دمشق ترفع الحرج عن الجزائر: التوافق العربي أهم من القمة
موقع العهد الإخباري-
محمد عيد:
رفعت دمشق الحرج عن ـ الجزائر ـ الدولة العربية التي لا تزال تنشد الإجماع العربي، وأبلغتها رسميًا عزوفها عن حضور إجتماعات القمة العربية في هذا البلد العروبي الأصيل، حرصًا منها على أن لا يتفرقوا أكثر مما هم عليه، وتكريسًا لسياستها القائمة على تعزيز علاقاتها الثنائية مع الدول العربية، بعيدًا عن سياسة الجامعة المرهونة قراراتها بالمطلق لواشنطن، ورغبة منها في افهام من يدعونها للعودة بشروطهم، أنها سيدة نفسها، وأن قرار العودة حين يتخذ سيكون محكومًا بأسباب سيادية بعيدة عن استعطاف العرب الذين لم يدخر جلّهم أي جهد لتدمير سوريا.
دمشق الجامعة
يرى الباحث السياسي خالد عامر أن دمشق طالما حاولت أن تكون جامعة للعرب تعزف وإياهم على مواقف ثابتة تشد بعضهم ببعض وتنال من عدوهم.
وفي حديث خاص بموقع “العهد” الإخباري أكد عامر أن دمشق وفقت أحيانًا في هذا المسعى فيما فاقت الشرذمة العربية قدرتها على الجمع بينهم أحيانًا أخرى، مشيرًا إلى أن حرب تشرين عام ١٩٧٣ كانت مثالًا صارخًا على جمع دمشق للعرب وتحفيزهم من أجل دعم المجهود الحربي المشترك مع مصر في الحرب والذي أثمر ما يمكن توصيفه في ذلك الوقت باستعادة الثقة بالقدرات العربية من نواح عديدة.
وأضاف عامر إن دمشق لم تستطع إقناع العرب في ما كان يسمى بـ”مفاوضات السلام” مع الكيان الصهيوني التي أعقبت حرب الخليج الثانية بأن يذهبوا في وفد عربي واحد إلى المفاوضات لأن العرب رضخوا لشروط واشنطن حين ذهبوا فرادى، الأمر الذي جعلهم ضعفاء تخشى كل دولة فيهم أن تهتم واشنطن بمسار تفاوضي مع غيرها، ما فتح الباب على تقديم تنازلات كبيرة في المبادئ والمفاوضات باستثناء دمشق التي لم تفرّط في شبر واحد من أرضها ولم توقع على اتفاق ذليل.
أسباب الرفض
وشدد المحلل السياسي خالد عامر في حديثه لموقع “العهد” الإخباري على أن حديث وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لنظيره الجزائري في سياق تبريره لعدم حضور سوريا للقمة العربية، رغم الرغبة الجزائرية الواضحة في ذلك، و”المساعي النبيلة” لهذه الدولة العربية في استكمال الصورة عربيًا بحضور سوريا، مرده إلى رغبة دمشق في إظهار موقفها التاريخي الأصيل من مسألة توحيد الصف العربي وعدم طرح قضايا جدلية مثل طرح مسألة إعادتها لمقعدها في الجامعة العربية خلال القمة المقبلة في الجزائر، سيما وأن الإجماع على عودتها لم يتحقق بعد وهي استشعرت وجود “محاولات جدية” لإفشال قمة الجزائر، وربما إلغاءها بدليل الهجوم الإعلامي الخليجي والعربي العنيف على سياسات الجزائر الوطنية والقومية، رغبة في إثارة القلاقل وتوجيه رسائل مبطنة للقيادة الجزائرية بالاستمرار في افتعال الأزمات، إن لم تتوقف عن المطالبة بحضور سوريا القمة. وقد لوحظ توقف هذه الحملات بعد تظهير دمشق لموقفها من القمة ورفعها الحرج عن الجزائر التي ثمنت الموقف السوري عاليًا وعكست وجود توافق سوري ـ جزائري حول تأجيل طرح موضوع شغل سوريا لمقعدها الشاغر في الجامعة العربية إلى ما بعد قمة الجزائر.
ولفت عامر في حديثه لموقعنا إلى أن سوريا تعي جيدًا أن ظروف عودتها إلى الجامعة العربية لم تنضج بعد، وهذا سبب كاف لعدم طرح الموضوع في القمة حيث ستغيب أية قيمة مضافة لهذه العودة في هذه المرحلة التي يشوبها الكثير من الصراعات الداخلية بين العرب أنفسهم وبين بعضهم ودمشق، وما دون ذلك هو “استعجال في غير محله” ويمكن له أن يأتي بـ “نتائج عكسية” من قبيل تعقيد الوضع العربي أكثر واستشراء الخلافات وربما نشوء المحاور الجديدة، وهو أمر لا ترغب فيه دمشق التي تصر على أن الحد الأدنى من التفاهم العربي هو الأجدى بالنسبة لها وبصرف النظر عن طبيعة هذا التفاهم فهو أفضل من انفجار الخلافات الثنائية داخل إجتماعات القمة.
عامر أشار إلى أن دمشق وبموقفها هذا نجحت في تجريد بعض “الغلاة” في الجامعة من استخدام ملف العودة كعامل ضغط عليها بإظهارها نوعاً من “اللامبالاة” تجاه حضورها من عدمه وتأكيدها أن قرار تجميد عضويتها غير قانوني ولم يحقق الإجماع العربي في حينه ودمشق تركز على أنها معنية فقط بالامتنان للجزائر على سياستها ومحبتها وموقفها المشرف فيما نجحت هي في توجيه رسالة لبعض العرب المتحفظين على عودتها تقول بأن الأمر لا يشكل عبئًا عليها وهي خرجت إلى حد بعيد من عزلتها العربية والدولية بدليل علاقاتها الثنائية المميزة مع العديد من الدول داخل الجامعة العربية وخارجها.