دمشق – بكين: وفخ الدعاية الغربية!
صحيفة الوطن السورية-
د. بسام أبو عبد الله:
ما إن وقّعت دمشق وبكين على مذكرة التفاهم الخاصة بانضمام سورية لمشروع الحزام والطريق، حتى انطلقت حملة إعلامية غربية تقودها وسائل الإعلام الأميركية مدعمة بالبريطانية للتشكيك في جدوى هذه المذكرة، وللقول إن سورية وقعت فيما تسميه هذه الحملة «فخ الديون الصينية»، وهي رواية تروج لها هذه الأدوات الإعلامية لتشويه سمعة الصين دولياً، وللتشكيك في مبادرة الحزام والطريق، وكأن الولايات المتحدة أو بريطانيا هي جمعيات خيرية أغدقت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية خيراتها على الشعوب، ولم تستعمر أحداً أو تهندس أنظمة سياسية، ومجتمعات وفقاً لمصالحها.
يقول المؤرخ الأميركي وليام بلوم في دراسته في كتاب «قتل الديمقراطية» الذي نشر بالروسية عام 2014، وترجمته وزارة الثقافة السورية عام 2017 إن واشنطن ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية: حاولت إسقاط أكثر من خمسين حكومة أجنبية، معظمها منتخبة ديمقراطياً، وتدخلت في الانتخابات الديمقراطية فيما لا يقل عن ثلاثين دولة، بشكل فظ، وحاولت إبعاد أكثر من خمسين زعيماً أجنبياً باستخدام القوة، وقصفت شعوب أكثر من ثلاثين دولة، وحاولت قمع الحركات الشعبية أو حركات التحرر الوطني في عشرين دولة، وهذه التدخلات الأميركية، حسب وليام بلوم، كانت تحدث بشكل منتظم بغض النظر عمن يحكم أميركا الجمهوريون أم الديمقراطيون، أو إذا كان الرئيس من المحافظين أو من الوسط، أبيض أو ذا بشرة داكنة، لا فرق، المهم أنه عند ظهور أي دولة أو حركة أو زعيم ينوي مقاومة الإمبراطورية الأميركية، والشركات المرتبطة بها، فهذا يعني أنه سيكون هدفاً لأميركا.
ينقل بلوم عن روبيرت كوبير، المستشار السابق لرئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، قوله خلال الحرب على العراق: «إن أصعب مشكلة في التاريخ العالمي الحديث هي استخدام مفهوم المعايير المزدوجة، عندما نتواصل مع بعضنا بعضاً فإننا نرتكز على أسس القوانين ومفاهيم الأمن استناداً إلى التعاون العلني، لكن عندما نتعامل مع الدول من الطراز القديم أي خارج حدود القارة الأوروبية يجب علينا العودة لاستخدام الأساليب الفظة للعصر السابق، أي إلى القوة والضربات الاستباقية، والخداع».
أي إن واشنطن ولندن وبعض دول الغرب الأخرى، تلجأ للنفاق والكذب، والمعايير المزدوجة كأحد أخطر الأدوات ضد خصومها ومنافسيها، هذا ما نلاحظه بالهجوم على مشروع الحزام والطريق، والحديث الفارغ عما يسمونه «فخ الديون» الذي يتجدد مع انضمام كل دولة جديدة لهذا المشروع العالمي العملاق الذي يفتح بوابات جديدة خارج إطار الهيمنة الغربية المستمرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عبر صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، الأمر الذي دب الرعب في قلوب أصحاب الاستثنائية الأميركية التي سقطت أمام عيون العالم.
رواية واشنطن حول انخراط الصين في دبلوماسية «فخ الديون» تصفها أستاذة الاقتصاد السياسي الدولي في جامعة «جون هوبكنز» ديبورا براوتيجام أنها مجرد خرافة، وتقول إنه بعد تدقيق آلاف الوثائق الخاصة بالقروض الصينية، ومعظمها لمشروعات عديدة لم تجد أي دليل على أن الصين تستولي على أصول دول أخرى فشلت في سداد القروض، وأن الصين أعفت 20 دولة إفريقية من الديون، وألغت قروضاً معفاة من الفائدة عام 2020، وأما ديفيدشين الأستاذ في كلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن فيصف الرواية الأميركية حول دبلوماسية فخ الديون بأنها معيبة ومخجلة!
وإذا كان لا مكان للعيب والخجل في آلة الدعاية الأميركية – الغربية، فإن علينا عدم الوقوع في فخ هذا النمط من الدعاية الذي انفضح، وانكشف في حالة الحرب الفاشية على سورية، ففي الوقت الذي كانت آلة الدعاية هذه تتحدث عن حقوق الإنسان، والحريات في سورية، كانت تخفي تمويل ودعم آلاف الإرهابيين من جنسيات العالم المختلفة بمن فيهم الأويغور الصينيون لا بل تزودهم بالسلاح والمعدات، والغازات السامة، وهو الأسلوب نفسه الذي تتبعه في الدعاية المضللة في قضية تايوان، والأويغور، أو أوكرانيا بهدف إشعال الحروب، وتدمير المجتمعات ضمن إطار مواجهة القوى التي ترفض الهيمنة الأميركية سواء أكانت دولاً كبرى كالصين وروسيا، أم صغيرة من حيث المساحة والسكان مثل سورية، فلا فرق هنا!
ولذلك فإن استخدام الصين لحق النقض الفيتو 10 مرات لمصلحة سورية من أصل 16 مرة استخدمته الصين في تاريخها، لم يكن إلا من أجل تثبيت قواعد جديدة للنظام الدولي تقوم على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وحقها في بناء نظامها السياسي الاقتصادي وفقاً لظروفها الخاصة، على عكس الولايات المتحدة التي تدعي حرصها على ما تسميه «حقوق الإنسان والديمقراطية»، وفي الوقت نفسه فإن تاريخها مليء باحتقارها لكل قواعد القانون الدولي، وحرية الشعوب في تقرير مصيرها.
إن ما يجمع دمشق وبكين بالطبع هو المصالح المشتركة، وكذلك المبادئ والقواسم السياسية المختلفة، فدمشق مهمة في مشروع الحزام والطريق وهي بوابة أساسية شرقي المتوسط، وموقعها الجيوسياسي، ووزنها الإقليمي مهم للصين ومشروعها العملاق، إضافة لذلك فإن دمشق بحاجة بكين في عملية إعادة الإعمار التي يجب أن تنطلق من إدخال التكنولوجيا المتقدمة، إضافة لطرق التفكير والعمل الجديدة بهدف تحقيق المنفعة المشتركة، والاستفادة من التجربة الصينية الرائدة في النهوض بالمجتمع، وتحقيق التقدم والرفاه.
لقد قدمت دمشق منذ عام 2019 مشاريع إستراتيجية عملاقة ذات علاقة بمشروع «حزام واحد طريق واحد»، وهي مشاريع تحقق نهضة تنموية حقيقية لسورية، وتخدم رؤية الصين لمشروعها، وأعتقد أن زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى دمشق في تموز 2021، ولقاءه بالرئيس بشار الأسد كان أوضح رسالة سياسية صينية، والأهم الاتصال الهاتفي المطول بين الرئيسين الأسد وشي جي بينغ الذي تم التأكيد خلاله على العلاقات القوية بين البلدين، وعلى دعم الصين لسيادة سورية واستقلالها الذي ترجمته بـ«عشر فيتوات» تمهيداً لنظام عالمي جديد، دفعت سورية ثمناً باهظاً من أجله، والذي ما يزال في مرحلة المخاض الكبير.
إن فخ الدعاية الغربية الذي يراد منه في كل مرة إقناعنا أن الغرب ما يزال هو طوق النجاة الوحيد، يجب التخلص منه، فلا يمكن لمن دمرنا، ودفع بآلاف الإرهابيين إلى بلادنا، وما يزال يعيد تدوير بقايا عصاباته الداعية، أن يكون مخلصنا، في الوقت نفسه فأصدقاؤنا دعمونا، وشاركونا في هذه الحرب التحولية الكبرى التي لم تضع أوزارها بعد، ولكن حذار أن نقع في فخ الدعاية الغربية التي يصفها هارولد بينتر الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 2005 بأنها «جلسة تنويم مغناطيسي رائعة وناجحة بشكل كبير»، لأنها تقدم أميركا على أنها قوة تدافع عن الخير العالمي، فهل يمكن أن نُخدع مرة أخرى بهذا الفخ الدعائي الأميركي، الذي انتقل من محاربة الشيوعية، إلى محاربة الإرهاب، إلى محاربة الأنظمة الاستبدادية كآخر اختراع أميركي في دعايته التي بالرغم من قوتها، علينا أن نفككها وندحضها بالحجة والبرهان، فاقرؤوا تاريخ أميركا بعناية وستجدون هناك الحجة والبرهان على ما نقول.
إن تعاوننا مع أصدقائنا في بكين ليس مشروعاً رومانسياً، بل مشروع حقيقي سيرى النور مهما عملت الدعاية الغربية على التشكيك به، فمستقبلنا يجب أن نصنعه بأيدينا حكماً.