ذرّة من اليورانيوم تُغني عن كل ملفات التفاوض مع أميركا
أهمية مفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني، أن عدد المُشاركين فيها بات (4 + 1) بدلاً من (5+ 1)، لأن إيران رفضت التفاوض مع الأميركيين بشكل مباشر أو غير مباشر، وحتى ولو كان “طيف” أميركا حاضرا في العاصمة النمساوية لمتابعة هذه المفاوضات، فهي على الأقل استُبعِدت عن الطاولة ولن تعود إليها قبل رفع العقوبات التي فرضتها ظلماً على الشعب الإيراني، والرفع خطوة خطوة، أو خطوة مقابل خطوة، مرفوض من القيادة الإيرانية.
بعد الرسالة الإيرانية لأميركا، جاءت الرسالة الثانية الى السعودية، برفض إيران إشراكها في هذه المفاوضات، وردَّ المتحدث بإسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة منذ أيام على الطلب السعودي بالقول:
” نأسف لعدم قدرة الرياض على إجراء حوار من دون قوى من خارج المنطقة..، والسعودية لعبت دوراً مُخرِّباً في المفاوضات عام 2015، وإيران تُرحِّب بأي حوار إقليمي معها وننصحها بذلك، لكننا ندعوها للإبتعاد عن المفاوضات الدولية بشأن الإتفاق النووي “.
الرسالة الإيرانية الثالثة جاءت الى أوروبا، التي يعتبر زادة “أنها فشِلت في تنفيذ التزاماتها الى جانب الولايات المتحدة، وننصح الجانب الأوروبي بإتباع المسار الأكثر سهولة”.
هذه الرسالة توجَّهت بها الخارجية الإيرانية الى فرنسا بشكلٍ خاص، لأن باريس تُدرِك حجم الخسائر في الإستثمارات الفرنسية داخل إيران، نتيجة خضوع الشركات الفرنسية الكبرى لشروط العقوبات الأميركية التي عممها ترامب على كافة الشركات العالمية.
وخلاصة الرسائل الإيرانية جاءت على لسان الرئيس حسن روحاني منذ ساعات، خلال مراسم افتتاح خمسة مشاريع وطنية في مجال العلوم المعرفية : “إن الذين قاموا بفرض العقوبات القاسية في العالم، استثنوا الأدوية والأغذية والحاجات الضرورية، لكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تجاوز كل الجلادين وشنَّ حرباً شاملة ضد الشعب الإيراني، والإدارة الأميركية الطاغية، لم تقُم بإلغاء العقوبات في ظل انتشار جائحة كورونا، وواجهنا الكثير من المشاكل لشراء لقاح “كوفاكس” نتيجة تجميد الأرصدة الإيرانية المودعة في المصارف الأجنبية بفعل العقوبات الأميركية”.
عند هذه النقطة من كلمة الرئيس روحاني نتوقَّف لنقول: الطغيان يُعمي الرؤية عن تبصُّر تداعيات الظلم، سواء تساقط حمماً على اليمن، أوتدميراً على سورياً أو وباءً على إيران، ونقطة القوة في مواجهته هي القوة الوطنية السيادية ولو كانت بحجم ذرة يورانيوم للاستخدام الاقتصادي السلمي، يركع لها الظَلَمَة، وهي أجدى من كل الملفات التفاوضية، ومن كل القرارات الأممية التي صدرت بشأن لبنان وسوريا وفلسطين، وكل صرخات الموجوعين في العالم العربي على وقع القِمَم العربية الكلامية.
ومع دخول مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا مرحلة البحث التقني، عبر اللجان الفنِّية بعد الجلسة الأولى، فإن الأمور – ولو طالت المفاوضات – سائرة باتجاه إيجابي لمصلحة السيادة الإيرانية والحق المُنتزَع بالصبر والمواجهة، وأميركا بايدن ليست فقط مقتنعة بعدم الإقدام على حروب عبثية، بل هي أيضاً استفاقت على نتائج سياسات دونالد ترامب الخارجية الحمقاء، التي لا تُحاكي وجع المواطن الأميركي في الداخل، وأميركا الى انكسار وانحسار عن الملفات الدولية لمعالجة وضعها الإقتصادي والإجتماعي والصحِّي، وستعود حكماً للإنضمام الى ( 4+ 1 ) لتعود معادلة ( 5+ 1) ، لأن (كل العالم + 1) لن يُثني دولةً جعلت من ذرَّة يورانيوم سلاحاً سيادياً بكفاءات ذاتيةً، لتكون كريمة عزيزة في نظر شعبها وأنظار العالم…