دمشق طهران وأبو ظبي… إستراتيجية مراجعة السياسات
جريدة البناء اللبنانية-
د. حسن مرهج:
بعد سنوات الحرب التي فُرضت على سورية، لا يُمكن لأحد من متابعي الشأن السوري، أن يُنكر حقيقة جوهرية، تتمثل في أن دمشق، باتت عنواناً مركزياً لمعادلة مراجعة الإستراتيجيات، من قِبل الدول التي شكلت رأس حربة في العدوان على سورية، وبذات التوقيت، فإنّ دمشق اليوم، وخاصة بعد سنوات الحرب، ودمار البنية التحتية، وجُملة الأزمات المركبة والمعقدة، التي جاءت كنتيجة طبيعية لسنوات الحرب، فهي اليوم، بحاجة أيضاً لوضع استراتيجيات ومقاربات جديدة، لمواجهة التحديات بعناوينها السياسية والاقتصادية والأمنية، ولا سبيل لذلك، إلا عبر سياسة التشبيك، ونسج علاقات بآفاق جديدة، مع محيطها الإقليمي، وبين هذا وذاك، فإنّ الموقع الجيوسياسي لسورية، يمنحها ورقة استراتيجية بمميّزات استثنائية، للعب دور إقليمي فاعل ومؤثر، كما كان عليه دور دمشق، قُبيل اندلاع الأزمة في سورية.
حقيقة الأمر، وضمن ما سبق، وربطاً بموقع سورية الجيوسياسي، وعطفاً على انتصار دمشق، يُمكن من خلال ذلك، فهم طبيعة وماهية العودة العربية إلى نسج علاقات جديدة مع دمشق، من هنا، فإنّ الإمارات العربية المتحدة، استشعرت أهمية دور دمشق الإقليمي، وضرورة الحفاظ على سورية، لِما تُمثله من عمق عربي فاعل ومؤثر، مع فهم طبيعة الدور الإيراني في سورية، بوصفها شريكة استراتيجية لدمشق، ويمكن بناء معادلة جديدة، عنوانها دمشق طهران وأبو ظبي، لإعادة رسم معالم الاقليم، ووضع استراتيجيات سياسية واقتصادية، تُشكل في المضمون، معادلة تهدئة، وبحث عن موجبات الحلول والاستقرار.
وبالتالي، فإنّ الحاجة العربية والإقليمية لدمشق، باتت ضرورة للخروج من الأزمات والتحديات، التي عنونت سنوات ما يُسمّى الربيع العربي؛ هذه الحاجة تنطلق من مُحدّدات عدة، أوّلها وفي مقدّمتها، أنّ الدور العربي لا يُمكن له أن يُحقق حالة من الاستقرار، دون دمشق، وفي جانب آخر، فإنّ طهران على اعتبار أنها حليفة دمشق الاستراتيجية، ولها دور إقليمي فاعل ومؤثر، فإنه أيضاً لا بدّ من التنسيق معها، لمحاولة تبريد ملفات عموم المنطقة، وسورية أيضاً، هي اليوم بحاجة ماسة لقوى المنطقة، بُغية الخروج من أزماتها، لذلك، فإنّ العودة العربية ممثلة بزيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، ومن ثم الزيارة الإماراتية إلى طهران، تحمل عناوين دبلوماسية وسياسية، للوقوف على محدّدات إنهاء الأزمة السورية، وحلّ مسألة الانقسام الاقليمي، ليكون كلّ ذلك، مساراً جديداً لمراجعة جُملة السياسات التي عنونت مشاهد العقد المنصرم.
بوضوح، فإنّ ما تشهده دمشق اليوم، من نهج متصاعد للانفتاح عليها، وهندسة واقع جديد لفكّ الحصار عنها وعن السوريين، لم يكن ليتصاعد لولا صمود الدولة السورية ومؤسساتها، ولولا استراتيجية الرئيس الأسد في توظيف مسارات الحرب، وأبدلها بفرص وميزات، وعطفاً على ذلك، فإنّ لحلفاء دمشق دوراً محورياً وأساسياً في صمود سورية، لتأتي مبادرة الإمارات، لُتضيف إلى دمشق، أهمية خاصة، تتمثل في ضرورات العودة إلى دمشق، وإعادة تفعيل دورها الإقليمي.
ختاماً، في السياسة لا شيء ثابت، لكن في العمق، فإن دمشق واستراتيجيتها، فرضت على القوى الإقليمية وكذا الدولية، ضرورة احترام سورية، والعودة إليها من بوابة أهمية دمشق في الاقليم، واليوم فإنّ المعادلة تتوضح أكثر فأكثر، لجهة دمشق طهران وأبو ظبي، وقيادة معادلات إقليمية جديدة.