رسالة سياسية حاسمة لـ«جبهة النصرة» و«الحر»: «ممنوع الإقتراب»
لا يمكن قراءة التطور الكبير في مسرح العمليات على الحدود الأردنية السورية صباح الأربعاء بمعزل عن قرار سياسي أردني يبدو أنه اتخذ فعلا بصمت ووراء الكواليس وفكرته توجيه رسالة واضحة الملامح للتشكيلات العسكرية المسلحة في محيط مدينة درعا شمالي الأردن.
الرسالة تقول ببساطة شديدة ‘ممنوع الإقتراب’.. عمليا ومنطقيا كان يمكن لقوات الجيش الأردني إيقاف السيارات التي كانت تحاول اجتياز الحدود بصورة غير شرعية بالطرق العسكرية التقليدية وفقا لبروتوكول الحدود المعروف.
لكن الجانب الأردني اختار بوضوح رسالة من وزن ثقيل عندما تدخلت طائرات سلاح الجو ولأول مرة منذ ثلاث سنوات بإطلاق قذائف جوية ضد السيارات المتسللة في عملية تم إصدار بيان إعلامي بخصوصها، الأمر الذي يعني سياسيا وإعلاميا ببساطة شديدة أن عمان تريد توجيه رسالتها العسكرية الصارمة بالخصوص لعدة أطراف.
معنى ذلك أن الجدل الداخلي في مؤسسة القرار الأردنية حسم على أساس منع التنظيمات الجهادية أو المسلحة من استخدام الأراضي الأردنية كملاذ أو للعبور وفي أي وقت.
هذا الجدل كان قد عبر عنه رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور في جلسة خاصة حضرتها ‘القدس العربي’ عندما تحدث عن مشاعر بلاده بالقلق الشديد إذا ما وضعت معركة درعا المتوقعة قريبا الأردن في موقف محرج.
آنذاك قال النسور إن الحسم العسكري داخل سوريا وعلى الخاصرة الشمالية لبلادنا مقلق في كل الحالات لأن المسلحين سيحاولون الهرب إلينا إذا ما انتصر النظام السوري وإذا ما حسموا هم المعركة ميدانيا سيكون الأردن في حالة قلق من احتمالات الإرهاب.
هذا التعبير العلني للنسور بقي هاجسا في أروقة القرار طوال المرحلة الماضية لكن دخول طائرات سلاح الجو على خطوط المسألة وبشكل واضح وعلني تعني أن القرار اتخذ وحسم وتم تأسيسه على جدار المصلحـة الوطنية الأردنية الحدودية مباشرة.
يعني ذلك أن القوة العسكرية الأردنية رتبت أولوياتها على أساس منع حركة السلاح والمتسللين والسيارات والشاحنات غير الشرعية باتجاه الاردن وهي أولوية تؤشر على أن عمان توقفت عن انتظار تقييم النظام السوري أو رأيه في هذه المسألة خصوصا وأنه يرفض الإستجابة لطلب أردني قوامه عودة الجيش النظامي الى حدود درعا للقيام بواجبه من الطرف الآخر.
الأردنيون قالوا عشرات المرات إنهم وحدهم الذين يحرسون الحدود من الجانبين لكن المؤسسة الأردنية تحاول التعاطي ميدانيا مع الوقائع التي يفرضها نظام الرئيس بشار الأسد وهو يصر على بقاء درعا مشكلة أردنية بامتياز حتى يثبت للجميع نظريته بخصوص الإتهامات الباطنية للأردن التي تقتضي المساعدة في إدخال الجهاديين وأسلحتهم الى سوريا.
بشار الأسد يريد من عمان أن تدفع الثمن لكن عمان وبعد اشتباك طائرات سلاح الجو ترد عملياتيا بالإشارة الى أنها مستعدة للمجازفة والإعتماد على الخيار الأقل كلفة مادام الجيش النظامي السوري يرفض العودة الى مواقعه في محيط محافظة درعا.
الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية الدكتور محمد المومني جدد التأكيد عندما سألته ‘القدس العربي’ على أن واجب القوات المسلحة الأردنية الأول والرئيسي حماية الأردن والحدود وهو واجب ستقوم به قواتنا وفقا لتعبير المومني في كل الأحوال.
عمليا لا تقول المؤسسة الأردنية للجانب السوري بصورة مباشرة أن على الجيش النظامي أن يعود إلى درعا لكنها تزود دمشق دوما بالحيثيات والمعطيات التي تقول ضمنيا أن الأردن سيتصرف وفقا لما تقتضيه مصالحه الأمنية في حال إصرار النظام بدمشق على استراتيجية أو فلسفة بقاء درعا مشكلة أردنية.
بهذا المعنى يمكن القول إن القذائف الصاروخية التي أطلقتها طائرات أردنية صباح الأربعاء داخل الحدود السورية على سيارات حاولت العبور بصورة غير نظامية هي رسالة لا تقتصر على الجانب الأمني والعسكري فقط بل هي رسالة سياسية بامتياز.
هذه الرسالة تقول لجبهة النصرة تحديدا إن الفرصة غير متاحة لاستخدام الأراضي الأردنية كملاذ أو الهروب إليها في حال الإشتباك العسكري مع نظام بشار .
وتقول الرسالة لبعض تشكيلات الجيش السوري الحر إن النشاطات المتعلقة بتهريب السلاح والذخائر وأحيانا المخدرات رفع في وجهها الفيتو الآن وسيستخدم ضدها عند الضرورة سلاح الجو الملكي الذي يستطيع ببعض التقنيات معالجة مفاصل التهريب الذكية في بعض المناطق الوعرة.
نفس الرسالة تقول لبشار الأسد ضمنيا إن مهلة انتظار عودة جيشه النظامي الى درعا انتهت وأن الأردن مستعد ولأول مرة لإطلاق الرصاص عملياتيا داخل حدود سوريا مادام الأمن الحدودي والوطني الأردني تحت التهديد.
أغلب التقدير أن عملية قصف الأربعاء ستعيد إنتاج الزوايا الغامضة والمعتمة في العلاقة السياسية بين الأردن والنظام السوري.
بسام البدارين – القدس العربي