روسيا وأميركا والدروب السورية
صحيفة الوطن السورية-
منذر عيد:
كثيراً ما يُشاهد الأميركي والروسي يسيران جنباً إلى جنب على دروب عدة في جغرافيا الأحداث السورية، وعلى الرغم من أن تلك الصور التي تشارك المواقف لا تعني بالضرورة صداقة حقيقية، إلا أنها تؤكد في جزئية ما تفاهمات ما بين الطرفين بخصوص الهدف الذي يسيران باتجاهه، وتشي بتفهم أميركي أكثر موضوعية وعقلانية إزاء النظرة والقراءة الروسية للأحداث في سورية.
يبدو بأن الولايات المتحدة الأميركية وجدت ضالتها في مسألة إيصال الغاز المصري إلى لبنان عبر سورية، لإحداث «تكويعة» في الملف السوري، وتراجع يكون مقبولاً لدى منتقدي أداء إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وخصومها في الداخل الأميركي، حيث اتخذت من إمداد لبنان بالغاز سلم نجاة للنزول من أعلى الشجرة التي أوصلهم إليها الرئيس السابق دونالد ترامب، الأمر الذي أكدته صحيفة «واشنطن فري بيكون» الأميركية بالقول إن بايدن والنواب الديمقراطيين في الكونغرس أبدوا استعدادهم لدعم تخفيف العقوبات عن دمشق.
من الواضح بأن سلسلة «التراجعات المرنة» للإدارة الأميركية في سورية هي انعكاس وترجمة لأمرين اثنين، أولهما، الاجتماع الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبايدن في السادس عشر من حزيران الماضي، والتي أفضت لاحقاً عن تحقيق دمشق نصراً سياسياً من خلال إيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق «خفض التصعيد» عبر «خطوط التماس» عوضاً من «خطوط المعابر»، حيث يجعل الأمر يجري تحت إشراف الحكومة السورية، ويمكنها من تجنيب تلك المساعدات الذهاب إلى «هيئة تحرير الشام»، غطاء وواجهة «جبهة النصرة» الإرهابية، وهو ما جرى نهاية آب الماضي بدخول قافلة مساعدات إغاثية أممية ولأول مرة عبر معبر ميزناز، الذي يصل بلدة ميزناز جنوب غرب حلب ببلدة معارة النعسان في ريف إدلب الشمالي الشرقي، والأمر الثاني هو تنفيذ لكلام بايدن مطلع الشهر الحالي عقب انسحاب قوات بلاده من أفغانستان حين قال: «هذا القرار بشأن أفغانستان لا يتعلق فقط بأفغانستان.. يتعلق الأمر بإنهاء حقبة من العمليات العسكرية الكبرى، لفسح المجال لإعادة تشكيل البلدان الأخرى».
الهدوء والتوافق على الجبهة الأميركية، جعل الجانب الروسي يركز أكثر على قضية الإرهاب في محافظة إدلب، والضغط أكثر تجاه تهرب النظام التركي من التزاماته التي وقّعها مع الجانب الروسي بخصوص مناطق سيطرة الإرهابيين، فعمد الروسي إلى تذكير النظام التركي بتلك التعهدات من خلال طيرانه الحربي، واستهدافه مواقع التنظيمات الإرهابية المدعومة من الاحتلال التركي، بالقرب من نقاط مراقبته غير الشرعية في بلدة البارة الواقعة في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، في رسالة تؤكد أن لا مظلة تحمي أي إرهابي مهما كانت، وبأن صبر روسيا من تلك المجموعات بدأ ينفد، وبأن سياسة طول النفس بدأت تتراجع من الراعي المباشر لها، خاصة بعد تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن النظام التركي لم يتمكن بعد من استكمال تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين الرئيس بوتين ورئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان منذ أكثر من عامين.
إن إصرار روسيا على ضرورة سيطرة الدولة السورية على كامل تراب الوطن، كان واضحاً في كلام الرئيس بوتين خلال لقائه الرئيس بشار الأسد أول من أمس في موسكو، وتحميل الاحتلالين الأميركي والتركي مسؤولية تدهور الوضع في سورية بقوله: «المشكلة الرئيسية، في رأيي، تكمن في أن القوات الأجنبية موجودة في مناطق معينة من البلاد دون قرار من الأمم المتحدة ودون إذن منكم، وهو ما يتعارض بشكل واضح مع القانون الدولي ويمنعكم من بذل أقصى الجهود لتعزيز وحدة البلاد ومن أجل المضي قدماً في طريق إعادة إعمارها بوتيرة كان من الممكن تحقيقها لو كانت أراضي البلاد بأكملها تحت سيطرة الحكومة الشرعية».
تفيد المعلومات الصادرة من موسكو بوجود تخطيط روسي سوري في اتجاه تحرير ما تبقى من أراضٍ سورية، واتصالات روسية أميركية حول الوضع في سورية، ليتم طرح سؤال: هل يمكن أن يذهب الجانب الأميركي إلى موقف داعم لعملية عسكرية للجيش العربي السوري والقوات الحليفة في الشمال تفضي بإخراج قوات الاحتلال الأميركي والتنظيمات الإرهابية، على غرار موقفها مما جرى من قيام الجيش ببسط سيطرة الدولة على كامل محافظة درعا؟
إن ما جرى في أفغانستان يجعل جميع الاحتمالات واردة، الأيام القادمة ونتائج لقاء مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغوركن، مع نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فريشنين، والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرنتييف، كفيلة بوضع النقاط على الحروف.