روسيا ومواقفها من العدوان الأمريكي الإسرائيلي
موقع إنباء الإخباري ـ
بهاء مانع:*
فيما تخوض القوات الروسية ممثلةً بسلاحها الجوي الفضائي حرباَ لا هوادة فيها ضد التنظيمات الإرهابية، المتمثلة في داعش والنصرة وشرذمات “القاعدة” والقوى الاخرى الرجعية والمتخلفة المتحالفة معها، تواصل موسكو بنشاط لم يسبق له مثيل في تاريخ العلاقات العربية الروسية والسوفييتية تقديم الدعم اللوجستي والجوي والمادي والغذائي والدوائي للقوات العربية السورية والقوى المتحالفة معها والشعب السوري، بهدف القضاء على الحركات الإرهابية ألتي عاثت فساداً وقتلاً وتدميراً بالبَشر والحَجر السوريين ، ولتحجيم سوريا فالقضاء عليها، كونها تهدّد مباشرةً روسيا وسوريا وبقاءهما أولاً، والأمن والسلام العالميين ومستقبل البشرية والحياة الانسانية ثانياً.
نثمّن لروسيا كثيراً تجديدها لأسلحة الجيش العربي السوري، وآخر هذه التجديدات كان قبل عدة أيام، وتدفع لعمّالها وخبرائها الروس رواتب من ميزانية الدولة الروسية لتصنيعهم هذه الاسلحة وتجهيزها وإرسالها، كذلك الأمر نفسه بالنسبة للصين وإيران، فهما دولتان تتحالفان إستراتيجياً مع سوريا والعرب، ولا تريدان مقابل ذلك التحالف، لا الآن ولا في المستقبل، أية مكاسب ذاتية انطلاقاً من إدراكهما العميق، وليس فهمهما فقط، لطبيعة الترابط المبدئي والتاريخي لعمليات النضال العالمي ضد الارهاب، بينما الدول الاخرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تقوم “بحلب” الدول العربية وبخاصة النفطية حتى آخر قطرة نفط وغاز ودولارات، وشفط مقدراتها وتهجير شعوبنا بالملايين وتحويلهم الى لاجئين ونازحين، مقابل كلمات معسولة فقط، وإدعاءات بمكافحتها للارهاب الداعشي المصنوع في الغرب، فقد كشفت هيلاري كلنتون على رؤوس الاشهاد في أحد كتبها الذي صدر بإسمها في أمريكا، أن داعش هو بالذات من صناعة إدارتها، وبأن العشرات من الدول العربية والاسلامية “كانت تنتظر اللحظة المناسبة” عندما تنتصر داعش في سوريا للإعلان عن اعترافها بدولة داعش بأمر لا نقاش فيه من كلنتون نفسها، أي بكلمات اخرى، الاعتراف بسحقنا كبشر، وكأمة، ومحاصرة حلفائنا، والانتهاء من قضايانا المصيرية مرة والى الأبد، ولتهويدٍ كامل لفلسطين بفتاوى عربية وإسلامية، وتكريس منطقتنا نهباً للغرب برمّته، وهو الذي صنع الكيان الصهيوني وما يزال يساهم ببقائه وتعظيم قِواه ليبقى على قيد الحياة وذلك بمئات مليارات الدولارات.
قبل ذلك أيضاً، صنعت أمريكا قبيل حرب افغانستان الطويلة أيام الاتحاد السوفييتي، “القاعدة” والتنظيمات المرتبطة معها، وصولاً الى داعش واخواتها، ومحاولة تطويع العرب والمسلمين وتخليق اسلام امريكي يعمل لصالح واشنطن، كجيش دولي بدلاً من الجيش الامريكي الذي هزم شر هزيمة في شبه جزيرة كوريا وفيتنام ولبنان والعراق، ولتحشيد أزلام واشنطن “لتغيير” العالم كله، وإعادته الى الحظيرة الامريكية التي بدأ نجمها بالأُفول.
لا يمكن ان ننسى هذا الموقف الروسي البوتيني الحالي المُشرّف، ولا مواقف روسيا القيصرية قبل عام 1917م أيضاً. فروسيا كانت داعمة للثوار العرب بالاموال والمؤن والاسلحة لننفض عن كواهلنا الاستعمار العثماني، واليوم ايضاً تمكّنت سوريا من الصمود بوجه التهديدات والمؤامرات الخارجية والإرهابية وبعض القوى الاخرى التي لم تنفك تقدّم مختلف أشكال الدعم للتنظيمات الإرهابية بفضل عزيمة بوتين وحزمه، إذ أنه أعاد لروسيا ألقها، وأقصى الطابور الخامس والكومبرادور القديم والأوليغارشية البريريسترويكية والغورباتشيفية واليلتسينية عن مواقع صناعة القرار السياسي والعسكري والاقتصادي الروسي، فكان ذلك انتصاراً للشعوب واصدقاء روسيا، بعودتها الى سابق عهودها، فتميّزت موسكو عن الدول الغربية كلها وعن واشنطن بهذا الواقع المُتجدّد.
إن تقدير روسيا للبُعد الروسي والعالمي للقضية السورية يتعمق يوماً بعد يوم، ويتبدّى ذلك واضحاً من خلال تزايد الزخم الروسي في سوريا والشرق الاوسط، وفي عدد الدول التي تراجعت عن علاقاتها السرية والعلنية مع الارهاب ودعمها له، تحت يافطات ما يُسمّى بالمعارضة السورية وشعارات التخلص من الرئيس بشار الاسد، ويلعب الخلاف العميق الناشب بين أطراف دول الخليج حالياً دوراً كبيراً في تعميق الوجود الروسي الدفاعي عن سوريا ولتجفيف الارهاب الدولي، برغم ما نراه من العدوان المتواصل بين حين واخر من جانب القوات الأمريكية والإسرائيلية بشكل سافر وواضح على قوات الدولة الشرعية السورية وحلفائها، فالقوى العدوة تتذرع في عدوانها بمختلف الذرائع الواهية، رغبة منها باستمرار إسنادها للقوى الارهابية وتواصل تقديمها الدعم إليها، اعتقاداً منها بأن ذلك سيعمل على إجهاض عملية تحرير الأراضي السورية ووقف زحف القوات السورية على باقي أراضيها تحريراً لها وإقامةً للسيادة الدولتية عليها.
فالقوات الروسية حاربت بأفرادها العسكريين وخبرائها وعتادها في حروب العرب بمواجهة الكيان الصهيوني، وآخرها كان في حرب الاستنزاف1970، وحرب1973، وغيرها، وهو أمر مُثبت في صحافات روسية، لا تصلها يد العرب أو لا تريد الصحافة العربية النشر عنها. لذا لا يَعرف سوى قِلّة من القراء والخبراء عن هذا الامر التحالفي الذي يُخفيه الصهاينة والامريكان والغربيين عنّا عَمداً، لكنهم يفشلون بذلك، لأن القوات الروسية لم يَسبق أن انتشرت بقِواها الاستراتيجية، وذات البُعد التدميري الكوني والشامل، كما تنتشر اليوم على التراب السوري بالذات، إذ ان هذه القوات لا تنتشر بهذه الكثافة والاستراتيجية حتى في الجمهوريات السوفييتية السابقة، ولا تتمركز على أراضي الدول الصديقة لروسيا، وهو ما يؤكد ويُثبت عُمق التحالف الاستراتيجي السوري الروسي وتنسيق المواقف العسكرية والسياسية بين الدولتين (في دقائق القضايا والامور وأصغرها ناهيكم عن أكبرها)، فلا تناقض في هذه المواقف ولا انتقاد الدولتين لبعضهما البعض حتى في تلك المسائل التي تثير تساؤلاتنا العديدة ونعتصر بسببها ألماً وحسرة، ومنها (حادثة الرّقة) التي شهد العالم فيها إسقاط القوات الأمريكية الغازية للاراضي السورية طائرة مقاتلة سورية من صناعة روسية (من طراز سو 22)، وهدفت واشنطن بإسقطها إرسال رسالة ضمنية للتحالف الروسي – السوري – الايراني بضرورة خروج قواته من البادية السورية ومن أراضي بحيرات وأبار ومواقع إنتاج وتسويق النفط السوري هناك، الذي كانت داعش تسيطر عليه سابقاً وأقصتها عنه قوات روسيا بوتين، وتريد أمريكا والقوات الموالية لها مثل “قوات سوريا اللاديمقراطية” بسط يدها عليه، لتمويل خطوتها اللاحقة بإعادة بيع النفط السوري، وبه تفتيت الدولة السورية على مِنوال التكتيك المَقبور إيّاه الذي إتبعتهُ داعش التي قلّمت روسيا مخالب تلكم التنظيم الارهابي وخلعته من جيوبه في سوريا.
نحن نعاني من مشكلة كبيرة كقرّاء ومتابعين للقضية السورية. فروسيا تفضّل كما في عهودها السابقة وفي علاقاتها مع العرب عسكرياً السكوت في غالبية أخبارها عن مواقفها السياسية والعسكرية، وبعدم الاعلان عن رؤاها بقوة وبإتّساع، وعدم إعارة هذه المسألة ونجاحاتها العسكرية أهمية جماهيرية، فيبقى الرأي العام العربي وسياسييه ومنظماته البحثيه ومؤسساته المدنية أسير الاعلام الغربي وتحليلاته ورؤاه وافكاره الى درجة تسعين بالمئة لا أقل منذ لك، وتخسر روسيا بالتالي ونخسر معها في مواقفنا السياسية وتحليلاتنا ووجهاتنا الفكرية أيضاً كإعلاميين، فحن إذ نقدّم هذه للرأي العام العربي، يصب البعض منها في صالح العدو الاحتلالي والاستعماري، لكننا نلوم روسيا في ذلك ولا نلوم أنفسنا، لأن روسيا ألغت دون تبصر وبلا دراسات إعلامية – علمية مُسبقة، كامل الجهاز الاعلامي السوفييتي السابق والنافذ والقوي في أوساط الشعوب العربية، واستبدلته بآخر ضعيف ومهلهل في غالبيته ولا تأثير حاسم له، ولا جماهيريه لديه.. فلا راديو روسي بالعربية، ولا صحف ومجلات ورقية بالعربية، ولا دور نشر وتوزيع روسية بالعربية.. ولا ولا شيء آخر بالعربية عملياً سوى مؤسستين إعلاميتين لا تكفيان وغير قويتين!!!
من التساؤلات التي تجتاحنا كصحفيين ومحللين سياسيين واعلاميين وعرب وقراء ومواطنين: لماذا السماح للقوات الأمريكية بإنشاء القواعد على الأراضي السورية وتواصل دعمها للأطراف “المعارِضة”.. ولماذا “السكوت الميداني” عن إعتدائها على القوات العربية السورية دون رادع من القوات الروسية المتخمة بأحدث الاسلحة التي تستطيع “تعمية” الهجمات الامريكية وحرفها عن مسارها. نحن لا ندعو إلى مواجهة عسكرية مع القوات الأمريكية، لأن ذلك سيجر العالم إلى حرب كونية مدمرة لِما تملكه الدولتان من ترسانة عسكرية هائلة. لكننا نريد من روسيا وقف الهجمات التي تهدف الى توسيع رقعة السيطرة الامريكية على الاراضي السورية، ونشر العديد من قواعدها هناك، وهي قواعد من أهدافها محاصرة الوجود الروسي بالمنطقة، وتكريسها أمريكياً.
الرأي العام العربي يريد معرفة رأي روسيا الحليفة الصريح بهذه القضايا وغيرها، فالتجاوزات الأمريكية والإسرائيلية واضحة على السيادة السورية ولا من داعٍ لاثبات وجودها وتواصها أو النقاش بشأنها، وعلى القوات الروسية وقف تلك التجاوزات الامريكية وتوضيح موقفها تجاهها الى ما هو أكثر من مجرد الاعلان عن استهداف كل جسم طائر في غرب الفرات، لأن البعض وهو ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية، يتكلم عن عدم مقدرة القوات الروسية على مواجهة الاعتداءات الامريكية وحماية القوات الحليفة، وهنا نحن بحاجة مُجدّداً إلى توضيح والى موقف واضح من القيادة الروسية بشأن تلك الامور التي بالمناسبة تسيء للسلاح الروسي واتفاقات تصديره لدول العالم التي باتت تثق به، لاعتقاد البعض ان روسيا تستكمل تطويره وتلافي ثغرات “قد” تكون توجد فيه، تمنع القوات الروسية للآن من الدخول في مواجهة مباشرة مع الجحافل الامريكية المتكاثرة!!!
…
* الاستاذ بهاء مانع شياع – رئيس (المجموعة الرئاسية العراقية الاولى للفرع العراقي لرَابِطةُ القَلَمِيِّين مُحِبِّي بُوتِين وَرُوُسيّه للأُردنِ وَالعَالَم العَربِيِّ، وكاتب وصحفي ومحرر صحفي في جريدة الاضواء المستقلة؛ ووكالة الأضواء الإخبارية، وعضو في نقابة الصحفيين العراقيين.