رفع أسعار الانترنت.. هل المواطنون أمام ضريبة “خفية”؟
موقع العهد الإخباري-
فاطمة سلامة:
لم يعُد الانترنت كما السابق خدمة كمالية. هذه الوسيلة باتت أساسية في عصرنا الحالي. كل ما حولنا قائم على الانترنت. وعليه، يُشبّه البعض هذه الخدمة بـ”الطعام والشراب” ليُدلّل على أهمية وجودها. من النادر جدًا أن نرى منزلًا بلا انترنت، حتى ولو كان أصحابه من ذوي الدخل المحدود. إلا أنّ هؤلاء سيجدون أنفسهم قريبًا أمام معضلة حقيقية مع التوجه نحو رفع أسعار الانترنت 7 أضعاف. ثمّة أرقام يجري الحديث عنها تفوق قدرة كثر على الدفع. سعر باقة الحدّ الأدنى للمشتركين عبر “أوجيرو” 420 ألف ليرة وسعر باقة الحدّ الأقصى 7 ملايين ليرة.
إقرار مشروع مرسوم زيادة تعرفات خدمات الهاتف الثابت والانترنت -المقدّم عبر “أوجيرو” وشركات القطاع الخاص بمعدل 7 أضعاف – آت لا محالة، وفق ما تؤكّد أكثر من جهة، ليبقى السؤال عن أسباب هذا الارتفاع وتداعياته من الناحية الاقتصادية مشروعًا خاصة أن الزيادة ليست قليلة في وقت انعدمت فيه القدرة الشرائية للمواطنين.
كريدية: لا يوجد بدائل أمام الوزراة لتمويل التكاليف
المدير العام لهيئة “أوجيرو” عماد كريدية يتحدّث لموقع “العهد” الإخباري عن هذه القضية، فيشير بداية الى أنّ لدينا 470 ألف مستخدم غالبيتهم العظمى من الأسر. هذا الرقم معلن عنه لوزارة الاتصالات، لكن في المقابل ثمّة 660 ألف مشترك غير شرعي ويدفعون فواتير أكثر بكثير من “أوجيرو”.
وفق كريدية، لا توجد بدائل أمام الوزراة لتمويل التكاليف سوى رفع الأسعار. يبرّر التوجه الجديد بالأكلاف التشغيلية العالية. أول أسباب الرفع يتمثل بالمازوت. سعر هذه المادة بالدولار والفواتير لا تزال بالليرة اللبنانية. عام 2019 كنا ندفع 5 مليارات ليرة أي 3 ملايين دولار بدل كلفة المازوت، أما اليوم فتدفع الوزارة 26 مليون دولار لكلفة المازوت فقط أي 7 أضعاف.
ثاني الأسباب يتمثّل في فرق العملة بالدولار. برأي كريدية، ليس من حق أحد أن يطالعنا بنظريات من قبيل تخفيف عدد الموظفين وما شابه مع العلم أنّ الموظفين يأخذون فقط 10 بالمئة مما كانوا يتقاضونه عام 2019، ومن واجب الدولة تنفيذ مطالبهم المحقة ومطالب سائر موظفي القطاع العام.
ثالث الأسباب كما يشير كريدية يتمثل في الأموال التي تدفعها الوزارة بدل استجرار الانترنت من الخارج والتي تبلغ 7 ملايين دولار سنويًا، هذا بالإضافة الى أسباب أخرى تتعلّق بعقود الصيانة والدعم الفني من الشركات الأجنبية وكل هذه التكاليف بالدولار. وهنا يشير كريدية الى أنّ أكثر من 75 بالمئة من الأكلاف تُدفع للخارج بالدولار.
بناء على ما تقدّم، كيف كانت تدفع الوزارة التكاليف؟ يُجيب كريدية عن هذا السؤال بالإشارة الى أنه وفي الآونة الأخيرة كُنّا ندفع الأكلاف بناء على “سِلَف” تجري استدانتها. وفق حساباته، فإنّ الموازنة بالليرة اللبنانية باتت غير مطابقة لاحتياجاتنا بالدولار ما سبب عجزًا ماليًا في “أوجيرو”. وعليه يقول كريدية “لا خيار آخر لرفع الأسعار سوى في أن تُعيد السلطات اللبنانية التوازن لسعر صرف الدولار الذي للأسف ليس بيدنا”.
وفي سياق متصل، لا يرى كريدية في ارتفاع الأسعار دافعًا لدى البعض للتخلي عن الانترنت. وفق قناعاته، لا تستطيع العائلات العيش بلا انترنت، والأسعار التي تأخذها وزارة الاتصالات وهيئة “أوجيرو” من الناس في المناطق أقل بـ5 مرات من مقدمي خدمات الانترنت في الشركات. وحول ما اذا كان سينعكس القرار على عمل الشركات، يضيف كريدية: “جميع القطاعات باتت “مدولرة” ولم يبق سوى خدمة الانترنت تُدفع بالليرة اللبنانية”. برأيه، من يسوّق لنظرية التضرر غير محق، فحتى فاتورة الكهرباء تُدفع على سعر منصة صيرفة + 20 بالمئة ما يعني أنّ الفاتورة تتخطى سعر الدولار في السوق السوداء. وفق قناعات المتحدّث، “اذا أردنا أن نعزّز مداخيل وزارة المال ونمكّن “أوجيرو” من المنافسة لتبقى موجودة لا بد من إقرار بند رفع الأسعار، واذا قرّر مجلس الوزراء أن لا يدفع المواطن الفاتورة يجب أن تدفع الدولة عنه لأنه لا يمكن أن نتخيل بلدًا من دون خدمة انترنت واتصالات”.
عجاقة: عشوائية الرفع
الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة يُعلّق على قضية رفع الأسعار بالإشارة الى أنّه لم يكن لدى الحكومة الشجاعة لإقرار البند قبيل عيد الأضحى خوفًا من ردة فعل المواطنين لكنها حُكمًا ستقره بعد العيد. يُقارب عجاقة المسألة من ناحيتين، أولًا من الناحية العامة أي كمواطن لبناني، وثانيًا من الناحية الاقتصادية.
في الناحية الأولى، يوضح عجاقة أنّ وزارة الاتصالات عندما رفعت في المرة السابقة الأسعار قالت للمواطنين إننا اذا لم نرفع الأسعار ستتوقف خدماتنا، فربطت الاستمرارية برفع الأسعار ووعدت بأن تكون الخدمة أفضل بكثير في الفترة المقبلة. مرّ الوقت، زادت الوزارة التعرفة ورضي المواطنون بالأمر لكن تبين لاحقًا أنّ الخدمة لم تتحسّن بل تراجعت. اليوم، يقول عجاقة إذا أقرت هذه الزيادة ما الذي يضمن أن لا يتم رفع الأسعار بعد شهرين؟ وعليه، يقارب المسألة من باب غياب المصداقية خصوصًا أن ليس هناك وضوح من قبل الوزارة بالمعايير التي استندت إليها لرفع الانترنت 7 أضعاف. لماذا لم ترفع الرقم الى 6 أو 8؟ هل رفع التكلفة 7 أضعاف سيحسّن من خدمة الانترنت في المستقبل؟ يسأل عجاقة الذي يُشدّد على أن كل هذه الأسئلة من دون أجوبة وإن دلت على شيء فتدل من وجهة نظر المواطن على عشوائية الرفع.
ضريبة “خفية”
اذًا، يتبين في الشكل أنّ ثمّة أزمة مصداقية ــ وفق عجاقة ــ تدفع المواطن الى القول إنّ رفع الأسعار ــ أغلب الظن ــ هي وسيلة سهلة لجباية الأموال من المواطنين، وكأنّ هذه الزيادة بمثابة الضريبة وهذه الضريبة لا يستطيع المواطن التهرب منها لأنه متعلق بالانترنت الذي دخل في كل تفاصيل حياته، والأمر ذاته ينسحب على الشركات التي تتواصل مع الغير من خلال الانترنت.
بناء على ما تقدّم، يرى عجاقة أنّ هذا النوع من الضريبة يُسمى بالـ”خفية”، فالانترنت خدمة عامة ومن المفترض أن يكون هناك شفافية على التسعير. لا أحد يعرف تفاصيل السبع مرات. برأي عجاقة، ما يحكى عن تكلفة المازوت غير مقنع لأنّ سعر المازوت انخفض 27 بالمئة من تشرين الأول 2022 حتى نهاية أيار 2023. تمامًا كما يرى عجاقة أنّ حجة “الدولرة” قد يتذرع بها التاجر وليس الدولة. وهنا، يؤكّد عجاقة أنّ غياب الشفافية عن التسعير يدحض المصداقية عن قرارات رفع الأسعار ويضع الأسعار في خانة الضرائب “الخفية” المخالفة للديمقراطية. وفق عجاقة، الضريبة “الخفية” ممنوعة في الأنظمة الديمقراطية وهذا ما يدفعهم لتمريرها أمام المجلس النيابي لإطلاع الشعب عليها. وفي هذا السياق، يشدّد عجاقة على أنّ القضية ليست شخصية فليُطلعوا الرأي العام على موازنة “أوجيرو” وإلا فإنّنا حُكمًا أمام ضريبة “خفية”.
تداعيات اقتصادية
في الناحية الثانية، يُقارب عجاقة القضية من منطلق علم الاقتصاد. أولًا؛ ثمّة ما يُسمّى بالمرونة، وهي مفهوم يقيس نسبة الطلب بموازاة ارتفاع الأسعار. لكن الاتصالات عادة من نوع الطلبات التي ليس فيها مرونة، اذ مهما رفعنا السعر لا يتأثر الطلب، وإن تأثر فبشكل قليل. وفق عجاقة، تبدو الاتصالات من السلع والخدمات التي ليس لديها مرونة، وبالتالي، يعرف القيمون في وزارة الاتصالات هذا الأمر ويعلمون أنه مهما ارتفعت الأسعار لن ينخفض الطلب.
ثانيا؛ عندما نرفع كلفة سلعة معينة لا تحتمل المرونة ستعمد الناس الى حرمان نفسها في مكان آخر لتمويل هذه السلعة ما سيؤدي الى خفض القدرة الشرائية للمواطن وإلغاء بعض الأمور الأساسية لتمويل الانترنت، وخاصة أنّ المواطن ليس مدركًا كثيرًا ولا يعرف مصلحته. وهنا، يؤكّد عجاقة أن المواطنين اللبنانيين وفي حال اتخذوا قرارًا جماعيًا بتوقيف خدمة الانترنت لمدة شهر ستُفلس “الشركة” وهذا ما يحصل في الخارج بسبب وعي الشعب بمصلحته الأمر الذي يدفع الشركات الى عدم امتلاك الشجاعة لرفع الأسعار حتى ولو كان لديها “حصرية” كـ”أوجيرو”.
ثالثا؛ قد يترك الارتفاع أثره على الصعيد الاقتصادي فالكثير من الشركات تستخدم الانترنت في سياق الانتاج للبيع عبره وما شابه ما سيؤدي الى تضرر الشركات المنتجة، كما قد يشكّل الارتفاع شمّاعة لدى التجار لرفع الأسعار وهم الذين يخترعون ألف “طبخة وطبخة” لزيادة الأرباح خاصة أننا لسنا أمام آليات سوق عادي، يختم عجاقة.