رقعة الاحتجاجات تتصاعد في الجزيرة.. هل تعود المقاومة الشعبية من الباب العريض
وكالة أنباء آسيا:
تتنامى بصورة متواترة في الآونة الأخيرة الاحتجاجات ضد الوجود الأمريكي في مناطق شرق وشمال شرق سوريا، وهي المناطق التي تسيطر عليها جماعة “قسد” بطبيعة الحال، وكان آخر تلك الاحتجاجات قد سجل في ريف دير الزور خلال الأيام القليلة الماضية.
اعتراض الأرتال الأمريكية العسكرية منها على وجه الخصوص، أثار مخاوف لدى “قسد” التي يفترض وعلاوةً على تحالفها البارز مع الولايات المتحدة في المنطقة، أنّها قامت وتقوم دائماً بتأمين مسار هذه الدوريات، وتأمينها تحديداً من جانب الأهالي الذين اتضح مؤخراً ل “قسد” إمكانية قيامهم بأفعال مناوئة وبشكل مفاجئ وغير متوقع.
تصاعد وتيرة ما يمكن الاصطلاح على تسميته ب “سد الدروب” أمام معابر مرور الأمريكي يكتسب أهمية أخرى من كونه جاء متزامناً من “فورةً” تنتقل بالتواتر بين منطقة وأخرى بوجه “قسد” عينها، وفي معاقل سيطرتها الأبرز، المعاقل التي يفترض أنّها مؤمنة لتكون حصناً لتلك القوات، فكيف وقد بلغت الاحتجاجات عمق مناطق لم تطأها من قبل؟.
يمكن فهم ما يحصل على الأرض في “شرق الفرات” وتحليله استناداً للوقائع المعيشية التي يعانيها السكان هناك، فرفض “الإدارة الذاتية الكردية” ومعها الأمريكان، في الفترات الأخيرة، ليس وليد لحظة، أو قرار ارتجالي، بقدر ما هو نتيجة مباشرة لسياسة التجويع وقضم الثروات التي تمارسها الأطراف المسيطرة هناك، على حساب تجويع أهل الجزيرة، التي بدأ أهلها برفع صوتهم عالياً عبر تلك الاحتجاجات المتتالية.
تواصلت “وكالة أنباء آسيا” مع مصادر أهلية في ريف دير الزور، لتؤكد أنّ حالة التهميش الممارس من قبل “قسد” حيال العشائر العربية التي تمثل وزناً كبيراً بات لا يمكن السكوت عنه أكثر.
وأضافت المصادر أنّ كل ثروات منطقتهم من قمح ونفط وغاز وغيرها من الثروات المستخرجة يتم تمريرها عبر المعابر غير الشرعية نحو العراق عبر أرتال تكاد تكون شبه يومية وتحمل معها حمولة تقدر كل مرة بعشرات الصهاريج بتنسيق تام بين الأكراد والأمريكيين.
وفي السياق، فمن الضروري إيلاء أهمية خاصة لاحتجاجات بلدة “بكارة” في ريف دير الزور مؤخراً، فهي الأولى من نوعها منذ وصول الأمريكيين إلى تلك المنطقة وإقامة القواعد العسكرية فيها عام 2017، ومن المناسب أيضاً التنبه أن وتيرة الاحتجاجات المتنامية تلك يأخذها الأمريكي أكثر على محمل الجد بعد استهداف قواعده في حقل العمر وخراب الجير في أرياف دير الزور والحسكة.
الأمريكي كان حاول خلال أوقات سابقة وبعد أن فهم أن اعتراض دورياته في الجزيرة غالباً لم يكن وليد صدفة أو حالة ارتجالية، إلى عقد لقاءات مع وجهاء المنطقة في حقل “العمر” النفطي، ليبلغهم أنّ “وجودهم مؤقت، وهو يهدف الى حمايتهم من داعش، وبأنّ العرب سيأخذون دورهم في قيادة المنطقة مع الوقت”..
“قسد” بدورهم سرعان ما تحركوا في مواجهة احتجاج “بكارة” فشنوا حملة اعتقالات واسعة، بالتزامن مع انتشار تسجيلات صوتية مُسربة لقائد “مجلس دير الزور العسكري” التابع لـ “قسد”، أحمد الخبيل، المدعو “أبو خولة”، هدد فيه باستخدام السلاح ضد المحتجين ممن اعترضوا طريق الدورية الأمريكية في بلدة “بكارة”. كما هدد أسماء محددة من وجهاء المنطقة، بالاعتقال الفوري في حال لم تتوقف الاحتجاجات في البلدة.
وتأخذ “قسد” تلك الاحتجاجات عموماً أيضاً على محمل الأهمية خصوصاً أنّ خروجها لم يكن مشترطاً على اعتراض الأمريكي فقط، بل للوقوف في وجه سياسات “قسد” نفسها، المالية والاقتصادية، والتي أدت لإفقار المنطقة، وضمناً غياب الوقود، بينما ينعم الأمريكي باستخراجه.
المصادر الرسمية في دمشق تنظر لهذه التطورات بعين الاهتمام البالغ، معولةً عليها في إنماء بذرة “المقاومة الشعبية” من جديد، ضد ما تسميه “بطش قسد”، وعلى اعتبار أنّ “المقاومة الشعبية” هي الحل الوحيد لفكفكة وحلحلة الموقف شرق الفرات، في ظل استحالة إتمام التحضيرات لعملية عسكرية.
وكان من شأن تلك العملية لو تمت التوغل في أثرى مواقع سوريا وأخصبها غنىً بالثروات، لكن تشابك المعطيات المحلية والإقليمية والدولية، حتى الآن، يحول دون ذلك، ليبقى خيار “المقاومة الشعبية”، هو أكثر ما يعول عليه.
ويشار بأنّ مناطق الجزيرة تشهد احتجاجات متواصلة منذ شهر على الأقل، وتتعلق تلك الاحتجاجات بصورة مباشرة ب “تجويع المنطقة”، وممارسة “الإفقار” بحق ساكنيها العرب، من قبل “قسد”، بحسب معلومات ل “وكالة أنباء آسيا”.
إذن، كل ما يحصل اليوم، يؤشر على بداية عهد لا يشبه سابقه، فتنبه الأهالي لمسألة الثروات الباطنية، وتهميشهم وتقزيم دورهم، وعوامل أخرى، كلها أسهمت وستسهم في تزايد رقعة الاحتجاجات على ما يقوله واقع الحال في الجزيرة.