دور تركيا في رسم مستقبل الشمال السوري
وكالة أنباء آسيا:
منذ سنوات ظهرت المطامع التركية في الشمال السوري، والتي تجلت في إعلان تركيا نيتها بشن عملية عسكرية في الشمال بدعوى إنشاء المنطقة الآمنة.
صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، تحدثت في تقرير لها عن تضاؤل الجهود الدولية لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
الصحيفة أشارت إلى دور تركيا “المتعمق” في تشكيل مستقبل شمال سوريا، موضحة أن دور أنقرة يمثل أكبر بصمة تركية في دولة عربية منذ انهيار “الإمبراطورية العثمانية” في عام 1918.
كذلك أضافت الصحيفة، أن الحكومة التركية تدرب وتدفع رواتب أكثر من 50 ألف مقاتل سوري، في وقت نشرت قواتها داخل سوريا، وأنشأت قواعد عسكرية ضخمة وبنت جدارا حدوديا، كما تسعى إلى إعادة مئات آلاف السوريين في وقت قريب.
والوجود التركي في سوريا هو الأكبر في دولة عربية منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية عام 1918، وقد يزداد هذا الوجود إذ أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يهدد بشن هجوم جديد لإحكام سيطرة بلاده على الشمال السوري- بحسب التقرير.
واتجهت بقايا المعارضة إلى الشمال حيث تعتمد على القوة العسكرية والمالية لتركيا، وفي الشمال الشرقي تسيطر الميليشيات التي يقودها الأكراد على حوالي خمس البلاد، وهي تلقى دعما أمريكيا إذ يتوفر لها حماية فاعلة من 800 جندي أمريكي.
وبحسب الصحيفة فإن “الصراع مجمد في ظل عدم فاعلية الجهود الدولية من أجل التوصل لحل سياسي للأزمة السورية كما أن الاهتمام الغربي بالأزمة تقلص”.
وتقول دارين خليفة، محللة الملف السوري في مجموعة الأزمات الدولية: “في الواقع تحفز ديناميكيات ومخاطر الصراع القوى الأجنبية على البقاء في سوريا. وطالما فعلوا ذلك، فمن المرجح أن يستمر المأزق الحالي وهو يشبه تقسيما فعليا للبلاد”.
ويتابع مراسلا فاينانشيال تايمز توضيح الصورة في الشمال السوري، إذ يقولا إن المدارس، في المناطق الثلاث التي تتحكم فيها أنقرة، تُدرس اللغة التركية كلغة ثانية ويُعالج المرضى في مستشفيات تركية بنيت في تلك المناطق، كما أن الكهرباء تأتي عبر تركيا، والليرة التركية هي العملة الأكثر تداولا.
وعلى الصعيد الأمني، تدرب أنقرة وتدفع الرواتب لأكثر من 50 ألف مقاتل سوري، ونشرت قواتها في سوريا، وبنت قواعد عسكرية عملاقة على الحدود وحائط حدودي بطول 873 كيلومتر.
ويرغب أردوغان – بالإضافة إلى إنهاء وجود وحدات حماية الشعب الكردية ذات الصلة بحزب العمال الكردستاني – في إنشاء منطقة آمنة لتشجيع عودة ما يقرب من 3.7 مليون لاجئ سوري، إذ أصبح وجودهم في تركيا غير مقبول شعبيا.
الصحفي المختص في الشأن التركي، سركيس قصارجيان، يرى أن سياسات أنقرة تقوم على المتغيرات السياسية والإقليمية والدولية، حيث أن “أحلام الرئيس التركي في شمال سوريا والعراق ليست جديدة“.
ويقول قصارجيان، في تصريحات صحفية: “أنقرة في الأساس هي أحد مشاكل الأزمة السورية وليس طرفا للحل فيها“.
وحول طرح تركيا لمشروع المنطقة الآمنة كحجة لتوسيع نفوذها في سوريا، يضيف قصارجيان: “نتذكر أن أنقرة طرحت مشروع المنطقة الآمنة منذ بداية الأزمة السورية، وهو لم يلق قبولا، لا على المستوى الإقليمي، ولا على المستوى الدولي. ما لم تنجح أنقرة في تحقيقه عندما كانت المفوض من قبل “أصدقاء سوريا” لن تنجح في تحقيقه اليوم وحيدة“.
ويعتقد قصارجيان، يعتقد أن السياسية التركية تتوجه حاليا للداخل التركي بشكل أكبر، وذلك بشكل يمكن أن يتوافق مع آمال الرئيس التركي في الاستمرار في الحكم لفترة رئاسية ثالثة بعد انتخابات العام القادم “وهو ما يبدو مستحيلا بدون حل أزمة اللاجئين“.
ومنذ 2016، شنت تركيا ثلاث عمليات عسكرية في سوريا، كان أولها “درع الفرات” (بين مدينتي اعزاز وجرابلس)، التي قامت ضد تنظيم “داعش” الإرهابي وسيطرت بموجبه تركيا وفصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة على مناطق في شمال غربي سوريا مثل مدن جرابلس والباب، التي كانت تحت سيطرة التنظيم الإرهابي، وتلاها ما أسمته تركيا بـ“غصن الزيتون” (عفرين) عام 2018، وعملية “نبع السلام” (بين مدينتي تل أبيض ورأس العين) عام 2019. هذه المناطق كانت تابعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وتشكل فيها “وحدات حماية الشعب” العمود الفقري، والتي تعتبرها أنقرة امتدادا لـ“حزب العمال الكردستاني” في سوريا، وهو الحزب المحظور في تركيا.