زيارة السوداني لدمشق.. خطوة في مسار التحولات الكبرى
موقع العهد الإخباري-
عادل الجبوري:
أشارت الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للجمهورية العربية السورية إلى حقيقة مهمة للغاية، هي أن المسار الايجابي الصحيح للعلاقات بين بغداد ودمشق بات راسخًا وثابتًا وواضحًا، ولم يعد بإمكان أي طرف اقليمي أو دولي عرقلته، لأنه من جانب كان نتاجًا لقراءات واقعية ودقيقة لمجمل أحداث ووقائع وملفات المنطقة الشائكة والمعقدة والمتداخلة، ومن جانب آخر مثّل تكريسًا للثوابت التي طالما أكدت عليها كل من بغداد ودمشق.
وفي واقع الأمر، جاءت زيارة السوداني لسوريا في خضم تحولات ومتغيرات كبرى، وحلحلة واضحة لأغلب أزمات المنطقة ارتباطًا بحراك متعدد الاتجاهات والمستويات والجوانب. ولعل من بين أهم وأبرز مصاديق تلك التحولات والمتغيرات هي:
* عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد اثني عشر عامًا من تعليق عضويتها لأسباب وحسابات وأجندات سياسية معينة، وتكللت هذه العودة عبر دعوة رسمية وجهت للرئيس السوري بشار الأسد من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للمشاركة في القمة العربية الثانية والثلاثين التي عقدت بمدينة جدة السعودية في التاسع عشر من شهر ايار-مايو الماضي.
* استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والسعودية بعد قطيعة كاملة دامت سبعة أعوام، من خلال اتفاق مهدت له وبلورته على مدى أكثر من عامين عدة أطراف في مقدمتها العراق وعمان، ورعته وهيّأت له الصين. وطبيعي أن عودة المياه إلى مجاريها بين اثنين من أكثر الأطراف تأثيرًا في المنطقة، يعني الشيء الكثير، لا سيما إذا عرفنا أنهما -أي ايران والسعودية- معنيان بصورة ربما تكون مباشرة بملفات المنطقة الشائكة، وأن الانطباع والتصور العام السائد هو أنه ما دامت الخلافات والتقاطعات والخصومات قائمة بين طهران والرياض، فمن الصعب جدًا فك عقد الأزمات في اليمن وسوريا ولبنان والعراق، والعكس صحيح.
* التنامي والتزايد الواضح والملموس في الحراك السياسي والدبلوماسي العراقي في الساحة الاقليمية باتجاه تطويق واحتواء أزمات المنطقة وحلحلة مشاكلها المستعصية، والبحث عن مسارات للتهدئة، وتقريب وجهات النظر والمواقف بين الفرقاء والخصوم، بحيث تحول العراق من بؤرة للمشاكل والأزمات وساحة للفوضى والاضطراب الداخلي الى مصدر للحلول والمعالجات ومحطة للتقارب والتلاقي بين الخصوم والفرقاء.
* الاتجاه العام لدى مختلف الأطراف المتخاصمة نحو التوافقات والتفاهمات البناءة وفق قاعدة المصالح المتبادلة والقواسم المشتركة، والابتعاد عن مواضع التأزيم والتصعيد والتعقيد، ومعظم الحراك بين عواصم المنطقة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة يعد مصداقًا لذلك. بعبارة أخرى إن كل الأطراف تقريبًا، توصلت الى قناعة مفادها أهمية مغادرة خيار الصدام والصراع والتمسك بخيار التوافق والتفاهم والحوار.
وفي المؤتمر الصحفي المشترك لهما في العاصمة السورية دمشق، في السادس عشر من شهر تموز-يوليو الجاري، أكد كل من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، والرئيس السوري بشار الأسد على جملة من القضايا المحورية، أبرزها:
– إن زيارة رئيس الوزراء العراقي تمثل فرصة لتأكيد دعم العراق لوحدة سوريا وأمنها واستقرارها، ومساندته للجهود المبذولة لفك الحصار عن الشعب السوري ودعم جهود التهدئة في المنطقة.
– ضرورة التعاون المشترك بين البلدين وبين عموم دول المنطقة لتحقيق الاستقرار، الذي يمثل المدخل الأساسي للتنمية الاقتصادية الشاملة.
– كان للتعاون والتنسيق بين الطرفين الأثر الفاعل في دحر الارهاب التكفيري الداعشي ودفع خطره ليس عن البلدين فقد، وانما عن كل دول المنطقة والعالم، وقد أشاد الرئيس السوري بالمواقف البطولية الكبيرة للجيش العراقي والحشد الشعبي في تحقيق الانتصار التاريخي على “داعش”.
– هناك عدة مشاكل وأزمات تقتضي رفع مستوى التعاون العراقي السوري إلى أقصى المستويات، من قبيل ملف المهاجرين والنازحين، وملف المياه، وملف ضبط الحدود المشتركة، وملف تهريب المخدرات.
– ومما لا تختلف عليه العديد من الأوساط والمحافل السياسية في بغداد ودمشق وعواصم اقليمية أخرى هو أن المسار الايجابي للعلاقات العراقية – السورية، يعد أحد مقومات وعناصر ايجاد بيئة سياسية وامنية مستقرة في الفضاء الاقليمي. هذا المسار الايجابي لعلاقات بغداد ودمشق، تبلور من خلال طبيعة التحديات والتهديدات التي تعرضا لها، وآليات التعاون والتنسيق بينهما لمواجهتها والتغلب عليها، لا سيما ما ارتبط منها بالارهاب التكفيري “الداعشي”، تحت مسمى (دولة الخلافة الاسلامية في العراق وسوريا)، وقد كان الرئيس بشار الأسد واضحًا حينما أشاد بدور الجيش العراقي والحشد الشعبي في تحقيق الانتصار على “داعش” عبر التعاون مع الجيش العربي السوري والقوات الرديفة.
ولعل التعاون والتنسيق في محاربة الارهاب بين العراق وسوريا، والوصول إلى مخرجات جيدة في هذا الملف، فتح آفاقًا واسعة ورحبة لتعزيز العلاقات بين الجانبين، فضلًا عن بناء تحالفات استراتيجية رصينة مع قوى اقليمية وعالمية كبرى، مثل ايران وروسيا والصين، إلى جانب توسيع مساحات حضور وتأثير محور المقاومة في مجمل معادلات الميدان، وهذه كلها وغيرها، حقائق ومعطيات مهمة لا يمكن التغافل عنها وتجاهلها لمن يتابع ويتتبع ويدرس ويحلل مجمل الحراك في المسار الايجابي لعلاقات سوريا والعراق.