ديمبسي يكشف مستور التحالف في المنطقة
موقع إنباء الإخباري ـ
بقلم حسن شقير*:
يوماً بعد يوم ، تتكشف خيوط المؤامرة الأمريكية الجديدة على المنطقة ، وذلك تنفيذاً لمشروعها المركزي في تحقيق هدفيها الإستراتيجيين ، وهما : كيفية الحفاظ على الأمن الصهيوني في حدود الإعتماد الدنيا على أمريكا بشكل مباشر ، وخصوصاً في ظل خطتها التراجعية ، والتي صارت معروفة لدى الجميع ، أما الهدف الثاني – والذي يرتبط بالأول – ، والمتمثل بعدم تحميل الكيان الصهيوني العبء المباشر لتحقيق أمنه المنشود … إنما يكون ذلك على الدوام على نفقة وعاتق الأخرين ، سواء أكانوا من ” الأعداء ” أو حتى على حساب الحلفاء …
هذان الهدفان المتكاملان ، يبدو أن آليات تحقيقهما، كانت قد نُسِجت خيوطها في محطتها الصهبيونية ، وذلك في آخر زيارة قام بها مارتين ديمبسي إلى الكيان الصهيوني …. وللمفارقة أن هذا الجنرال يكشف يوماً بعد يوم الخطة التي تقودها دولته، فيما تزعمه من هدفها في محاربة الإرهاب والقضاء عليه …
من بين ما كشفه ديمبسي بالأمس، وذلك أثناء مؤتمر صحفي مع وزيره تشاك هاغل، كان من الخطورة بمكان، لا يصح معها، إلا ّ التوقف عند ما قاله ملياً – فلعلها تكون زلة لسان، أو ربما تكون مقصودة – حول الأعداد المناسبة من العسكريين المعارضين ، و “المعتدلين”، والذين سيُجهزون لإستلام المناطق التي سيتم إزاحة الدواعش عنها في سوريا، والتي قدّرها بحوالي خمسة عشر ألف مقاتل …. مؤكداً – وهنا الخطورة في كلامه – أنه من “من الواجب أن يتبعوا لقيادة عسكرية وسياسية موحدة..”
هذا الجملة الأخيرة التي نطق بها ديمبسي تؤشر بقوة إلى مفاصل الخطة الأمريكية الحقيقية في تحقيق الهدفين المشار إليهما أعلاه، وذلك تحت غطاء تحالف دولي لمحاربة الإرهاب …
السؤال: أين الخطورة في تلك الجملة التي أشرنا إليها من كلام ديمبسي؟ وهل هي فعلاً تُسلّط الضوء على ملامح المرحلة القادمة، والخارطة الجغرافية الجديدة – بعيداً عن تقسيم سايكس- بيكو الحالي- و التي تسعى أمريكا إلى تنفيذها في المنطقة تحت ستار محاربة داعش؟ دون أن ننسى الهدفين المشار إليهما…
قد يجادل البعض أن هذا الكلام لديمبسي حول القيادة العسكرية والسياسية لمن يُسمون بالمعارضين المعتدلين، هو مطلب أمريكي قديم بقدم الهجمة على سوريا… وهذا فيه شيء من الصحة، إلا أن كل المحاولات السابقة لتجسيده واقعاً على الأرض السورية، فيما سُمي بهيئة أركان الجيش الحر، أو حتى بالإئتلاف المعارض، ومعه الحكومة المنبثقة عنه … لم يكن كل ذلك كافياً لتحقيق الإستراتيجية الأمريكية في إعادة رسم خارطة المنطقة، وذلك بسبب ضعف المكون العسكري “المعتدل” على الأرض السورية، مقابل الجيش السوري من جهة، وانقلاب حصان طروادة الإرهابي على المعارضين، وابتلاع معظم عديدهم من جهة أخرى … مما جعل من الرهان الأمريكي عليهم، بحكم الساقط، مع تساقطه وتراجعه في الجغرافيا السورية..
مع سيطرة الدواعش على معظم المناطق السورية، و التي كانت تحت سيطرة أولئك “المعتدلين”، وذلك تحت أنظار أمريكا وحلفائها من دول تحالف جدة الحديث، وتمدد هؤلاء الارهابيين نحو الجغرافيا العراقية، وإعلان الخلافة منها… تراءت أمام أمريكا ومن خلفها الصهيونية العالمية، فرصةٌ كبيرة لتحقيق حلم أمريكا التفتيتي، ووهم الصهاينة الأمني.. فما لبثوا أن جعلوا من داعش شماعة لهم للبدء بتنفيذ مخططهم الجهنمي في المنطقة …
لم يكن من قبيل المصادفة أن بدأت أمريكا، ومعظم دول التحالف معها، بوضع داعش وبعض من أخواتها ضمن لوائح الإرهاب لديهم، وذلك بعد أن أدت هذه التنظيمات قسطها للعلى في استنزاف محور الممانعة من جهة، وفي إرهاب وتخويف الرأي العام العربي والعالمي على حد سواء، من جهة أخرى، وذلك إلى أقصى الحدود، وتحديداً في أمريكا والغرب، فكانت أن جعلت من هذه التنظيمات الإرهابية بوصلة جاذبة لكل مشاريع الإرهاب في الدول الغربية، وبالتالي جعلتها مصفاة لبلدانها من مشاريع الدواعش، هذا فضلا ً عن تشوية صورة الإسلام لدى الرأي العام الغربي بشكل كبير، مما جعل من تأطير هذا الأخير، خلف الحكومات الغربية في حربها الجديدة على المنطقة، مسألة حتمية، دون أية عقبات…!
تحركت جحافل الغرب من الجو ومعها بعضٌ من ملحقاتها العربية لمهاجمة الدواعش في العراق وسوريا، معلنين بدء تنفيذ المشروع الأمريكي التفتيتي في المنطقة… سواء علم هؤلاء الأعراب بحقيقة ذلك أم لا، فالأمر سيّان …
يبدو أن كلام ديمبسي يؤشر إلى أن المرحلة الأولى – والتي يُصفق لها كثرٌ في المنطقة – ستفضي إلى تشتيت الدواعش وتفريقهم، وجعلهم يهيمون على وجوهم في كل المناطق التي كانت مغلقة أمامهم سواء في سوريا أو العراق، أو حتى لبنان … ليتم بعدها في المرحلة الثانية ضخ أولئك المعارضين “المعتدلين” والمطوَّرين في السعودية في مناطق الفراغ التي ستفر منها الدواعش، ولتأتي المرحلة الثالثة فيما بعد، بتشكيل إطارهم العسكري والسياسي الموحد، والذي تحدث عنه ديمبسي .. ليكونوا نواة “دويلة سورية ناشئة” عجزوا عن إقامتها في بدايات العدوان على سوريا …
لعل تشديد الرئيس الأمريكي، ومعه مختلف الدول الغربية، ومعظم الدول العربية، وتحديداً الخليجية منها، على تكرار ممجوجة، بأن “الرئيس الأسد فقد شرعيته … ولا يمكن له استعادتها” … لربما كان مقدمة لاعتماد مقاربة جديدة مع الدولة السورية – والتي يُخطط لها في هذه المرحلة ، بتعميق استنزافها من قبل الدواعش المنغمسة فيها – ، ليكون عنوانها، توالي الإعتراف الدبلوماسي لدى هؤلاء جميعاً بالمكوّن السياسي الجديد الناشئ على الأرض السورية، وإدخاله ضمن ما يُعرف بالجامعة العربية، وضمن الأطر الدولية الممكنة، وذلك كبديل للدولة السورية الشرعية … فتوضع هذه الأخيرة أمام خيارات ثلاث أحلاها يكون أمرُّ من الأخر، فإما محاربة هذه الدويلة الناشئة، وهذا لن يكون بالأمر اليسير بعد كل ذاك الدعم العسكري والسياسي لهذا المستنسخ… وإما القبول بالأمر الواقع وحدوث التقسيم المقنّع… وإما التسليم، وهذا فرضٌ محال …
ما الذي يعزز هذه الفرضية؟ إنها مشاريع الأحزمة الآمنة التي يُعمل عليها في المنطقة، والتي تحدثت عنها في مقالتي السابقة “ثلاثيات التهديد وأحزمة الإستنزاف” والتي يُعوِّل عليها الكيان الصهيوني في استقرار الطوق حوله، وذلك بجعلها، هي ومخطط الدويلات الناشئة التي تحويها، أشبه بطوق أمان يحيط بالكيان الصهيوني، وتحديداً من أماكن الضعف لديه.
هل مخطط التقسيم أعلاه ينحصر في سوريا ، دون غيرها من الدول الأخرى كالعراق، ولبنان ؟
لا يبدو – مع الأسف – أن هذين البلدين خارج إطار الإستهداف، ففي الأول، يهدف مشروع التسليح الذي ترعاه أمريكا ومعها حلفاؤها، وخصوصاْ في المناطق الشمالية والغربية من العراق، والتقارير التي تتحدث عن صبغته الطائفية، وهواه السياسي المشبوه، والمدموغ بالدمغة الصدامية لدى بعض المرشحين له… ربما يؤشر جميع ذلك إلى مرحلة خطيرة قد ينزلق إليها العراق، وذلك بعد تشتيت الدواعش فيه، وإلى خارجه أيضاً … فينفض الغبار عن مشروع بايدن التقسيمي في هذا البلد، وذلك بعد توازن القوى الجديد فيه…
أما في لبنان، فمع أن مشروع التقسيم والتفتيت صعب المنال والتحقق، ولأسباب تبدأ من وجود المقاومة فيه، ولا تنتهي عند الكثير من الإعتبارات الأخرى … إلاّ أن نشر الدواعش على حدوده الشمالية والشرقية، ومحاولاتهم المستميتة في الإنغماس في الداخل اللبناني، فضلاًً عن محاولتهم تكوين بيئاتٍ حاضنة لهم في بعض المناطق والمدن اللبنانية… فكل ذلك ، سيُبقي هذا البلد – وإن لم يكن تحت تهديد التقسيم – تحت سيف الإستنزاف، وذلك بواسطة الإرهاب المسلّط على ثلاثيته الذهبية، ولفترة، ليست بقصيرة من الزمن …
ربما يكون ديمبسي، قد زلّ لسانه، بكشفه بعض المستور من الإتفاق الحقيقي، المثلث الأضلاع ما بين أمريكا والغرب، ودول الخليج ومعهم تركيا، فضلا ً عن الكيان الصهيوني … ليكون هذا الأخير الرابح الأكبر مع أمريكا، من جرّاء تطبيق ذاك المخطط…
بالأمس أيضاً لفت تصريح هام لمساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، يقول فيه: “.. أن النهاية التي تتوخاها أمريكا من حملتها الجديدة على المنطقة، لن تكون كما تريد..” واللبيب من إشارة عبد اللهيان يفهمُ.
باحث وكاتب سياسي
بيروت في 27-09-2014