنذ قيام الثورة الإسلامية في إيران على خلق حالة من العداء بين الدولتين الجارتين، مرّة على أساس مذهبي وأخرى على أساس عرقي، بدءا من الحرب المفروضة العراقية – الإيرانية والتخويف مما يسمى “تصدير الثورة الإيرانية”، ووصولًا إلى الربيع العربي بكل آثاره التدميرية الاجتماعية والسياسية”.
من هنا كان لا بد من اللجوء إلى استراتيجية جديدة لضرب “التمدد الروسي” في الإقليم العربي ومع السعودية تحديدا، على محورين:
الاول يتمثل بشيطنة إيران في العالم العربي وإذكاء نار الفتنة بين السعودية وإيران، وتحويل إيران الى عدو وهمي عبر بروباغندا اعلامية مركزة تضمنت التركيز على الملف النووي الايراني والمماطلة في الوصول لاتفاق بخصوصه وتخويف دول المنطقة منه، بالتوازي مع استمرار اذكاء الفتن المذهبية.
الثاني تظهير العلاقة الايرانية – الروسية وتصويرها كتحالف عسكري موجه ضد خصوم إيران وجيرانها في الإقليم، وتصوير روسيا كحليف في ذات الخندق مع ايران يعادي دول الخليج والإقليم عموما، وكامل الجوار الإيراني.
ضمن هذا الإطار مررت الولايات المتحدة استراتيجيتها بالتوازي بين المحورين، قبل أن تكشف الخارجية الأمريكية صراحة عن حقيقة استراتيجيتها وأهدافها عبر بيان واضح صدر عنها منذ أيام وجاء فيه “الشراكة الروسية-الإيرانية تشكل تهديدًا ليس فقط لأوكرانيا بل لجيران إيران في المنطقة”.
هذا الموقع الأمريكي المعلن الواضح، لم يكشف عنه إلا بعد أن ضمنت الولايات المتحدة أن استراتيجيتها نجحت بالتأثير على الجانب السعودي الذي تلقف البيان الأمريكي على عجل، وسارع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بالتوجه إلى العاصمة الأوكرانية كييف والتقى بفلودومير زيلينسكي وأعلن عن حزمتي مساعدات مجانية ضخمة للغاية بلغت 410 ملايين دولار في خطوة تتناقض مع السياسة السعودية الجديدة التي عبر عنها أكثر من مسؤول سعودي مؤخرا (لا مساعدات بدون مقابل، ولا مساعدات بالمجان).
لا شكّ بأن الخطوة السعودية وصل صداها إلى موسكو أولاً وإلى واشنطن ثانيًا، قبل أن يسمع صداها في طهران التي أعربت عن ترحيبها بالمبادرة الصينية لإنهاء الصراع في اوكرانيا واعتبرتها أساسًا يمكن الإستناد إليه لإطلاق الحوار، في الوقت الذي كانت رسائل القصف العسكري الروسي توصل رسائلها إلى العاصمة الاوكرانية كييف.
وبالمحصلة، فإن الخطوة السعودية لا يمكن فصلها عن إعادة التمحور ورسم خرائط التحالفات في العالم الجديد، ويمكن وضعها في خانة الإستراتيجيا أكثر من كونها تحركًا تكتيكيًّا، بانتظار ما ستظهره الأيام القادمة وخاصة على مستوى أسواق الطاقة و”أوبك +”.