زوال “الدولة” وأُفول الكيان
موقع قناة الميادين-
محمد حسب الرسول:
حذّر رئيس الشاباك السابق عامي إيلون نتنياهو من “زلزال في إسرائيل ومن واقع عنيف”، قائلاً: “لا يعرف أحد في إسرائيل إلى أين ستسير الأمور”.
مع تعاظم مشروع المقاومة في فلسطين ولبنان، لا سيما بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيار/مايو 2000، والانسحاب من قطاع غزة في 15 آب/أغسطس 2005، وبعد الهزيمة التي مُني بها “جيش” الكيان الصهيوني في لبنان في آب/أغسطس 2006، تعاظمت تحديات “إسرائيل”، وأصبح أمر بقائها واستمراريتها محل سؤال كبير.
وقد أضافت تحديات الدولة الداخلية ذات الصلة ببنائها الاجتماعي، الناشئة من طبقات المجتمع المختلفة (أشكناز، سفرديم/صابرا، فلاشا)، تحدياً وجودياً ثانياً، وعمّق الصراع بين اليمين واليسار الصهيونيين – الذي تبدت طبيعته بعد تأليف حكومة نتنياهو الحالية – حدة هذا التحدي، وزاد كل ذلك قلق القادة الصهاينة على مستقبل كيانهم.
المتابع لتصريحات قادة الكيان منذ بداية هذا العام يشعر بحجم القلق الذي ينتاب هؤلاء القادة، والذي انتاب “الدولة” بمؤسساتها ورموزها، فقد أصبح سؤال المستقبل هاجساً يسيطر على غالبية المسؤولين، ما لم يكن جميعهم، حتى تكاد لا تجد بينهم من يحتفظ برصيد زهيد من الثقة بمستقبل المشروع الصهيوني ومستقبل “الدولة”، وخصوصاً أن سرديات التاريخ تسيطر عليهم وتحملهم إلى مزيد من عدم الثقة باستمرار مشروع الدولة وبقائه.
في تعليق على تطورات الأزمة السياسية التي أشعلتها سياسات حكومة نتنياهو، قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ: “إنّ إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي في مرحلة صعبة وأزمة داخلية عميقة وخطرة تهددنا جميعاً”، وأضاف: “نحن منقسمون ومتخاصمون أكثر من أي وقت مضى”.
وتابع: “هذه الأزمة الداخلية العميقة والخطرة تهددنا جميعاً، وتهدد المنعة الداخلية والتضامن الإسرائيلي، وهي خطرة جداً جداً”. وقد حذّر في تعليقه هذا من إمكانية التدهور إلى هاوية سحيقة، ومن وصول “إسرائيل” إلى نقطة اللاعودة، وأبدى خشيته من انهيار “الدولة” قبل أن تبلغ 80 عاماً من العمر، كما حدث لمملكة داوود ومملكة الحشمونيين/ الحشمونائيم.
كان رئيس الوزراء المستقيل، نفتالي بينيت، قد سبق الرئيس إسحاق هرتسوغ في التعبير عن تلك المخاوف العظيمة التي يعيشها القادة الصهاينة. وقد قال في حديث له في 3 حزيران/يونيو 2022: “الدولة تقف أمام اختبار حقيقي ومفترق طرق تاريخي، لأنها تشهد اليوم حالة غير مسبوقة تقترب من الانهيار، ولأنها تواجه لحظة مصيرية، وتواجه خطر السقوط والانهيار بسبب عدم الانسجام بين مكوناتها من جهة، وبسبب جهود المعارضة اليمينية لإسقاط الحكومة من جهة أخرى”.
وقد كانت سرديات التاريخ اليهودي حاضرة عنده – مثلما كانت حاضرة عند رئيس “الدولة” – حين أشار إلى تفكك الدولة اليهودية مرتين قبل قيام “دولتهم” الحالية؛ مرة عندما بلغ عمرها 77 عاماً، ومرة ثانية حين بلغت 80 عاماً.
في مقال له، عبر رئيس الوزراء الأسبق، إيهود باراك عن مخاوفه من قرب زوال “إسرائيل” قبل حلول الذكرى الـــ 80 لتأسيسها، مستشهداً في ذلك بالسرديات التاريخية ذاتها. وفي هذا السياق، كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد سبق رفاقه في التعبير عن المخاوف من زوال “الدولة”، فقد قال عام 2017: “سأجتهد كي تبلغ إسرائيل عيد ميلادها المئة، لأن مسألة وجودنا ليست مفهومة ضمناً، وليست بديهية، فالتاريخ يعلمنا أنه لم تُعمَّر دولة للشعب اليهودي أكثر من 80 سنة”.
في عام 2009، نشر البروفيسور يحزقيئيل درور، المستشار السابق في وزارة الدفاع، وعضو لجنة “فينوغراد” للتحقيق في حرب لبنان الثانية، كتاباً بعنوان “التوجهات الأمنية والسياسية لإسرائيل”، تناول فيه المخاطر المحيطة بـ”إسرائيل” والمشاهد المستقبلية لـ”الدولة”.
وقد ركز على مشهد الحرب المدمرة التي تخوضها المقاومة اللبنانية، والتي تستهدف الكيان بهجمات صاروخية متعددة المصادر، وعلى تعرّض الكيان لهجمات معلوماتية ضاربة تشوش أنظمتها المعلوماتية.
واستعرض درور مشهد تبدل المواقف والسياسات الأميركية بتخفيف تدخلها في الشرق الأوسط، وتقليل دعمها لـ”إسرائيل” ورحيل “جيشها” عن المنطقة وطرح علامات استفهام حول مستقبل “إسرائيل”.
في ظل الانقسام العمودي الذي عمقته سياسات نتنياهو وحكومة اليمين الأكثر تطرفاً التي ألفها، وخصوصاً سياساته التي يريد عبرها وضع القضاء تحت عباءة السلطة التنفيذية، تصاعدت المواقف المعبرة عن حالة اليأس والقنوط أو الخوف من المستقبل.
وفي هذا السياق، حذّر رئيس الشاباك السابق عامي إيلون نتنياهو من “زلزال في إسرائيل ومن واقع عنيف”، قائلاً: “لا يعرف أحد في إسرائيل إلى أين ستسير الأمور. هذه هي المرة الأولى التي تواجه فيها إسرائيل هذا الواقع في التاريخ الحديث”.
من جانبه، أكد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) السابق، عاموس يادلين، أنّ الناس في “إسرائيل” باتوا يشعرون بأنّ العَقد بينهم وبين الحكومة انتُهك، وأنهم يشعرون بأنهم ضحوا بأعزائهم وبذلوا حياتهم، فيما تسير “إسرائيل” إلى مكان غير جيد.
أورد موقع “واينت” أنّ مسؤولين في “الجيش” قدّروا أن الوضع الحالي في “إسرائيل” يمثل تهديداً وجوديّاً محتملاً بسبب تزايد التهديدات الخارجية وتفاقم الأزمة السياسية التي تمزّق “الشعب” في “إسرائيل”، والتي يمكن أن تؤدي إلى تفتّت خطر في منعة “الدولة” وفي دافعيتها العسكرية.
ونقل موقع “واينت” عن مسؤولين في هيئة الأركان العامة قولهم إنّ “الرفض الرمادي” للخدمة العسكرية قد يُصبح تهديداً وجودياً لـ”إسرائيل”. يجيء ذلك في ظل تفشي حالة الرفض في “الجيش” لتوجّه الحكومة الخاص باستكمال مشروع سن قانون التعديلات القضائية.
وقد بلغت الحال بالمئات من المنتسبين إلى أفرع “الجيش” المختلفة، بما في ذلك سلاح الطيران، إلى اتخاذ مواقف رافضة لهذا المشروع، بلغت حد التهديد برفض العمل وعدم الامتثال للخدمة والأوامر العسكرية. وقد شارك في ذلك ضباط من الموساد والشاباك والشرطة ووحدة الاستخبارات 8200.
وفي هذا السياق، وجه ضباط رسالة إلى وزير الأمن يوآف غالانت، ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) آرون حليفا، قالوا فيها: “إننا نرصد تراكماً مقلقاً لعلامات تنذر بوجود مخاوف حقيقية على سلامة إسرائيل وأمنها ونحذركم منها”.
وأضافوا: “هذه المخاوف تتعلّق بتفكيك التماسك الاجتماعي، وإلحاق الضرر باقتصاد إسرائيل واستقرارها وصورتها في العالم، نتيجة للإلغاء المرتقب للفصل بين السلطات وإلحاق الضرر باستقلال القضاء. هذه الأضرار قد تصبح في القريب العاجل غير قابلة للإصلاح”.
من جانبه، شكا قائد شرطة الاحتلال الإسرائيلي كوبي شفتاي من تنامي عمليات المقاومة الفلسطينية، وخصوصاً عمليات المقاومة المنفردة التي تشهد تزايداً مخيفاً، الأمر الذي يتطلب وضع شرطي في كل زاوية، وفي كل الأوقات، بحسب كوبي شفتاي، وهو أمر لا يمكن تحقيقه، مضيفاً أن الوضع الذي وصلت إليه “إسرائيل” حالياً يُطيّر النوم من عينيه.
وفي تعليق له على تطورات الأوضاع في “إسرائيل”، قال رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد: “إن بنيامين نتنياهو سيذهب بإسرائيل إلى الفوضى التي صنعها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير”.
وأضاف لابيد، في بيان باسم أحزاب المعارضة، أنّ قانون التعديلات القضائية، إذ مرّ، فإنّ “إسرائيل لن تُشفى منه، وسيمثل ضربة قاتلة لا يمكن إصلاحها، وأنّها على حافة الهاوية، وفي لحظة حسم، وأنّها “سائرة نحو الخراب، إذا تمّ إقرار القانون”.
إن تعاظم حركة المدافعة التي تمثلها المقاومتان الفلسطينية من الداخل، واللبنانية من الخارج، وانتظام حلف المقاومة، وتحقيق وحدة الساحات، شكل كله تحدياً كبيراً أمام استمرارية مشروع “الدولة” الصهيونية وبقائها.
كما أن التحديات الداخلية التي عززت انقسام “المجتمع” الصهيوني، ولا سيما بين اليمين واليسار، والمتدينين والعلمانيين، وبين المكونات الاجتماعية وفق تقسيماتها المختلفة، عمقت ذلك التحدي الذي يتجلى في مواقف رموز هذا الكيان وقادته، وفي مواقف بعض العاملين في مؤسسات “الدولة” الحساسة، وفي اعتراف الجميع، بمن فيهم رئيس الدولة، بدقة الظرف التاريخي الذي تمر به “دولتهم”، واعترافهم بفقدانهم الثقة بتماسكهم وتماسك مؤسساتهم، واهتزاز إيمانهم بالمستقبل، وخصوصاً أن مشروعهم على مشارف الثمانين التي تمثل نهاية حلمهم وأملهم، وتمثل للفلسطينيين أصحاب الأرض والتاريخ بشرى في مستقبل لا يملك فيه الصهيوني سهماً ولا نصيباً.