دمشق وبغداد ومحطات الالتقاء
موقع العهد الإخباري-
عادل الجبوري:
ثلاث نقاط محورية أضفت أهمية كبيرة على زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد للعراق في الثالث من شهر حزيران-يونيو الجاري، والنقاط الثلاث هي:
– عودة سوريا الى جامعة الدول العربية بعد اثني عشر عامًا من تعليق عضويتها لأسباب وحسابات وأجندات سياسية معينة، وجاءت هذه العودة عبر دعوة رسمية وجهت للرئيس السوري من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للمشاركة في القمة العربية الثانية والثلاثين في مدينة جدة السعودية الشهر الماضي.
– استئناف العلاقات الدبلوماسية بين ايران والسعودية بعد قطيعة كاملة دامت سبعة أعوام من خلال اتفاق مهدت له وبلورته على مدى أكثر من عامين أطراف عديدة أبرزها العراق وعمان، ورعته وهيأت له الصين.
– التنامي والتزايد الواضح والملموس في الحراك السياسي والدبلوماسي العراقي في الساحة الاقليمية باتجاه تطويق واحتواء أزمات المنطقة وحلحلة مشاكلها المستعصية، والبحث عن مسارات للتهدئة، وتقريب وجهات النظر والمواقف بين الفرقاء والخصوم.
ولعل التدقيق في النقاط الثلاث المشار اليها، يؤشر الى أن هناك تداخلًا كبيرًا في الملفات التي تهم كل من بغداد ودمشق، وأن أي مسار ايجابي بالنسبة لأي منهما لا بد أن ينعكس ايجابًا على الطرف الآخر، وهو ما تحدث وأفاض به كل من وزير الخارجية السوري ونظيره العراقي فؤاد حسين خلال المؤتمر الصحفي المشترك لهما في بغداد، فضلًا عن مجمل ما دار في لقاءات الوزير المقداد مع كبار الساسة والمسؤولين العراقيين.
ومعروف أن كل من العراق وسوريا، تأثّرا إلى حد كبير على مدى العقدين الأخيرين بالخلافات والتقاطعات والتجاذبات والتدخلات الاقليمية والدولية، وتجلى ذلك بظهور الجماعات والتنظيمات الارهابية التكفيرية، كالـ”قاعدة” و”داعش”، والاضطرابات السياسية الداخلية، والمشاكل والأزمات الاقتصادية، ناهيك عن التلكوء والضعف الكبير في عموم الخدمات الاساسية المتعلقة بشؤون واحتياجات المواطنين اليومية.
وكانت التداعيات الأمنية والسياسية في العراق وسوريا، قد ارتبطت على طول الخط بأوضاع وظروف المنطقة وطبيعة الحراك بملفاتها الساخنة ومستوى التأزم والتأزيم بين بعض أطرافها، في ذات الوقت فإن التعاون والتواصل والتنسيق فيما بينهما، لا سيما على صعيد محاربة الجماعات الارهابية، أثمر عن نتائج ايجابية، تجلت في نجاح كلا البلدين في افشال الأجندات والمشاريع الخارجية التي أريد من ورائها اغراقهما في الفتن والصراعات الطائفية والمذهبية، ناهيك عن محاولات دفعهما الى مسارات التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ولا شك أن التعاون والتنسيق في محاربة الارهاب، والوصول الى مخرجات جيدة في هذا الملف، فتح آفاقًا واسعة ورحبة لتعزيز العلاقات بين الجانبين، فضلًا عن بناء تحالفات استراتجية رصينة مع قوى اقليمية وعالمية كبرى، مثل ايران وروسيا والصين، إلى جانب توسيع مساحات حضور وتأثير محور المقاومة في مجمل معادلات الميدان. ولعل هذا ما اشار اليه الوزير المقداد من بغداد بقوله “ناقشنا الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب، فما يؤذي سوريا يؤذي العراق والعكس صحيح.. وان فرض الغرب إجراءات اقتصادية قسرية ليس الأسلوب المناسب للعلاقات بين الدول، وهذه الإجراءات فاقمت معاناة الشعب السوري ويجب رفعها، وان وجود سوريا في إطار مؤسسات الجامعة العربية سيعزز ثقل العمل العربي، ويعطي أملاً متجدداً للشعوب بأننا يد واحدة لمواجهة كل ما نتعرض له”.
وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد أكد في لقاءات له مع شخصيات سياسية وحكومية عراقية زارت دمشق مؤخرا، من بينها رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي فائق زيدان، ورئيس تيار الحكمة السيد عمار الحكيم، فضلا عن لقائه وزير الخارجية فؤاد حسين في مدينة جدّة السعودية، اكد “أن دور العراق السياسي والاقتصادي في المنطقة هو دور جوهري نظرا للوزن الذي يتمتع به هذا البلد تاريخيا وجغرافيا، ونظرا لمكانة العراق على الساحة الإقليمية، وان سوريا تنظر إلى العراق كتوأم وليس كبلد شقيق فقط”.
ويدرك الجانبان العراقي والسوري أهمية الانتقال والتقدم خطوات أخرى الى الأمام، فبعد تجاوز خطر الارهاب وافشال أجندات التخريب والتدمير، وبعد الانفتاح العربي مجددًا على سوريا، وحلحلة مجمل ملفات المنطقة الشائكة، والتفاهمات والتوافقات البناءة بين الفرقاء والخصوم، باتت الظروف والاجواء مهيأة تماما لتفعيل العلاقات الاقتصادية بين بغداد ودمشق، وبما يسهم في التخفيف من حدة الضغوطات والتحديات الكبيرة التي تواجههما على هذا الصعيد، لاسيما سوريا.
وكان ملف التعاون والتنسيق الاقتصادي، أحد ابرز الملفات التي طرحت على طاولة المباحثات بين وزير الخارجية السوري والمسؤولين العراقيين، علما انه كان هناك حراكا ايجابيا ملموسا بهذا الشأن. ففي مطلع شهر ايار-مايو الماضي زار وزير التجارية العراقي اثير الغريري دمشق على رأس وفد حكومي رفيع المستوى للمشاركة في اعمال الدورة الحادية عشرة للجنة المشتركة العراقية السورية، بعد ان كانت اللجنة المذكورة قد عقدت دورتها العاشرة في بغداد في شهر اذار-مارس الماضي. وقد شهدت الدورتان نقاشات معمقة من اجل تعزيز وتطوير التعاون في ميادين التجارة والاستثمار والثقافة والسياحة والإعلام والتربية والتعليم والرياضة والشباب، فضلا عن ابرام ست مذكرات تفاهم في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والأشغال العامة والإسكان والتربية والتعليم العالي والبحث العلمي والإعلام، إضافة إلى بروتوكولين تنفيذيين في مجالي الثقافة والسياحة.
ولا شك أن فترات مواجهة الارهاب والاضطراب السياسي والمشكلات مع الخارج، قد عطلت وضيعت الكثير من فرص تنمية العلاقات العراقية السورية بجوانبها المختلفة، الا انها لم تمنع تواصل الجهود من كلا الطرفين لتحويل التحديات والتهديدات الى فرص لتعويض الخسائر وتحقيق المكاسب. وهذا هو بالفعل ما يبدو واضحا الان، واذا صحت بعض التسريبات المتداولة من داخل بعض الاوساط والمحافل السياسية العراقية عن زيارة سيقوم بها الرئيس السوري بشار الاسد للعراق خلال الشهور القلائل المقبلة، فأن عجلة التعاون بين بغداد ودمشق ستدور بوتيرة اسرع، وتؤتي بنتائج اكبر وافضل.