«رادار كوريجيك» في تركيا وارتباطه بأمن إسرائيل
جدد زعيم «حزب الشعب الجمهوري» كمال كيليتشدار اوغلو اتهامه لرئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان بأن منظومة الدرع الصاروخي التي وافق على نشرها في تركيا تعطي المعلومات إلى إسرائيل لمواجهة الصواريخ الفلسطينية التي يتم إطلاقها من غزة.
وفي هذا السياق، عرض الكاتب التركي تولغا تانيش في جريدة «حرييت» ما اعتبره حتمية خدمة «رادار كوريجيك» في ملاطية التركية للأمن القومي الإسرائيلي، معطياً تفاصيل إضافية من موقعه في واشنطن منذ سنوات عدة.
يقول تانيش إن صيف العام 2010 كان نقطة البداية والأهم في مسار الدرع الصاروخي بالنسبة للإدارة الأميركية، إذ ان الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش كان يقود منذ العام 2007 الجهود لنشر الرادارات لمواجهة روسيا في كل من بولونيا وتشيكيا. غير أن تقارب بوش مع روسيا في نيسان من العام 2009 أفضى إلى التخلي عن هذه الخطط. والسبب هو ان موسكو وقفت ضد درع صاروخي موجه ضدها. وقد اتخذت واشنطن بعد اجتماع الرئيس الأميركي الجديد باراك اوباما مع نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف في الأول من نيسان العام 2009 قراراً بنقل الدرع الصاروخي من تشيكيا التي تثير غضب روسيا الى تركيا التي تثير غضباً روسياً أقل، وحيث أنّ موقع الرادار في تركيا يغضب إيران اكثر مما يغضب روسيا.
ويقول الكاتب إنه نجح في أيلول 2009 في التحدث إلى المسؤولين في دائرة حلف شمال الأطلسي وأوروبا في وزارة الدفاع الأميركية. وكانت لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي وافقت، قبل ذلك بأسبوع، على مشروع قرار الاعتراف بالإبادة الأرمنية وتبعها سحب السفير التركي من واشنطن.
يقول تانيش إن جيم تاونسند، وهو مساعد وزير الدفاع الأميركي، قال له إنّ بلاده تقوم بمحادثات مع تركيا كما كانت قامت بمثلها من قبل مع بولونيا وتشيكيا. وقال إنّ «الحكومة التركية هي في مرحلة توجيه أسئلة الى الادارة الأميركية. ونحن نسعى الى الإجابة عليها. الوقت لا يزال مبكراً، البرنامج بسيط لكن تطبيقه يحتاج لوقت طويل قد يمتد على مراحل الى العام 2020. لكن المحطة الأهم امامنا هي اجتماع قمة حلف شمال الأطلسي في لشبونة في 19-20 تشرين الثاني في خريف 2010. وعلى الدول الأعضاء ان تتخذ قراراً. وهي قمة تاريخية لأن مثل هذا القرار يتعلق بحماية سكان وأراضي وجيوش الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي».
ويروي تانيش أن الرئيس الأميركي باراك اوباما اتصل برئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان قبل المباراة النهائية لبطولة العالم بكرة السلة بين فريقي الولايات المتحدة وتركيا في العام 2010. وقد هنأ اوباما اردوغان على استضافة تركيا لهذه البطولة، قائلاً له إنه سيدعم بالطبع فريق بلاده الأميركي لكن ليربح من يربح؛ وهما يلعبان كرة سلة خارقة. وقال اوباما إنه يهنئ اردوغان على الاستفتاء لتعديل الدستور الذي سيحصل في اليوم نفسه في 12 ايلول 2010 والذي هو انتصار للديموقراطية.
ويقول تانيش إنه بعد قرار قمة لشبونة بنشر الدرع الصاروخي في تركيا، حصلت احدى عشرة مكالمة هاتفية حتى شهر ايلول 2011 بين اوباما وأردوغان. كان الانطباع أن أحداث «الربيع العربي» هي الغالبة على موضوع المكالمات، لكن الأمر هو ان موضوع الدرع الصاروخي كان مادة دائمة فيها الى ان وقعت تركيا بروتوكول لشبونة في 14 ايلول 2011. وكان اوباما في بداية كل مكالمة يسأل اردوغان «ماذا سنفعل؟». لقد كانت فرصة تاريخية لا تعوض وقد نجح الأميركيون في تحضير اردوغان لهذه اللحظة وللقرار الاستراتيجي الأهم خلال العشرين سنة الأخيرة. ولقد كان قراراً صعباً بالنسبة لتركيا، لذلك كانت حريصة على أن تبقى التفاصيل سرية.
غير أن الأسوأ هي القواعد التي سيجري في ظلها تشغيل «رادار كوريجيك»، حيث بدأ نقاش في تركيا في ايلول 2011 بشأن موقع اسرائيل من هذا العملية كلها وما اذا كانت المعلومات التي سيحصل عليها سيتم تقاسمها مع اسرائيل أم لا، خصوصاً في ظل التوتر التركي مع اسرائيل بعد حادثة سفينة مرمرة في شهر أيار من العام نفسه. إذ إن الرادار الذي سينصب في تركيا هو من النوعية نفسها للرادار المنصوب في اسرائيل منذ العام 2008. وقد قال الأميركيون للمسؤولين الأتراك إنه سيتم توحيد المعلومات التي تأتي من الرادارات الأميركية كلها لمضاعفة تأثير الدرع الصاروخي.
ويقول تانيش إنّ البيانات التي صدرت عكست أن «رادار كوريجيك» هو في النهاية رادار أميركي وان ما هو مخطط ان تجمع وتتوحد المعلومات من كل رادارات الولايات المتحدة في العالم، الأمر الذي انعكس في البروتوكول الذي وقعته تركيا مع اميركا في 14 ايلول 2011.
ويقول تانيش إن وزارة الخارجية التركية نفت في اليوم التالي ما نشر في الصحف الأميركية عن «أميركية رادار كوريجيك وتوحيد المعلومات مع رادارات اميركا في العالم ومنها الذي في إسرائيل». وقد اعتبر وزير الخارجية احمد داود اوغلو أنّ ما نشر مجرد فبركات. لكن استمرت الصحف الأميركية بعد هذا النفي التركي بنشر المزيد من التفاصيل غير ان اردوغان واصل القول إن معلومات الرادار في كوريجيك لن تذهب الى اسرائيل. وقال إنّ «الذي هنا ليس درعاً صاروخياً. إنه في بولونيا. الذي هنا هو قاعدة رادار».
من جهته، تساءل تانيش: «هل اردوغان لم يكن يعرف؟ بلى كان يعرف». ونقل عن أحد المقربين من داود اوغلو أنه قال إنه اذا حشرت تركيا في قضية دولية معينة، فما الذي يمكن ان تقوله للرأي العام، فجوابها سيكون «نعمل منها راداراً».
ويقول تانيش إنه قبل يوم واحد من توقيع بروتوكول الدرع الصاروخي بين واشنطن وانقرة، كانت واشنطن قد وقعت بروتوكولاً مشابهاً مع رومانيا بشأن المرحلة الثانية من الدرع الصاروخي الذي في رومانيا واعلنت الخارجية الأميركية كل التفاصيل في بيان لها. لكن البروتوكول الذي وقعه عن الجانب التركي مدير عام وزارة الخارجية فريدون سينيرلي اوغلو وعن الجانب الأميركي السفير الأميركي في انقرة فرانك ريكياردوني اكتفت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فكتوريا نولاند بإعلان بيان مقتضب عنه. لم يصدر الأميركيون بياناً تفصيلياً لأن الأتراك لم يكونوا يريدون ذلك.
أكثر من ذلك، فإن رئاسة الأركان التركية قد أزالت من موقعها الالكتروني اعلان بروتوكول الدرع الصاروخي ولم تعده حتى الآن. وإذ رفض الجانب التركي إعطاء النص الحرفي للبروتوكول، فإن وزارة الخارجية الأميركية تمنعت كذلك عن إعطاء النص الكامل للبروتوكول.
صحيفة السفير اللبنانية – محمد نورالدين