زيارة السوداني إلى القاهرة.. تفاهمات اقتصادية ورسائل سياسية
موقع قناة الميادين-
السيد شبل:
ترى بغداد في القاهرة نموذجاً ملائماً للعاصمة العربية التي يمكن التفاهم معها وتنمية مجالات التعاون المشترك، فالدولة المصرية تنأى بنفسها عن التورط في صراعات خارجية، ولم تشتبك كثيراً في شؤون العراق الداخلية.
كان مطار القاهرة الدولي على موعدٍ مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، يوم الأحد الماضي؛ وعلى رأس المستقبلين كان نظيره المصري مصطفى مدبولي، وقد أُقيمت مراسم استقبال رسمية للمسؤولين العراقيين الذين مهّد لزيارتهم الإعلام الرسمي المصري بترحيبٍ ملحوظ واهتمام وافر.
لم تدُم إقامة السوداني في القاهرة سوى ساعاتٍ قليلة، رغم ذلك بدا أن السوداني ورفاقه قد جاءوا إلى القاهرة حاملين في جعبتهم العديد من الملفات التي استوقفت منصات إعلامية وبحثية داخل مصر وخارجها.
لا تكتسب الزيارة أهميتها من كونها، فقط، تمثل ترميماً للشروخ القائمة في حائط العلاقات العربية المشتركة، ولكنها تكتسب وزناً إضافياً كونها تأتي في وقتٍ تعاني مصر من أوضاع اقتصادية صعبة، وتحتاج إلى رفع سقف تبادلاتها التجارية والولوج في أسواق قريبة، بالإضافة إلى ذلك، فإنها تتزامن مع انفتاح القاهرة على دمشق، والذي يأتي ضمن انفتاح عربي شامل على الدولة السورية، وما يمكن أن يمثله ذلك من تعميق للروابط مع العواصم العربية الحليفة لسوريا منذ بداية الأزمة، وتُعدّ بغداد في مقدمة تلك العواصم.
في قصر الاتحادية، اجتمع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مع رئيس الوزراء العراقي، بحضور وفد رفيع المستوى من المسؤولين في البلدين، وذلك وفقاً لبيان الرئاسة المصرية.
خلال اللقاء، لم يَفُت السيسي الإشارة إلى رؤية القاهرة الاستراتيجية، والتي تحكم سياسة البلاد داخلياً وخارجياً منذ نحو 10 أعوام، وهي: “ضمان الأمن -الحفاظ على الاستقرار -التصدي للإرهاب”، وجاء ذلك في سياق تأكيد مؤسسة الرئاسة دعم الدولة العراقية.
أما على الصعد الأخرى، فأكد الرئيس المصري حرص بلاده على تفعيل أطر التعاون الثنائي المشترك وتنويعها في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية، والإسراع في تنفيذ المشروعات المشتركة بين البلدين.
هنا تجدر الإشارة إلى أن السيسي يُعد أول رئيس مصري يزور العراق منذ 3 عقود، إذ أجرى زيارتين إلى العراق العام قبل الفائت لحضور القمة الثلاثية المصرية-الأردنية-العراقية، وقمة دول جوار العراق، وهو ما عدّته الصحافة المصرية حينها “تدشيناً لمرحلة جديدة من العلاقات الثنائية بين القاهرة وبغداد”.
أما السوداني فتحدث عن الدور المصري البارز في تعزيز آليات العمل العربي المُشترك في مواجهة الأزمات والتحديات الراهنة في المنطقة، للحفاظ على الاستقرار والنهوض بالأوضاع التنموية، مؤكداً رغبة العراق في العمل على تطوير العلاقات، ورفع مستوى التبادل التجاري، وتفعيل اللجان المشتركة بين البلدين إلى مستوى التنفيذ، وفقاً لرئاسة مجلس الوزراء العراقي.
ويُذكر أن القاهرة كانت قد استقبلت محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب العراقي، الشهر الماضي، بعد أيام من الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا وتسبب في سقوط آلاف الضحايا، وتناولت المباحثات ملفات التعاون المشتركة بين البلدين في المجالات كافة.
بين مشاريع التعمير والطاقة.. الاقتصاد يتصدّر
يؤكد الخبراء في المجال الاقتصادي أن العراق، وهو بلد عربي نفطي، يُمثل فرصة للعمل أمام المطوّرين والمستثمرين المصريين، خاصة إذا ما تمت إدارة ملفات التعاون المشترك بواسطة لجان حكومية عالية المستوى من الجانبين سعياً لتحقيق الشراكة والتكامل الاقتصادي.
من هنا، يمكن النظر إلى الزيارة باعتبارها جاءت في وقت مثالي لتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية القائمة بالفعل بين البلدين، ومن ثمّ تطوير فرص الاستثمار بين الجانبين في العديد من المجالات.
فمصر، على سبيل المثال، تمتلك خبرات متقدمة نسبياً في مجالات الطاقة واستزراع التصحر، كما لديها تجربة معاصرة محل إشادة في تطوير البنى التحتية وبناء مدن سكنية حديثة تخدم شرائح اجتماعية مختلفة، وهو ما يمكن أن يستفيد منه العراق الذي يعاني من المشكلات السابقة، كما يسعى لإعادة إعمار مدنه المدمّرة، خاصة بعد السنوات التي قضاها في مواجهة تنظيم “داعش” المتطرف.
وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت التغلّب على التنظيم في نهايات عام 2017، بعدما أعادت الدولة السيطرة على الأراضي التي بسط “داعش” نفوذه عليها في العام 2014. رغم ذلك، ما زال العراق يعاني، لا سيما محافظة نينوى شمالي البلاد، من تدهور ملحوظ في البنى التحتية والمباني السكنية، وهنا يمكن أن تجد شركات المقاولات المصرية العملاقة لها قدماً في هذا الإطار، بحيث تتحقق المصلحة المشتركة للشعبين العربيين.
أما في مجال الطاقة، فتملك مصر فائضاً من إنتاج الكهرباء بنحو 30% لكنها بحاجة شديدة إلى النفط، فيما يشتكي العراق من أوضاع سلبية معاكسة، ولذلك تسعى القاهرة وبغداد إلى أن يسد كل جانب العجز لدى الطرف الآخر، كذلك يمكن للعراق الاستفادة من خبرات الشركات المصرية في بناء محطات طاقة كهربائية بما لديها من خبرات طويلة.
في هذا السياق، كان تأكيد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن بلاده لديها خطط لتوسيع أطر التعاون المشترك مع العراق، عبر العمل على تقوية خط الربط الكهربائي مع الأردن لاستيعاب قدرة تصل إلى 3 جيجاوات، حيث يعمل الآن بطاقة نحو 550 ميغاوات.
وفي السياق ذاته، قال السوداني، إن خطاً ثانياً للربط بين الأردن والعراق سيتيح وصول بعض الكهرباء المصرية إلى العراق، ومن المتوقع أن تكتمل المرحلة الأولى من خط الربط الثاني في حزيران/يونيو.
وتسعى مصر، وهي واحدة من 5 دول في العالم تعد الأكثر عرضة للعجز عن سداد ديونها الخارجية، إلى خفض استهلاكها المحلي من الطاقة من أجل زيادة كمية صادراتها من النفط والغاز، وبالتالي زيادة مواردها بالدولار.
وكانت قيمة التبادل التجاري بين مصر والعراق قد ارتفعت لتسجل 147.3 مليون دولار خلال الربع الأول من عام 2022، في مقابل 129.1 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها %14.1، وفق بيانات جهاز الإحصاء المصري.
ويرى مراقبون أن منسوب التفاهمات الاقتصادية بين مصر والعراق في صعود منذ عام 2021، أثناء تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية، حين وقّع البلدان 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مختلف القطاعات، بعدما وافق مجلس الوزراء العراقي في نهاية عام 2020 على تجديد عقد إمداد الهيئة المصرية العامة للبترول بإجمالي 12 مليون برميل من خام البصرة الخفيف.
كما كشف العراق حينها عن مخططاته لإنشاء خط أنابيب يستهدف تصدير مليون برميل يومياً من الخام العراقي من مدينة البصرة في جنوب البلاد إلى ميناء العقبة الأردني على البحر الأحمر.
رسائل سياسية وتعاون أمني
ترى بغداد في القاهرة نموذجاً ملائماً للعاصمة العربية التي يمكن التفاهم معها وتنمية مجالات التعاون المشترك، فالدولة المصرية التي تنأى بنفسها عن التورط في صراعات خارجية، لم تشتبك كثيراً في شؤون العراق الداخلية خلال الفترات الماضية، على العكس من بعض الدول الخليجية التي تورطت في دعم مكونات عراقية ضد الأخرى، وبالتالي يمكن للعلاقات الدبلوماسية معها أن تكون هادئة ومثمرة.
كذلك، فإن التقارب بين البلدين يضيف مزيداً من الاستقلالية إلى العراق في مواجهة جميع الأطراف الطامحة لتوجيه سياستها، خاصة أن بغداد تطمح للعب دور وساطة إيجابي في العديد من ملفات الصراع والتنافس في الشرق الأوسط، أهمها عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وكذلك ملف التفاهمات بين إيران والسعودية، بعدما تم قطع العلاقات بينهما في عام 2016.
وكانت بغداد قد استضافت منذ نيسان/أبريل 2021 خمس جولات من المحادثات بين طهران والرياض، ويمكن للقاهرة، إن استردّت طموحها للعب دور إقليمي نافذ، أن تلعب دوراً في سياق الوساطة، خاصة أن الخطاب الرسمي المصري دوماً ما تحاشى الانخراط في الأساليب الخشنة التي تعتمدها دول خليجية لإدارة علاقاتها بالجمهورية الإيرانية، كما أن الدولة المصرية لم تتورط في الصراع داخل سوريا أو العراق أو اليمن.
وكانت العلاقات بين السعودية وإيران قد بدأت في التقدّم بشكل نسبي بعد القطيعة في عام 2016، وأعلنت إيران في كانون الثاني/يناير 2022، عن عودة ثلاثة دبلوماسيين إيرانيين إلى السعودية لمباشرة أعمالهم من مقر منظمة التعاون الإسلامي في جدة.
على الجانب المصري، يمكن قراءة نمو العلاقات السياسية مع العراق، في ضوء زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري الأخيرة إلى دمشق، والانفتاح الخليجي على سوريا، وهو ما يكشف عن حقبة جديدة للعمل العربي المشترك، يمكن أن تتقارب فيها المحاور التي كانت قد تباعدت أو تورطت في صراعات على مدار العقد الماضي.
وتشكل زيارة السوداني إلى القاهرة محطة في جولات شملت الأردن وإيران والكويت والإمارات، وهو ما يعدّ توجّهاً استراتيجياً عراقياً لخلق توازن سياسي واقتصادي داخلي وخارجي، ففي 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، زار رئيس الوزراء العراقي، الأردن، وكانت المحطة الخارجية الأولى له بعد تسلّم رئاسة الحكومة، إذ تُعدّ الأردن الضلع الذي يكمّل مثلث التعاون بين مصر والعراق.
ثم أعقبها السوداني بزيارة إلى الكويت، في أول زيارة رسمية لدولة خليجية، ثم أتبع ذلك بزيارة إلى طهران، داعياً المسؤولين الايرانيين إلى زيادة التعاون بين البلدين في جميع المجالات، كما زار السوداني، الإمارات، في التاسع من الشهر الماضي، والتقى رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
على الصعيد الأمني، تنظر مصر إلى استقرار العراق باعتباره جزءاً أساسياً من الأمن القومي العربي، وتكشف التقارير الإخبارية على مدار السنوات الماضية عن تنسيق عالي المستوى قد جرى بين القاهرة وبغداد بهدف تبادل المعلومات الأمنية ومطاردة العناصر المتطرفة.
وكانت مصر التي واجهت خطر العمليات الإرهابية ما بعد حزيران/يونيو 2013، مدفوعة بحكم مصالحها الأمنية، إلى التقارب مع الدول العربية التي تواجه المخاطر ذاتها، وكان أبرزها سوريا والعراق، وقد أدى التعاون الأمني إلى تعبيد الطرق لتفاهمات في مجالات أخرى سياسية واقتصادية.
وكان الكاظمي، رئيس الحكومة العراقية السابق، قد اقترح على مصر والأردن توسيع قاعدة التنسيق الأمني لمجابهة التحديات التي تواجهها الدول الثلاث ضمن الظروف الحالية، وذلك خلال لقائه وزيري خارجية الأردن أيمن الصفدي ومصر سامح شكري في بغداد الصيف الماضي.