ذَهَبُ لبنان.. هل ذَهَبَ؟
موقع العهد الإخباري-
هاني ابراهيم:
منذ فترة، ولسبب أو لآخر، كثر الحديث، لا سيما عند اشتداد الازمة في لبنان على المستويين المالي والنقدي ومحاولة اجتراح الحلول، حول دور الذهب اللبناني المكدّس في الولايات المتحدة الأميركية ومصيره، لجهة أن وجوده في أميركا يشكل خطرًا عليه لخضوعه للقانون الأميركي، وانه قد يكون عرضة للحجز والمصادرة من قبل دائنين قد يرفعون دعاوى قضائية في الولايات المتحدة ضد الدولة اللبنانية من جهة، وحول كيفية الاستفادة من هذه الثروة للنهوض مجددًا بالاقتصاد اللبناني من جهة أخرى، ومن يملك صلاحية التصرف باحتياطي الذهب.
يحتلّ لبنان مركزًا متقدمًا بين الدول العشرين الأولى في العالم الأكثر استحواذًا على الذهب، فهو يملك أطنانًا من المعدن الأصفر، حيث قدر بنحو 286.6 طنًا، أو 10.116.572 أونصة ما قيمته 13 مليار دولار (وفقاً لسعر أونصة الذهب في السوق)، وتحول الى نوع من المظلة النفسية التي توحي للمواطن بنوع من الأمان، ما دفع العديد للتفكير وبصوت عال حول كيفية الاستفادة من هذا الاحتياطي.
ولكن، هل سيكون ذلك من خلال بيعه أم من خلال الاستفادة من قيمته لتثبيت قيمة الليرة مقابل الدولار؟ وهل هناك من خطر يحدق بذهب لبنان؟
بعد انضمامه إلى صندوق النقد الدولي عام 1947 والاعتراف بالليرة اللبنانية كعملة مستقلّة، وفكّ ارتباطها بالفرنك الفرنسي، امتلك لبنان وللمرّة الأولى ما مقداره 1.5 طنّ من الذهب وذلك وفق بيانات مجلس الذهب العالمي، وحددت قيمة العملة الوطنية بما يوازي 0.455 ملغ من الذهب، وسعر صرفها تجاه الدولار بـ2.20 ليرة.
وكان لصدور أول قانون متعلق بالنقد في لبنان عام 1949 دور أساسي في زيادة عمليّات الاستحواذ على الذهب ما دفع الحكومات المتعاقبة لشراء الذهب بهدف زيادة احتياطات المصرف المركزي، خصوصًا بعدما حدّد شروط إصدار العملة، على أن يكون 50% من قيمة النقد المتداول مغطّى بالذهب والعملات الصعبة و50% منه بأوراق حكوميّة مختلفة. وهنا نأتي إلى الخيارات الممكن اتباعها بالنظر لما يملكه لبنان من ذهب، فهل ستكون من خلال الاقتراض أو أن الاستثمار هو الحل الأمثل لمواجهة الانهيار المالي؟
ذهب العديد من الخبراء والمتابعين إلى الكلام حول عدة طرق للاستفادة من احتياطي الذهب ولكن، هل التوجه نحو أي خيار للاستفادة من هذا الاحتياطي أمر سهل أم دونه معوقات قانونية؟
رغم أن الليرة اللبنانية وغيرها من العملات لم تعد مربوطة بالذهب منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، إلّا أنه لا يزال يستحوذ على حصّة وازنة في محافظ المصارف المركزية، ومن ثروات البلدان الوطنية، نظراً إلى قيمته العالية والأكثر ثباتاً من العملات الورقية المعرّضة لمخاطر تقلّبات أسعار الصرف، ما يجعله ملاذاً آمناً للأفراد والدول الذين يمتلكونه، ولا سيّما خلال الأزمات، وهو ما يشبه وضع لبنان في هذه الأيام.
كل هذه الاعتبارات المحيطة بالذهب وغيرها، دفعت بمجلس النواب اللبناني إلى إصدار القانون رقم 42 في عام 1986، والذي ينصّ على: “منع التصرّف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان أو لحسابه، بصورة استثنائية، مهما كانت طبيعة هذا التصرّف وماهيته، سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة”، بهدف حماية الذهب ومنع وضع اليد عليه، ما يعني أن أي محاولة للمس بالذهب اللبناني تحتاج الى تشريع واصدار قانون خاص في مجلس النواب، أي قانون جديد إما يلغي أو يعدل القانون 42 لحماية الذهب.
والحقيقة أن ذهب مصرف لبنان لا يعوّل عليه كاحتياطي تحت الطلب لحماية الليرة أو لأي سبب آخر، لأن القانون 42/86 يحظر التصرّف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان بصورة مباشرة أو غير مباشرة، هذا من جهة، ما يعني أن ليس للذهب أي تأثير على استقرار الليرة أو ثبات سعرها حيث أصبحت المعاملات بالعملات الأجنبية تجري بأسعار السوق الحرة، وبات نظام الصرف معوّمًا، أي خاضعًا لعمليات العرض والطلب على العملة في السوق.
ماذا عن وجود الذهب خارج الأراضي اللبنانية؟ وهل يشكل ذلك خطرًا عليه من الضياع أو الحجز؟
من المتفق عليه بأن القسم الأكبر من مخزون الذهب خارج عن سيطرة الدولة اللبنانية وقوانينها، كونه موجودًا داخل قلعة “فورت نوكس” الأميركية التي تشتهر بأنها لا تعيد الذهب إلى أصحابه عند طلب ذلك، بل تضع دون ذلك شروطًا وعراقيل، كما حصل مع العديد من البلدان مثل المانيا وهولندا وتركيا. بالتالي، الذهب اللبناني خاضع لسلطة القضاء الأميركي، وبالتالي وفي حال نشوب أي نزاع قضائي بين الدولة اللبنانية وأي فريق آخر فإن صلاحية البت هي للقضاء الأمريكي وليس اللبناني.
هل هذا الأمر ينسحب على ديون الدولة بالعملات الأجنبية؟ وهل يمكن حجز الذهب اللبناني لهذه الغاية؟
وافقت الدولة اللبنانية منذ بدء الاستدانة بالعملات الأجنبية على التقاضي أمام محاكم نيويورك في حال تخلفها عن سداد ديونها، وهو احتمال واقعي وحقيقي حيث أقرّ مجلس النواب اتفاقية عقود إصدار سندات الدين بالعملات الأجنبية (اليوروبوندز)، والتي تنص في أحد بنودها على قبول الدولة اللبنانية الخضوع لقوانين محاكم نيويورك المدنية لحل أي نزاع بينها وبين دائنيها في حال تخلفها عن سداد ديونها بالعملات الأجنبية وهو ما يعني أن الذهب اللبناني خاضع للولاية القضائية الأميركية.
كل ذلك يجعلنا أمام صورة واضحة لا لبس فيها وهي امكانية مقاضاة الدولة عند تخلفها عن الدفع، والذهب هو أحد الخيارات لدى الدائنين لحماية سنداتهم، وعليه وإذا لم يسترجع الذهب اللبناني ويعاد إلى كنف الدولة اللبنانية، فأي تعثر اضافي في ملاءة لبنان تعني نسيان القسم الأكبر من هذه الثروة النائمة على الفور. طبعًا، كل ذلك لم يمنع من بروز آراء قانونية مخالفة لذلك تحت عنوان الأصول السيادية، والقانون اللبناني يمنع الاستيلاء عليها محليا أو حتى دوليا، وشرح ذلك كله هو في صعوبة احتجازه، لأن المحاكمات في الأمور السيادية تستغرق أعواما طويلة وليس لأنه لا يحق لهم ذلك وهنا الفرق كبير.
تبقى النقطة الأساس هنا، أن الأمور السيادية كموضوع الذهب وغيره من الأمور غير قابلة للنقاش والطرح تحت أي ظرف، وبالتالي لا يتجرأ أحد على مجرد مناقشتها لاعتبارات عديدة لعل أهمها الحاجة إلى إجماع القوى السياسية اللبنانية المنقسمة على نفسها في بحث أبسط الأمور فكيف الحال ونحن نتناول ذهب لبنان وكل اللبنانيين؟