“ريادية” أمريكا الترامبية: وأدٌ للتعددية، بإحياءٍ للثنائية، كتمهيدٍ للأحادية؟
موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:
لا يحتاج المرء إلى كثير من التدليل ، إلى ما نحن في طور معالجته في هذه المقالة ، والعلّةُ في ذلك ، يقدمها الرئيس ترامب بنفسه ، وذلك عندما ملأ الكون صراخاً بضرورة ” عودة أمريكا قوية ” إلى الساحة الدولية ، وذلك بعد أن فعل الديمقراطيين فعلتهم في إضعافها أمام ألد خصومها في العالم ، وتحديداً ، الصين وروسيا ، وغيرهم من الدول والكيانات ” المارقة ” في العالم ، وذلك على ما صدح به ترامب – المرشح ، في غمار حملاته الإنتخابية المتعاقبة ، في مقابل غريمته السابقة ، الديموقراطية هيلاري كلينتون ..
صحيحٌ ، أنه قد يِعتبر من الحكمة الإنتظار قليلا ً ، حتى يكتمل عقد اختيار ترامب لفريقه الحاكم للسنوات الأربع القادمة في أمريكا ، والصحيح أيضاً أن البارومتر الترامبي ، يصعب معه سبر أغوار سياساته وتوجهاته المستقبلية ، وذلك بفعل مزاجيته التي يراهن عليها كثرٌ في هذا العالم .. إلا ّ أنه من نافذ القول أيضاً ، بأن المنطق العقلاني في رصد التوجهات العامة للإستراتيجية الآمريكية للأمن القومي الأولى في عهده ، والتي سيعكف على إعدادها ، كبار القوم في فريقه العتيد ، لا يمكن لها ، إلا ّ أن تكون عاملا ً حيوياً مفصلياً في خدمة هدف ترامب الآول ، والذي اختصره بما ذكرناه سابقاً حول عودة أمريكا ” قوية ، ورائدة ” على المسرح الدولي .
بناءً على ما تقدم ، فإننا سنعالج إشكالية هذه المقالة من خلال استشراف الخطوط العامة للسياسة الأمريكية الجديدة ، والتي واظب ترامب – قبل وبعد انتخابه – على التأكيد في المضي في تحقيق رؤيته ” الريادية ” لآمريكا في العالم ، وقد تجلى ذلك من خلال ما أجراه لغاية اليوم من تعيينات لآشخاصٍ ، يشاطرونه الرؤية والأساليب ، وذلك في مناصب تقريرية في إدارته العتيدة ، ابتداءً من كبير مستشاريه للآمن القومي مايكل فلين، وهو المعروف بمواقفه المناهضة للإسلام ، والذي اعتبره مستشار أوباما السابق ديفيد إكسلرود ، بأنه سيدخل السرور على كل من بوتين وأردوغان معاً .. هذا فضلا ً عن تعيينه مايك بومبيو، مديراً لوكالة الإستخبارات المركزية سي أي إي، والذي يعد خصماً شرساً لإيران وللإتفاق معها ، وليس انتهاءً بمن يرشحهم لتبوؤ منصب وزير الدفاع من جنرالات متقاعدين ، كديفيد بترايوس ، وجيمس ماتيس وهو الأوفر حظا حتى كتابة هذه السطور، بحيث يعتبر هذا الأخير ، صاحب نظرية “ ضرورة موازنة قوة الجيش اللبناني مع النفوذ السوري وقوة حزب الله في لبنان “ ، وذلك ورد على لسانه في العام ٢٠١١ ، أثناء مثوله أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي ، وذلك كان في إفادته الخطية أمامها ، وذلك كان بعد تسلمه لمنصبه في القيادة المركزية الوسطى في حينه .. يُضاف إلى كل هذا وذاك موقف الرئيس ترامب من الصين ، والذي اعتبرها بأنها ” تغتصب أمريكا ” على حد وصفه .. ومواقفه منها أضحت معروفة ..
من المعروف أيضاً أن ترامب ، ليس له باع ٌ في السياسة ، وأنه ، على حد ما يعتقده البعض ، يلزمه أربعٌ من السنوات ، لسبر أغوارها ، وهذه اللاخبرة السياسية لديه ، تجعل من فريقه اللامتجانس ، هو الحاكم الفعلي في البيت الآبيض ، وذلك تحت ستار الرئيس التنفيذي ترامب ، وبناءً عليه ، فإن التناقض حاصلٌ لا محالة في المنطقة العربية أولا ً، بين هدف ترامب ” الأسمى ” ، والذي يعد أمن وحماية الكيان الصهيوني ، والحفاظ على مصالحه الإستراتيجية، وبين عزمه ، ومعه بعض ٌ من فريقه الأتي ، حول ضرورة القضاء على الإرهاب في سوريا ، وحتى لو كان ذلك سيؤدي إلى تمكين الرئيس الأسد من الإنتصار هناك ، كون تغيير النظام في سوريا ، ليس على أجندته ، ولا حتى دعم من أسمتهم الادارة السابقة بالمعتدلين هناك !!!
إذاً ، إن سار الأمر على هذا النحو ، فإن ذلك سيعني تبخر أحلام الساسة والباحثين وكبار منظري التفكير في الكيان الصهيوني ، بضرورة الخلاص من نظام الممانعة في سوريا ، وتحت أي ظرف ، فلا بد من التذكير بما كان يصدح به موشيه يعلون في صيف العام ٢٠١٣ دائماً ، وعلى مسامع الأمريكيين ، بأنه ” ممنوع على محور الشر الممتد من طهران إلى بيروت الإنتصار في سوريا ” !!
لا يقتصر الأمر على الكيان الصهيوني ، فإن تركيا أيضاً ، والتي عبرت عن فرحتها بوصول ترامب إلى البيت الأبيض ، أقله بسبب ما تراه من حساسيته المفرطة تجاه موضوع اللاجئين ، وعليه فإن أردوغان – ربما يرى – في ترامب ، بأنه ذاك الرئيس الذي سيعمل ، وبكل ما أوتي من قوة على إقامة المنطقة الأمنة في شمال سوريا ، وذلك لجعلها مستقراً ، أو حتى محطةً في رحلة إعادة اللاجئين إلى سوريا ، وذلك لغايةٍ قد يتقاطع معها الثلاثي ، ترامب ، أردوغان والإتحاد الأوروبي ، ومن هم خلفهم في المحور المعادي لسوريا … وعليه ، فإن هذا الأمر أيضاً سيصطدم بالرفض الروسي والإيراني ، فضلا ً عن السوري .. وهنا أيضاً يقع التناقض بين نظرة ترامب لحلفاء روسيا في المنطقة ، ونظرة روسيا – بوتين ، والتي تعمل لوضع تصورٍ جديد للنظام العالمي الجديد، وذلك فيما خص بناء العالم على أساسٍ متوازن من أقطاب متعددة دولية وحتى إقليمية !!!
إيران ، ومعها حزب الله ، لا ينفك ترامب ، ومن خلفه ما ظهر من إدارته المتشددة ، بإشهار العداء لهما ، متعهداً بأنه سيعمل على إرجاعهما إلى ” أحجامهما الطبيعية في المنطقة ” ، مردداً بأن سوء سلوك الإدارة المنصرمة ، هو السبب الرئيس في ” تضخم قوتيهما ” !!! ، وبناءً عليه ، فإن حليفا روسيا – صديقة أمريكا الجديدة – في مواجهتها للإرهاب ، سيخضعان لإجراءات ربما تحد من قدراتهما ، وبالتالي ، فإنها قد تعمل على المزيد من استنزافهما ، وبكافة الطرق ، وذلك خدمة لطموح ترامب من جهة ، ولضمان تفوق الكيان الصهيوني من جهة ثانية !!! وهنا أيضاً التناقض جلي ، فكيف لروسيا ، التي تنشد حلفاء أقوياء في المنطقة ، وذلك لضمان النفوذ فيها ، بأن توافق على ذلك بعد كل هذا الإلتحام الميداني بين هؤلاء ، ولهدفٍ أعلنه بوتين مراراً وتكراراً ، بأن لروسيا وحلفائها في سوريا، مصالح لا بد أن تراعى جميعها !! ، هذا فضلا ً عن أن هذا الأمر بحد ذاته ( خلاص الشركاء من الإستنزاف ) ، يعد مكسباً استراتيجياً لبوتين ، وذلك في سبيل تحقيق رؤيته لروسيا الحالية والمقبلة أيضاً ، ولأن ” البيئة الأمنة في الشرق الأوسط ، هي منشودة ٌ روسياً ، وذلك لضمان الإستثمار فيها ” ( كلام لبوتين في قمة الدول المصدرة للغاز ، والتي انعقدت في طهران مؤخراً ).
أما الصين ، والتي يمقتها ترامب ، متعهداً بمنافستها ، والحد من جموحها العالمي ، وذلك باتخاذ إجراءات متعددة ، فإنه – أي ترامب – بإجراءاته المرتقبة تلك ، فلربما يهدف من خلالها ، إلى محاصرة تلك التكتلات السياسية والإقتصادية الكبرى في العالم ( البريكس وشنغهاي ) ، والتي تتربع الصين في محورها ، فيكون مغازلاً لروسيا من جهة ، ومضعفاً لتلك المنظمات من جهة ثانية ، والتي تأمل روسيا من خلال توسيعها ، لتشكل أقطاباً سياسية واقتصادية وازنة في العالم ، وذلك بعيداً عن الأحادية الحالية ، وهذه خريطة الطريق الروسية ، ما هي في الحقيقة ، إلا ّاستكمالٌ بوتيني ، لوأد رؤية بريجنسكي التي رسمها في قمة الستين لحلف الناتو ، وذلك في العام ٢٠٠٩ ، بحيث أعتقد بأن روسيا لا بديل لها عن الالتحاق بحلف الناتو سياسياً وإقتصادياً ، وحتى أمنياً ، والسبب – ودائماً التعليل لبريجنسكي ، بأنه من غير المجزي ، حصول علاقة بين روسيا وتلك التكتلات ‼ ، وبناء ً وعليه ، فإن تلك السياسة الترامبية المقبلة – لربما – ستسير في سبر كيفية دق إسفينٍ ، فيما بين روسيا والصين من جهة ، وبينها وبين وتلك القوى الحليفة معها في المرحلة الأوبامية من جهة ثانية ، وذلك -ربما يكون -بتقديم ترامب لها الكثير الكثير من الجزر السياسي والجغرافي والريادي ، وذلك على حساب سلال حلفاء روسيا الأساسيين من جهة ، أو حتى على حساب بعضٍ من حلفاء أمريكا التاريخيين من جهة ثانية ‼ ( راجع دراسة لمستشار الأمن القومي الأمريكي بريجنسكي ، وذلك في مجلة فورين أفريز في عددها الصادر في ٠٩-١٠-٢٠٠٩، والتي جاءت تحت عنوان : أجندة جديدة للناتو .. نحو شبكة أمن عالمية).
بكلمات معدودة ، فإن مشروع ترامب لإعادة “ الريادية “ لأمريكا في العالم ، لن يكون ممكناً ، إلا ً من خلال إغرائه لروسيا بإحيائه للثنائية معها ، وذلك بسلخها عن مشروعها في التعددية العالمية ، وذلك كتمهيدٍ مستقبلي لإحياء أمريكا للأحادية من جديد … فترامب – التاجر ، قد يفكر بقضم منافسيه في السوق ، من خلال زرع الشكوك وبذور الإختلاف فيما بينهم ، وذلك كمقدمةٍ لإضعاف بعضهم ورفع بعضهم الأخر- ولو مرحلياً – ، وذلك كتمهيد ٍ للإستفراد بهم لاحقاً ، فروبرت غيتس ، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ، كان يردد دائماً ، بأن أمريكا “ لابد أن تُعرّي أعدائها “ ، فهل يسلك ترامب – بخداعه الجديد – درب التعرية مع موسكو ؟ وهل سينجح في إغوائها وإغرائها ؟ أم أن زمن الغواية قد طواه الزمن في روسيا ؟؟؟
الفترة الأولى من عهد ترامب ، ستكون كفيلةً بالإجابة .
باحث وكاتب سياسي
بيروت في ٢٨-١١-٢٠١٦