ديون وبطالة.. أزمة تركيا والآفاق المالية والإقتصادية
صحيفة البعث السورية-
عناية ناصر:
بدأت الدلالات على وجود أزمة اجتماعية سياسية في تركيا تتعمّق بشكل متزايد نتيجة مرور اقتصادها بمرحلة صعبة، إن لم تكن كارثية، فالليرة تتدهور بشكل ملحوظ واحتياطات النقد الأجنبي تتناقص والديون الخارجية والبطالة آخذان في الارتفاع، يثير كل ذلك الشكوك حول الآفاق المالية والاقتصادية لتركيا واستدامة النظام الحالي.
كانت أزمتا العملة والديون قد اختمرتا في تركيا منذ سنوات، حيث مرّ الاقتصاد التركي بفترة صعبة إلى حدّ ما، خلال عامي 2016- 2017، بعد محاولة الانقلاب العسكري، وكانت الليرة التركية تتراجع باستمرار منذ عام 2017. ومع ذلك، مع انخفاض قيمة الليرة التركية إلى أكثر من 100% منذ أيلول الماضي، لا أحد يستطيع التكهّن بما سيحدث لأسعار الصرف وماذا سيكون معدل الفقر؟ يقول الاقتصاديون وعلماء الاجتماع إنه على مدى السنوات الخمس الماضية، خسرت تركيا النمو الحقيقي في الازدهار الذي حدث في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ووفقاً لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن البنك الدولي، فإن النمو الاقتصادي في تركيا الذي كان 9.5% في عام 2021، سينخفض إلى 2% في عام 2022.
وقد كتب العديد من الأتراك الذين كانوا من مؤيدي أردوغان على وسائل التواصل الاجتماعي أنهم أصبحوا فقراء بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث إنهم لا يستطيعون شراء السلع الأجنبية، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، والنموذج الاقتصادي الجديد الذي اعتمده حزب العدالة والتنمية الحاكم، في نهاية عامه التاسع عشر في السلطة، لم يؤدِ إلا إلى تفاقم الفقر.
في ظل هذه الظروف، تتصاعد الحركة الاحتجاجية في البلاد. على سبيل المثال، نزل سكان إقليم اسكندرون إلى الشوارع بسبب انقطاع التيار الكهربائي بشكل منتظم. وكانت جمعية الصحفيين الأتراك قد أجرت مسحاً اجتماعياً أظهر أن نحو 73.5 في المائة من الصحفيين لا يمكنهم العيش بالاعتماد على دخلهم فقط. وكان الموظفون في مكتب “بي بي سي” في اسطنبول قد قاموا بإضراب للمطالبة برفع أجورهم.
يشتد تأثير التضخم المتسارع، في تركيا، ليس فقط على السكان ذوي الدخل المنخفض، ولكن أيضاً على الطبقة الوسطى، حيث تقلّص طلب المستهلكين في البلاد بشكل كبير. وقد يؤدي الانخفاض الحاد في طلب المستهلكين إلى ركود اقتصادي في الأشهر المقبلة وموجة جديدة من البطالة.
لقد شهد عام 2022 ارتفاعاً حاداً آخر في الأسعار، حيث ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 25 بالمئة للغاز المنزلي، و50% للاستخدام الصناعي، كما ارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 53% للمواطنين، و130% للشركات. بالإضافة إلى ذلك، قفزت أسعار البنزين والتأمين على السيارات وبعض الرسوم.
نتيجة لذلك من المرجح أن يصل التضخم الشهري في نهاية كانون الثاني إلى 15% متجاوزاً رقم كانون الأول البالغ 13.5%. أما بالنسبة للتضخم السنوي في عام 2022 فقد يتجاوز 36% الذي كان في العام الماضي، وهو أعلى معدل وصل إليه خلال 19 عاماً من حكم حزب العدالة والتنمية. في غضون ذلك، وفقاً لبيانات غير رسمية صادرة عن مجموعة أبحاث التضخم (ENAG) وهي مؤسّسة مستقلة تأسست في عام 2020 لتتبع مسار التضخم في البلاد، كان معدل التضخم الحقيقي لأسعار المستهلك في تركيا 82.8 في كانون الأول 2021.
كما أشارت وسائل الإعلام التركية، أنه بالإضافة إلى ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى له خلال عقدين من الزمن وارتفاع تكاليف المعيشة، يبقى وضع حقوق الإنسان في البلاد غير مرضٍ أيضاً. ونتيجة لهذا الوضع يفرّ عدد غير مسبوق من العمال من البلاد إلى أوروبا ولاسيما ألمانيا، فوفقاً للجمعية الطبية التركية (TTB)غادر أكثر من 8000 طبيب من قطاع الصحة العامة التركي في العامين الماضيين.
على هذه الخلفية، فإن شعبية الرئيس التركي آخذة في التراجع، ووفقاً لاستطلاع “ميتروبول” يشعر نحو 10% من الناخبين بخيبة أمل من أداء حزب أردوغان، الذي يأتي بعد عمدة أنقرة واسطنبول منصور يافاش بـ60.4% وأكرم إمام أوغلو 50.7% من حزب الشعب الجمهوري المعارض وحتى خلف زعيم الحزب الصالح ميرال اكشينير 38.5 %.
كما أظهر استطلاع آخر أجراه مركز الدراسات الميدانية الاجتماعية والسياسية (sosypolitk)، أن دعم حزب العدالة والتنمية الحاكم، بقيادة أردوغان، قد انخفض أيضاً إلى 27%، كما تراجع دعم حليفه حزب الحركة القومية 6.3%، بينما كان مستوى شعبية حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية في عام 2018، 37% و7.3% على التوالي.
في ظل هذه الظروف قال كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض إن الرئيس التركي يدفع بالبلاد نحو حرب أهلية، جاء هذا التقييم بعد خطاب ألقاه أردوغان في 4 كانون الأول الماضي أمام حزب العدالة والتنمية، حذّر فيه أي شخص يحتج ضد حكومته.
في محاولة لدعم أردوغان، تسعى الحكومة التركية إلى تجريد 28 نائباً من نواب المعارضة من الحصانة، في الوقت نفسه وافقت محكمة تركية على لائحة اتهام من قبل وزارة الداخلية ضد 23 من أعضاء جمعية علماء الدين للمساعدة المتبادلة والتضامن، متهمين بصلاتهم بجماعات متطرفة محظورة في البلاد، تسعة من المتهمين رهن الاعتقال حالياً، بينما لا يزال آخرون يعملون في بلدية اسطنبول. ومع ذلك يعتقد العديد من الخبراء والسياسيين أن السلطات التركية تمهّد الطريق لمحاكمة عمدة اسطنبول أكرم إمام أوغلو ممثل حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي يعتبر أحد أكبر منافسي أردوغان في انتخابات 2023.