زعزعة العلاقات الأميركية ـ التركية
-2- المزاحمة الضارية بين جميع المؤسسات الرأسمالية من كبيرها الى صغيرها، حيث تعمل كل مؤسسة لحسابها الخاص، على مبدأ الجميع ضد الجميع.
وهاتان الميزتان تشملان الامبريالية (او النظام الامبريالي) التي هي “المرحلة الاعلى في الرأسمالية”، كما يقول لينين.
ومع ازدياد شدة التمركز الامبريالي الى درجة ظهور القطب الأميركي الأوحد، إلا أن الامبريالية لا تستطيع هدم وإعادة بناء الرأسمالية، أي لا تستطيع إلغاء مبدأ المزاحمة والصراع الرأسمالي ـ الامبريالي “الداخلي”.
وهذا ما نراه اليوم، بالعين المجردة، في الصراعات “داخل البيت الاميركي” الامبريالي. كما في النزاعات بين الامبريالية الاميركية وحلفائها وعملائها على مدى العالم، بصرف النظر عن النضال الطبيعي لجميع شعوب العالم ضدها.
وفي هذا الصدد نشرت جريدة “نيزافيسيمايا غازيتا” الالكترونية الروسية للمحلل الدولي المختص بالشؤون التركية تيمور شمشيدينوفيتش احمدوف مقالا حول النزاع بين الامبريالية الاميركية والنظام التركي بزعامة رجب طيب اردوغان الذي “فتح على حسابه”. ونورد فيما يلي أهم ما جاء في هذا المقال:
يولي الرئيس التركي اردوغان اهتماما خاصا “للدعوى ضد رضا زاراب” الجارية في أميركا منذ أيار 2016، وهو رجل أعمال إيراني – تركي يشتبه في تنظيمه عمليات مالية، تمكنت إيران بفضلها من التهرب من سلسلة من العقوبات الأميركية ضدها. والعنصر الرئيس في الدعوى هو المشاركة المفترضة في تلك العمليات من قبل الحكومة التركية برئاسة اردوغان. وإن التحقيق يقترب كل يوم من البرهان على أن الرئيس التركي كان متورطا بشكل مباشر في صفقات يشوبها الفساد.
ومما يعزز القلق الذي يسود القصر الرئاسي في أنقرة بسبب المحاكمة الجارية، أن مستوى انعدام الثقة ينمو يوما بعد يوم بين النخب التركية والأميركية. وبالنسبة للأميركيين، فإن السبب الرئيس للخلافات مع أنقرة هو قبل كل شيء الرئيس التركي نفسه. إن تقوية النظام في تركيا يعطي حافزا ملحوظا للنخب الأميركية للتفكير في خطوات ملموسة تهدف إلى عزل أردوغان ومن ثم ابعاده عن السلطة.
والولايات المتحدة لم تكن موافقة تماما على أن تكون لتركيا سياسة واسعة حيال “الجهاديين” العاملين منذ عام 2011 في سوريا. وثمة نقطة خلاف أخرى هي التقارب بين تركيا وبين روسيا وإيران – وهما دولتان تتحديان المصالح الأميركية. والدعاية المناهضة للولايات المتحدة من قبل السلطات التركية تجعل من الصعب على الولايات المتحدة طرح سياسة فعالة في المنطقة. ويضطر النظام بشكل متزايد إلى طرح موضوعات القومية، ومكافحة الإمبريالية للحفاظ على السلطة.
ومن المهم أن نفهم أن جوهر المشاكل في العلاقات التركية الأميركية ليس أن أنقرة تتجه نحو الاستقلال عن خط السياسة الخارجية لواشنطن. فلفترة طويلة بعد عام 2002، قبل الربيع العربي، فإن الولايات المتحدة رفعت تركيا كنموذج لديمقراطية فعالة مع أغلبية اسلامية في الشرق الأوسط.
إن جوهر الخلافات ومصدر أزمة العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، وفقا للنخب الأميركية، هو ان أردوغان يحاول في ظل الاستقطاب الاجتماعي والاستياء المتنامي من الحكومة، البقاء في السلطة، واللجوء بشكل متزايد الوضوح إلى أساليب الحكم الفردية.
إن الخطوات الجذرية التي تهدف إلى تغيير قيادة البلاد، هي محصورة ضمن حدود الأهمية الجيوسياسية لتركيا نفسها.
وهذا لا يشمل فقط عامل قاعدة انجرليك الجوية، بل يشمل أيضا خطط الولايات المتحدة لاحتواء سياسة التوسع الإيرانية. ومن ناحية أخرى، من المهم أن نفهم أن الضغط المفرط على أنقرة سيجعلها تتقرب بشكل متزايد من موسكو وطهران.
ان النخب الأميركية تميل الآن إلى فكرة عزل أردوغان تدريجيا على الساحة الدولية. وإحدى النقاط الهامة في العقوبات المفترضة هي وضع قائمة بعدد من الأشخاص المقربين من الرئيس، والذين تكون السلطات الأميركية مستعدة لاتخاذ تدابير خاصة بشأنهم.
وقد بدأت تطبق بالفعل عقوبات خفية في عدد من المجالات الحاسمة بالنسبة لتركيا: في المجال العسكري، بدأ تعليق تقديم تكنولوجيا عسكرية مهمة الى أنقرة. ومن ناحية أخرى، فإن الولايات المتحدة، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الرئيس لأنقرة، مستعدة لممارسة الضغط على تركيا في المجال الاقتصادي. وأخيرا، يمكن للولايات المتحدة أن تتعامل بتسامح مع الأصوات المعارضة التي تنتقد أردوغان. ويدل على ذلك عدم رغبة واشنطن في التعاون في تسليم الداعية التركي فتح الله غولن، الذي اتهمته السلطات التركية بتنظيم الانقلاب في تموز 2016.
بالنسبة للأميركيين، فإن السبب الرئيس للخلافات مع أنقرة هو قبل كل شيء الرئيس التركي نفسه
ومن المثير للاهتمام أنه يبدو أن أردوغان يدرك أن صبر الشركاء الغربيين هو على وشك الانتهاء. وهو يقوم، من جهة، بتثبيت “كسارات البندق” داخل تركيا، والقضاء على أي بؤرة للمقاومة السياسية؛ ومن ناحية أخرى، فإنه يحاول، في أي صراع ناشئ مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، أن يضع نفسه كجزء من الحل وكجزء لا يتجزأ من التعاون المستقر لتركيا مع الغرب. وفي الوقت نفسه، وبسبب التهديد بالعزلة، يقوم أردوغان بتطوير العلاقات مع روسيا التي تحاول هي أيضا الخروج من نظام العقوبات الغربية. وفي ضوء ذلك، فإن روسيا تتفهم عدة نقاط. وأولها ان قرار أنقرة بالاقتراب من موسكو ذو طابع اضطراري إلى حد كبير وليس له أساس متين. واليوم، فإن السياسة الخارجية لتركيا هي سياسة أردوغان، وإذا اخذنا بالاعتبار تدني رصيد الحزب الحاكم والاستياء من الزعيم التركي بين النخب الغربية، فإن مستقبل أردوغان السياسي هو موضع شك. وفي هذا الصدد، تحتاج روسيا إلى تطوير العلاقات ليس فقط مع الحكومة التركية، ولكن أيضا مع المراكز البديلة للنفوذ السياسي، والجماعات السياسية.
[ad_2]