زلزال الحصار الأمريكي على الشعب السوري
صحيفة البعث السورية-
د. رحيم هادي الشمخي:
في وقت تتسابق الدول الاستعمارية الغربية لإرسال مساعدات عسكرية ومالية وتكنولوجية لأوكرانيا، من أجل مواجهة روسيا، وإبقاء نيران الحرب مشتعلة في هذا البلد لاستنزاف الجيش الروسي، تحرص الإمبريالية الأمريكية، التي تتشدق دائماً بحقوق الإنسان، والدفاع عن قيم الليبرالية والنزعة الإنسانية، على إحكام الحصار على الشعب السوري عبر قانون “قيصر”، ومنع الدواء والغذاء والوقود، في ظل الكارثة المحدقة التي حلَّت بسورية، والناجمة عن الزلزال المدمر.
وأمريكا، هذه، المدافعة عن حقوق الإنسان لم تحرك ساكناً إزاء الشعب السوري، بل وتحتل المنطقة الشرقية، وتسرق النفط و الغاز والقمح وتمنع الدواء عن الشعب السوري.
وإذا شكلت الليبرالية الكلاسيكية إيديولجية الامبراطورية البريطانية منذ هزيمة نابليون بونابرت في معركة واترلو 1815، ولغاية انهيار النظام العالمي “البريطاني” عقب الحرب العالمية الثانية، عام 1945، فإن التوتاليتارية الليبرالية الجديدة هي إيديولجية الامبراطورية الأمريكية، أو النظام العالمي الليبرالي أحادي القطبية الذي تشكل منذ نهاية الحرب الباردة، في تشرين الثاني 1989، مع انهيار جدار برلين، وانتهاء مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية في كانون الأول 1991، يزوال الاتحاد السوفييتي وحرب الخليج الثانية، حيث بلغت الولايات المتحدة الأمريكية ذروة لم تكن قابلة للتخيل، في السيطرة العسكرية الاقتصادية والسياسية، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تطمح وحدها إلى تحديد قواعد الحياة الدولية من خلال تبوئها مركز قيادة النظام الدولي الجديد أحادي القطبية.
لقد افتتحت حرب الخليج الثانية 1991، وحرب احتلال العراق 2003، مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية، لجهة قيام نظام توتاليتاري جديد بزعامة أمريكية، وتحت اسم “التدخل الإنساني” الذي بات يعتبر الأرفع أخلاقياً، لم تتردد الإمبراطورية الأمريكية في الاعتداء على ركيزتين أساسيتين في السياسة الدولية، وهما: سيادة الدول و أنظمة الأمم المتحدة.
هذا النظام التوتاليتاري، الذي يحكم سيطرته على العالم برمته، نظام ترعاه و تقوده أمريكا بالدرجة الأولى، بوصفه نظاماً يعبر عن الرأسمالية العسكرية المالية المتعددة الجنسيات، التي تمتد شبكة مؤامراتها و تواطؤها لتستهدف معظم حكومات العالم.
ومنذ بداية ما يسمى “الربيع العربي”، رأت كل من الولايات المتحدة الأمريكية ومعها “إسرائيل” فرصتهما التاريخية لكي تخوضان الحرب الكونية على سورية من خلال تقديم الدعم الكامل للحركات الإرهابية و التكفيرية لخدمة أهداف هذه الحرب، والمتمثلة في إسقاط الدولة الوطنية السورية، وتقسيم سورية، وإعادة رسم خريطة الوطن العربي، وصياغة علاقات جديدة مع أنظمة المنطقة.
ورغم فشل المخطط الأمريكي- الصهيوني، فإن الإمبريالية الأمريكية لجأت إلى تطبيق “قانون قيصر” على الشعب السوري، حيث أن ضحايا زلزل الحصار الأمريكي الأعمى على الشعب السوري، وقانون قيصر، وجرائم سرقات الثروات السورية من نفط وغاز وقمح وقطن وفوسفات، لا تقل عن عدد ضحايا زلزال الإرهاب التكفيري الذي ضرب سورية منذ 12 عاماً، وما زالت ارتداداته تتوالى حتى اليوم، فعدد ضحايا الزلزال التكفيري الإرهابي بلغ الملايين بين قتيل وجريح ومشرد ولاجىء، إضافة إلى تدمير مدن بأكملها.
مع تفاقم النزعة العدوانية الصهيونية إلى حدها الأقصى، خاصة بعد أن اعتلى سدة الحكم في الكيان الصهيوني مجموعة من أكثر الصهاينة إرهاباً، وتطرفاً وفاشيةً بقيادة بنيامين نتنياهو، وفي ظل أزمة السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، آن الأوان لكسر الحصار الأمريكي المفروض على سورية، إذ تقتضي سياسة الإلتزام بممارسة السيادة الوطنية عدم الخضوع للعقوبات الأمريكية المفروضة على سورية.