رسالة وداع.. إلى فخامة الرئيس
صحيفة السفير اللبنانية ـ
كتب المحرر السياسي:
ما هكذا يا صاحب الفخامة تُورد الإبل.
يحق لك، على عتبة نهاية الولاية، أن تستعرض عضلاتك الفكرية. أن تستعين بالمستشارين وبالقواميس وبالخبرات. أن تحاول كتابة سطر أخير في سيرة ذاتية تؤهل صاحبها لشغل منصب ما بعد «القصر».
لن نحاسب صاحب الفخامة على سكة أوصلته إلى سدة عسكرية تحتاج إلى شجاعة أولاً وحكمة ثانياً.. ثم سدة سياسية تحتاج إلى الحكمة أولاً وأخيراً. حاله في سكة الوصول الملتبس، هذه أو تلك، كحال كثر ممن تسلقوا «عهد الوصاية»، فوصلوا.
لكن يحق لمن صدقوا «الجنرال»، أن يستعيدوا سيرة رواها لهم، في يوم من الأيام. من «تلة اللبونة»، قرب الناقورة، يوم رفع العلم اللبناني بوجه الإسرائيليين في مطلع السبعينيات وكان برتبة ملازم، إلى حرب تموز 2006، يوم كان قائداً للجيش، ورفض جعل عَلَم لبنان بوضعه في جهة محددة من الآليات العسكرية، ممراً آمناً لتحييد الجيش، وصولا إلى «خطاب القسم»، المتزامن مع «عيد التحرير» الثامن. هو الخطاب الذي جاءت مفرداته قريبة إلى كل من تناوبوا في المقاومة، من العام 1948 حتى يومنا هذا، بوصفها «حاجة في ظل تفكك الدولة، واستمرارها كان في التفاف الشعب حولها، وفي احتضان الدولة كياناً وجيشاً لها، ونجاحها في إخراج المحتل، يعود إلى بسالة رجالها، وعظمة شهدائها» (خطاب القسم في 25 أيار 2008).
هل هذا خطاب رئيس المقاومة أم رئيس الدولة؟
نعم، ما هكذا يا صاحب الفخامة تُورد الإبل.
ليس خطاب المقاومة خطاباً خشبياً، إلا إذا كانت فوائده صارت صفراً في دفتر الحسابات والمآرب والشهية المفتوحة.
هذه المقاومة عمرها من عمر لبنان. من عمر الكيان. لم تبدأ مع «حزب الله» ولن تنتهي معه، شاء من شاء من «كتبة» البيان الوزاري، أم أبوا. هذه المقاومة، نبتت من أرض ناس عراة من كل شيء إلا الإرادة. هم الذين ذاقوا الويلات والمجازر وقدموا فلذات أكبادهم وحرقت حقولهم ومواسمهم ودمرت منازلهم ومتاجرهم ومدارسهم، وما بدلوا في خياراتهم ولا إيمانهم.. تبديلا.
هم الذين قاوموا الاحتلال يوم غابت الدولة، لا بل صارت دولا، بعضها من «فبركة» الاحتلال كدويلة سعد حداد وأنطوان لحد، إلى «دولة حالات حتماً». هم الذين نثروا الأرز محتفين بجيشهم الظافر بين أهله في أيار الألفين، بعد طول غياب. هم الذين احتفلوا بجيشهم ومقاوميهم المنتصرين بعد مأثرة تموز 2006.
ما هكذا يا صاحب الفخامة تُورد الإبل.
ليست المقاومة «خُشُباً مُسَنّدة» حتى تُشنّ غارة عليها، إلا إذا اطمأن فخامته إلى إستراتيجية دفاعية موعودة.. ودولة مفقودة.
لن ندين ميشال عون أو سمير جعجع إذا طمحا للرئاسة ولا أمين الجميل إن سعى إليها ثانية.
وراء كل واحد من هؤلاء الثلاثة حزب.. وجمهور. قضية وشهداء.
لكن هل يستحق اللهاث وراء ولاية ثانية هذه التحولات والانقلابات؟
هل تستحق السلطة إدانة تاريخ مقاوم لا يُستثنى من مفرداته وتضحياته أي بيت لبناني من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال؟
لصاحب الفخامة ـ رمز الدولة والأعلى مقاماً فيها، حرية قول ما يشاء،
ولشعب ضحى في كل جهات لبنان الاربع، وخاصة في بيروت الأميرة التي احترقت ولم ترفع الأعلام البيضاء، أن يتحفظ على هذه اللغة الصادمة وأن يترحّم على بيان وزاري يُراد إسقاطه بـ«زلة لسان»، فتتحول معه الحكومة الوليدة.. الى حكومة تصريف أعمال.
أي حوار وطني وأي إدارة له، اذا كان محكوماً بالتمسك بإعلان خشبي بكل ما للكلمة من معنى، حتى لو أودع في أرشيف العالم كله. فمن حرر أرض لبنان ومن دافع عن عاصمة العرب ومن جعل المقاومة أيقونة في كل بيت عربي؟
هم المقاومون، وليس بعض ضباط المخابرات العربية ولا القرارات الدولية او «17 أيار» أو أي إعلان من أي نوع كان.
ما هكذا يا صاحب الفخامة تُورد الإبل.
من حقك أن تشعر بأنك أصبحت كبيراً على «الجل»، ولك أن تردد أمام أقرب المقربين منك بأسى:«لقد سقط التمديد لأن الفرنسيين والسعوديين لم يستطيعوا تسويقه عند الأميركيين».
صار همك أحد امرين:
÷ أن تعود الى عمشيت، فتجد داراً مفتوحة وطوابير من حولها تستغيث بك أن تعيد زمن الزعامة المارونية الغابرة.. ولسان حالك «لا أريد أن يصيبني ما أصاب غيري من الرؤساء.. وآخرهم إميل لحود».
÷ أن تجعل سيرتك الذاتية كفيلة بتبني الفرنسيين وصولك الى منصب الأمانة العامة للفرانكوفونية بعد انتهاء ولاية عبدو ضيوف.. ولتكن بداية حفلة العلاقات العامة من المغرب العربي(تونس) لما لهذه الدول من دور مؤثر في «المحفل الفرانكوفوني»، ولتكن باريس هي المنبر الثاني.
صاحب الفخامة،
إذا كانت المقاومة مطية للسلطة، فبئست كل مقاومة وكل لغة خشبية تتبناها.. وإذا كانت المقاومة صادقة وحقيقية وناصعة، ولا تلبي غرضية المغرضين، فسنؤدي لها التحية، عند كل صباح ومساء، حتى لو كانت لغتها فولاذية.