رسالة المقاومة اليوم: ما بعد الكمين الإستراتيجي الثاني ، ليس كما قبله ؟
موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير:
من اليوم الأول الذي افتعلت فيه الأحداث في سوريا ، تكونت لدى أطراف محور المقاومة قناعة راسخة ، بأن ما دبر لسوريا بليل، هو أكبر بكثير مما سمي في حينه بأنها ثورة شعبية، أو أن الأحداث في هذه الدولة، لهي متماهية مع ما سمي في حينه بربيع العرب … إنما القناعة كانت تزداد يوماً بعد يوم ، لدى هؤلاء – وخصوصاً بعد رفض الإصلاح الذي طرحه الرئيس الأسد ، ومن بدايات الأحداث – بأن المطلوب هو رأس النظام الممانع فيها ، وكذا الدور الذي مثلته وتمثله سوريا بموقعيتها في مواجهة المشروع الصهيوأمريكي على امتداد عقود من الزمن…
لأجل ذلك، فإن الإرهاب كان من أقصر وأسرع الأليات التي اتبعها أصحاب المشروع التخريبي والتدميري في سوريا ، وكذا يعتبر أقل تكلفة بشرية ومادية عليهم، وذلك في تحقيق ما يصبون إليه، ومنذ زمن طويل ..
إذا الصورة انجلت سريعاً من أمام أعين محور الممانعة حول المطلوب فعلياً من الإرهاب ، وذلك من خلال تقاطع المشروع مع أدواته ، أو حتى من خلال التشريك بينهما (الإرهاب وأصحاب مشروع التدمير) على حد سواء.
كان التوجه لدى أصحاب القرار في المحور الممانع، حول كيفية إفشال المشروع – وبكل شفافية – بأن ذلك يكون من خلال إسقاط الأهداف التي رفعها أصحاب المشروع، والتي حُصرت في إثنين أساسيين ومتتاليين، الثاني يكون بديلا ً لفشل الآول: أولاهما تجلى من خلال السعي لإسقاط الدولة السورية، والثاني يتمثل في استنزاف المحور الممانع برمته، وعلى كافة الأصعدة ..
بكل صراحة أيضاً لم نكن من الراضين بتلك المنهجية في الخلاص من ذاك المشروع، وذلك لإعتقادنا بأن الوسائل التي استخدمت، وستستخدم في مجابهة ذلك، لن تأتي بما يريده أطراف المحور ، كوننا اعتقدنا أن المشروع الهدام وآلياته، هو مشروع ٌ ولاّد للأحداث والتطورات، وأن الخلاص بهذه الطريقة سيكون كمن يبتر ذراعاً لكائن الهيدرا، والذي تستولد بدلا ً منه أكثر من ذراع … وأن وجهة نظرنا ، تتلخص في إفشال المشروع من خلال ضرب مواطن المشروع نفسه، وليس أدواته، وذلك من خلال جعل هؤلاء – أي هذه المواطن – ترزح تحت نير الإستنزاف والنزف المباشر، والمتبادل على حد سواء.. ولقد دعونا إلى ذلك من خلال مقالة نشرناها بتاريخ 16-06-2012 ، والتي كانت تحت عنوان “ورقتان لا ثالث لهما لحل الأزمة في سوريا ” ، واللذان تمثلا ب :
١- زعزعة الأمن الصهيوني
٢- مصادر النفط العربي ، وتنقلاته من المنطقة.
بعد جرح العراق اليوم، وبعد مرور حوالي السنوات الأربع على بدء النزف السوري والممانع أيضاً ، وبعد تكرار مناشدتنا المتواصلة، ومنذ ذاك التاريخ، وفي أكثر من مقالة منشورة، بأن النقطة الأولى من مقترح الخلاص أعلاه، لهي ضرورة لا بد منها، للخروج من براثن الأزمات التي تعصف بالمنطقة، وخاصة أن الكيان الصهيوني – وبقناعة لدينا شبه مطلقة – بأنه الوحيد القادر على إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل آذار من العام ٢٠١١ ، وذلك نظراً لما لهذا الكيان من نفوذ مؤثر جداً على كافة الجبهات المحيطة بسوريا، إن لجهة العراق أو تركيا وكذا الأردن وبعضٌ من لبنان أيضاً ..
يبدو أن تسارع الأحداث منذ غارة القنيطرة إلى ما تلاها من تطورات متلاحقة ، انطلاقاً من كمين السويداء، إلى عملية شبعا الأخيرة، وصولا ً إلى الحديث المرتقب اليوم للسيد نصرالله ، وما يمكن أن يتضمنه من مواقف هامة ومصيرية، تجعل من الصورة تنقلب تماماً، وذلك رأساً على عقب في مسار الأحداث في المنطقة برمتها … فكيف ستكون ملامح المرحلة المقبلة في ظل كلام السيد اليوم؟
منذ إعلان السيد – في إطلالته الإعلامية الأخيرة – بأن السلاح الممانع قد أصبح واحداً موحداً، وأن الإعتداء على ساحة ممانعة ، يمكن للرد أن يكون من خلال ساحة أخرى …وبعد جس النبض الصهيوني للمقاومة، وذلك من خلال غارة القنيطرة، وتقدير الصهاينة، من سياسيين وباحثين وكتاب استراتيجيين، بأن المقاومة لا تقدر على الرد ، لأنها – بحسب تقديراتهم – تخشى الحرب الثالثة مع الكيان الصهيوني ، وذلك لإعتبارات أضحت معلنة …
المفاجأة المدوية بعد غارة القنيطرة كانت على الشكل التالي: الصمت المطبق لقيادة المقاومة، التصريحات الإيرانية العسكرية والسياسية، بأن “العاصفة قادمة” على الكيان ، تأجيل حديث السيد إلى اليوم، الإجراءات الميدانية المتخذة – سراً وعلناً – من قبل المقاومة، الرد العملياتي السريع في شبعا، مجاهرة الحرس الثوري سريعاً بأن هذا الأخير سيقف مع المقاومة في كل الساحات، إصدار المقاومة للبيان رقم ١، وما كان لذلك من دلالات هامة، الرسائل السياسية الهامة التي وُجهت لأكثر من طرف دولي… ناهيك عن أن مكان الرد، واختلافه عن مكان العدوان، وفي ذلك لدلالة قوية على تكامل الجبهات ووحدتها …
هنا أسقط في يد الكيان الصهيوني، وتحديداً نتنياهو، فوقع في مأزق خيارين أحدهما أصعب من الأخر، حدّهما الأول ، ينجرُ معه الكيان نحو حرب شاملة، أساء تقدير ذهاب محور الممانعة إليها، وهي في الوقت عينه، ليست في صالح أمريكا ولا أوروبا في هذه المرحلة، ولاعتبارات عدة…
أما حدّها الثاني، يتمثل في الإكتفاء بالرد المحدود على أهداف محدودة.. مما جعل الحديث عن رضوخ الكيان الصهيوني لمعادلات جديدة واقعٌ مستجد، والذي نتوقع بأن تجري هذه الأخيرة اليوم على لسان السيد نصرالله في خطابه المنتظر ..
لم يكن هذا الكمين الإستراتيجي هو الأول الذي يقع فيه الكيان الصهيوني، إنما كان قد سبقه كمين سابق، وذلك في الأول من أيلول من العام ٢٠١٣ ، وذلك كان عندما اعتقدت أمريكا ومعها الكيان الصهيوني بأن سوريا ، ومعها محور الممانعة قد وقعوا في فخ الحرب من الجغرافيا المتشعبة، وذلك بهدف تشتيت المحور وإحراج بعض أطرافه …. إلا ّ أن المفاجأة كانت من خلال اكتشاف الكيان الصهيوني ، بأن رد المحور – وبكافة أطرافه – سيكون حصراً من سوريا، مما جعل من الكيان الصهيوني ، يتوسط لدى أمريكا بإيجاد المخرج من ورطة عدم انجرار المحور الممانع لما كان يرتأيه من جغرافيا الردود .. فوقع في المصيدة ، وكان الإخراج الشهير ، بما عرف يومها بالاتفاق الكيميائي مع سوريا ….
نخلص إلى القول إنه إذا كان الكمين الإستراتيجي الأول ، قد كانت نتائجه ، خذلان الكيان الصهيوني في توريط المحور الممانع في حربٍ لم يكن يريدها يومها ، فضلا ً عن أن تداعيات ذاك الخذلان ، قد طوت نهائياً معزوفة إسقاط حلقة المقاومة في سوريا … فإن الكمين الإستراتيجي الثاني ، والذي تمثل في عملية شبعا الأخيرة ، قد وضع الكيان الصهيوني مجدداً أمام خياري الإستنزاف المديد، من لبنان إلى سوريا، وذلك كرد ممانع على الإستنزاف الصهيوأمريكي لمحور الممانعة بواسطة الإرهاب، وعلى امتداد أربعٍ من السنوات …. أو الخيار الأخر – والذي قد يكون بديلا ً للحرب الشاملة – ألا وهو العودة بالمنطقة إلى ما قبل آذار من العام ٢٠١١ ..
فإما استنزاف عسكري متبادل على جبهات النار المختلفة، مع إحياء لمعادلة حماية المدنيين، وفقاً لقواعد اشتباك نيسان ٩٦ ، وإما أن يعود الجميع إلى ما قبل العام ٢٠١١ ، فالكل يتجهز ، والكل ينتظر … كما ينتظر العالم اليوم .
باحث وكاتب سياسي