رسالة حسن نصر الله إلى إسرائيل
موقع أنباء موسكو ـ
عامر راشد:
خرج الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني حسن نصر الله عن سياسة الغموض المعتادة للحزب إزاء قدراته وترسانته العسكرية، بكشفه عن لغز طائرة الاستطلاع دون طيار التي اعترضها سلاح الجو الإسرائيلي السبت الماضي.
وأكد نصر الله يوم أمس الخميس أن الحزب هو من أطلق طائرة الاستطلاع من الأراضي اللبنانية باتجاه البحر في مناورة التفافية، لتخترق بعدها الأجواء الإسرائيلية، وتحلق فوق العديد من المنشآت والقواعد الحساسة ومن ضمنها مفاعل ديمونة النووي، قبل أن يتم اكتشافها وإسقاطها من قبل سلاح الجو الإسرائيلي.
عملية إطلاق الطائرة، التي وصفها نصر الله بـ”النوعية والمهمة جداً في تاريخ المقاومة اللبنانية” ولفت إلى أنها “أثبتت إمكانية اختراق كل الحواجز التي تضعها تل أبيب”، قدَّرت التحليلات الإسرائيلية الأولية أن من يقف وراءها قصد من خلال مسار تحليق الطائرة خلق غموض بالنسبة لمصدرها، وأن الهدف منها فحص منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية.
لكن الأمين العام لـ”حزب الله” فاجأ الجميع بفتح الأوراق على الطاولة حيث أعلن أن “المقاومة تكشف جزءاً من قدرتها وتخفي أجزاء كبيرة في الوقت المناسب”، وترك للإسرائيليين أن يستنتجوا لماذا أرسل إليهم “رسالة طائرة” في هذا الوقت، وماذا تحمل في طياتها.
المراجع العسكرية الإسرائيلية العليا دأبت في الأعوام الثلاثة الماضية على الحديث عن أن قوة “حزب الله” تراجعت في ميزان الردع المتبادل مع إسرائيل عشية حزب تموز/يوليو 2006، ما يسمح للجيش الإسرائيلي أن يدخل بكامل قوته النارية في أي مواجهة محتملة مستقبلاً مع “حزب الله”. علماً بأن قيادة الجيش الإسرائيلي تصنف منذ خمس سنوات الحدود مع لبنان باعتبارها الجبهة العسكرية الأكثر خطورة وسخونة وتوتراً، وفي السياق ذاته توقعت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في تقريرها السنوي الأخير أن حرباً مع لبنان قد تنشب هذه السنة في ملابسات غير متوقعة. غير أن توقعاً كهذا بات في حاجة ماسة وعاجلة إلى تدقيق لجهة ما يُزعم إسرائيلياً من تراجع قوة “حزب الله” في ميزان الردع المتبادل مع إسرائيل، وامتلاك قيادة الجيش الإسرائيلي صورة أفضل عن إمكانيات وقدرات حزب الله القتالية ومستوى تسليحه كماً ونوعاً.
إن رسالة “حزب الله” لا تحتاج إلى قراءة ما خلف السطور، فمضمونها واضح كالشمس في عز ظهيرة يوم صيفي، من يستطيع أن يطلق طائرة تقطع مئات الكيلومترات فوق البحر في مناورات تمويه، ثم تحلق أكثر من مئة كيلومتر – باعتراف مصادر في الجيش الإسرائيلي- فوق مناطق إسرائيلية إستراتيجية حساسة، يستطيع في حال نشوب حرب مع إسرائيل توجيه طائرات انتحارية دون طيار لضرب مواقع منتقاة في تلك المناطق، مثل مفاعل ديمونة النووي أو مراكز عسكرية رئيسية، أو مرافق ومنشآت ومؤسسات اقتصادية مهمة وحيوية في حيفا وتل أبيب ونتانيا.
التفسير العقلاني للرسالة يفيد بأن “حزب الله” لا يريد الانجرار إلى حرب مع إسرائيل توظف في التجاذب الداخلي الإسرائيلي، ولذلك أطلق الطائرة دون طيار وكشف بعدها عن مسؤوليته عنها، كي تعيد القيادة الإسرائيلية النظر في ما تدعيه من تراجع قوته وإمكانياته لإقناع الرأي العام الإسرائيلي باستسهال فتح معركة واسعة ضد لبنان.
ومن المهم الانتباه إلى توقيت إرسال الرسالة عشية إعلان نتنياهو عن انتخابات مبكرة للكنيست الـ19، وما سبقها من رسائل إسرائيلية ساخنة إلى لبنان هددت فيها بشن عملية عسكرية واسعة النطاق لن تستثني الجيش اللبناني، ورسائل شبه يومية إلى طهران بتوجيه ضربة إلى منشآتها النووية، ورسائل إلى حكومة “حماس” المقالة في قطاع غزة لوحت فيها بعملية اجتياح بري شاملة لكل أراضي القطاع للقضاء على الأجنحة العسكرية للمقاومة الفلسطينية، والرسالة الإسرائيلية التي أرسلت قبل أيام إلى سورية، من خلال إجراء مناورات عسكرية في صحراء النقب تحاكي هجوماً مفترضاً على أهداف سورية محتملة.
لذلك ستفرض رسالة حسن نصر الله نفسها بقوة على جدول الانتخابات الإسرائيلية، وستكون في مقدمة أجندات البرامج الانتخابية، التي ستجبرها “الرسالة الطائرة” على إعطاء أولوية قصوى للتعامل مع مجاهيل كثيرة في المعادلتين السياسية والأمنية، تحت العنوان العريض “استعادة الردع الإسرائيلي”، الذي يحتل أولوية قصوى في النقاش الأمني الإسرائيلي على ضوء مجريات ونتائج حرب تموز/يوليو 2006، والحرب على قطاع غزة كانون الأول/ديسمبر 2008، وتطورات الملف النووي الإيراني، وطوفان ثورات “الربيع العربي” بما حمله وسيحمله من تغيرات عاصفة في البيئة الإقليمية.
وما كان لرسالة نصر الله أن تحظى بالأهمية، التي حظيت بها، لولا أنها وصلت بالفعل قبل أن يعلن عن فحواها أمس، بفشل منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية في اعتراض الطائرة إلا بعد ثلاث ساعات من إطلاقها، وعشرين دقيقة من تحليقها فوق قواعد عسكرية إسرائيلية ومفاعل ديمونة ومنشآت اقتصادية إستراتيجية، والمناطق ذات الكثافة السكانية الأعلى في إسرائيل.
الخبر السيئ لإسرائيل، مثل هكذا طائرة قادرة على حمل مواد متفجرة يمكن أن تستخدم لمهاجمة أهداف حيوية إسرائيلية، وتتمتع الطائرة بتقنية اتصال عالية تتعدى التقنيات التي كشفت عنها إيران في السابق، بحيث يتم توجيهها بدقة أكبر. وفي هذا يقول الكاتب الإسرائيلي أليكس فيشمان في مقال افتتاحي نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” بتاريخ السابع من الشهر الجاري: “في هذه القضية الآن من الأسئلة قدر أكبر من الأجوبة. لكن لا شك في أن هذه الحادثة علامة أمنية مهمة، فالإيرانيون أرسلوا إلينا رسالة عن طريق لبنان تقول: ليست الصواريخ والقذائف الصاروخية هي التي ستصلكم فقط، بل وسائل طيران بلا طيارين محملة بالمواد المتفجرة”.
تتمة الخبر السيئ، معلومات الاستخبارات الإسرائيلية تؤكد أن الإيرانيين نقلوا تقنية تجميع أجزاء هذا النوع من الطائرات إلى حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في قطاع غزة، ويساعدون الحركتين على تطوير قدراتهما الذاتية في هذا المجال.
والأسوأ إذا لم تفهم القيادة الإسرائيلية أن رسالة حسن نصر الله ليست رسالة حرب بل رسالة تحذير إلى إسرائيل كي تعيد حساباتها بشأن استسهال التهديد بحرب ضد لبنان. وقد وصلت الرسالة.