دلالات انتصار غزة
صحيفة الاستقلال الفلسطينية ـ
هيثم محمد أبو الغزلان:
أفشلت المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها سرايا القدس وكتائب القسام، أهداف الكيان من عدوانه الهمجي على قطاع غزة. وانقلب السحر على الساحر، كما يُقال، وبات الذي كان يريد من المقاومة الاستسلام والخضوع لشروطه، هو المهزوم الساعي إلى تهدئة لم يحقق منها ما كان يسعى إليه، على الرغم من ارتكاب المجازر في سعي إلى تغيير الصورة المهزوزة عبر سلسلة من المذابح بحق المدنيين…
ظن الإسرائيلي أن استمراره في عمليات الاغتيال وتصعيد عدوانه ضد القطاع، سيُلجم المقاومة ويكبّلها، إلا أن رد المقاومة على اغتيال الشهيد أحمد الجعبري، أثبت بما لا يدع مجالاً للشك قدرة المقاومة على الصمود والمواجهة وصنع معادلة جديدة: عسكرياً وسياسيا.. وهذا ما يُلاحظه المرء من تصريحات قادة الكيان عند إعلان التهدئة في تركيز بينامين نتنياهو وإيهود باراك وافيغيدور ليبرمان على مدح أنفسهم على الانجازات التي حققوها!!!
ولكن وعلى أرض الواقع لم تستطع “إسرائيل” من عدوانها إعادة ترميم قوة الردع التي تضررت على أيدي المقاومة، أو تدمّر مخزون الصواريخ لديها، بما يمنعها من استهداف المستوطنات الإسرائيلية، ويُخرج تلك المستوطنات من دائرة الخوف المستمر من الصواريخ. وهذا كله لم تستطع إسرائيل النجاح فيه، بل خلقت الوحدة الميدانية للمقاومة، وقدرتها على مواصلة عمليات إطلاق الصواريخ واستهداف آلة الحرب الإسرائيلية نجاحاً للمقاومة بما يخلق معادلة جديدة.
إذاً لم تستطع “إسرائيل” أن تحافظ على قدرة الردع لديها، ولم تستطع إبقاء المستوطنات والمدن الفلسطينية المحتلة في العمق بعيداً عن مرمى الصواريخ، ولم تستطع إنهاء عمليتها العدوانية بشكل خاطف وسريع بعد تحقيق ما كانت تصبو إليه من الأهداف… بل على العكس من ذلك وصلت الصواريخ الفلسطينية لتل أبيب والقدس، واستهدفت المقاومة الطيران الإسرائيلي، وكذلك استهدفت البوارج الحربية، وأدخلت أسلحة جديدة إلى ميدان المعركة (كورنيت، فجر 3 و 5، M75…)، والأهم احتفاظ المقاومة بأسلحتها بعيداً عن الاستهداف، والاستمرار بالقصف حتى اللحظة الأخيرة.
أما دلالات انتصار المقاومة في القطاع فتتلخص بـ:
– حققت المقاومة انتصارا سياسياً وعسكرياً مزدوجاً؛ فهي من جهة أفشلت أهداف الكيان “وقف الصواريخ، وإعادة ترميم قدرة الردع، وتسديد ضربات قوية لحركات المقاومة، وتقليص المساس بالجبهة الداخلية الإسرائيلية، بل قامت المقاومة بتوسيع دائرة استهدافها للمدن تل الربيع والقدس..”، وسياسياً منعته من الحصول على ما لم يستطع الحصول عليه على أرض الميدان، وجاءت تفاهمات التهدئة كما أرادت المقاومة وانعكاساً للواقع الميداني..
وهنا يكمن مغزى الصواريخ الفلسطينية التي أصابت “تل أبيب” والقدس، مغزى الرسالة أن الأمن ممنوع على المستوطنين، وأن المعادلة قد قلبتها المقاومة، وأن ما تُخفيه المقاومة من مفاجآت سيُغير ليس فقط المعادلات الموجودة، وإنما الأمور تشير إلى إصرار حقيقي على عملية التحرير وأن المسألة مسألة وقت.. فهذه الصواريخ الفلسطينية استطاعت إفشال القبة الحديدية، ومن المشكوك فيه أن تحقق “إسرائيل” أرباحاً مالية تقدرها بالملايين من مُشتري القبة الحديدية، بعد فشلها في اعتراض الصواريخ الفلسطينية التي انهمرت على العمق الإسرائيلي.
– التردد الواضح في القيام بعملية عسكرية برية، لنقص المعلومات الاستخبارية، وهو بالمناسبة أحد المسائل الأساسية التي ستحقق بها لجنة التحقيق مع نتنياهو بسبب الإخفاق في العملية على القطاع.
وكتب ناحوم برنياع: “حينما نهدد لا يكفي تجنيد القوات بل يجب الإقناع بأن للعملية البرية هدفاً يُسوغ الكلفة وهي سقوط الجنود وقتل المدنيين في الجانب الثاني وفقدان التأييد في العالم. وقد أوضح باراك في التوجيهات التي أصدرها إلى الجيش الإسرائيلي أنه لا يؤمن بأن العملية البرية ستغير الوضع، وهو يلتزم بالأهداف التي حددها في الحد الأدنى”.
ومنذ بداية العدوان توقع دان مرغليت في (إسرائيل اليوم) بالنهاية القاسية لها عندما كتب: “لا شك في أن “عامود سحاب” قد انطلقت في طريقها بخطوة صحيحة، لكن من المفهوم أن النهاية ستكون قاسية بصورة مميزة”.
– تحقق وحدة ميدانية بين فصائل العمل المقاوم في القطاع، وحالة تضامنية واسعة في الضفة والشتات… وهذا يتطلب البناء عليه من أجل تحقيق الوحدة الوطنية على أساس برنامج وطني متفق عليه وإنهاء الانقسام..
– تغيُّر الظروف الإقليمية وتحول مصر من طرف ضاغط على المقاومة لفرض التهدئة، بل أعلنت حرب “الرصاص المصبوب” عام 2008، من القاهرة، أما اليوم فإن هذا المُعطى لم يعد كما كان، بل أصبحت القيادة والشعب المصريان معاً إلى جانب الفلسطينيين.
– لم تعد القضية الفلسطينية على هامش القضايا بعد “الربيع العربي”، وإنما تم إعادتها إلى موقعها الصحيح لتتصدر الأولويات.
وفي العموم إن استمرار المقاومة في المواجهة حتى لحظة دخول التهدئة حيز التنفيذ، وقدرة الشعب الفلسطيني في القطاع على الصمود، وحالة الوحدة والتضامن البارزة فلسطينيا، وإلى حد ما عربيا، وحالة الدعم من محور الممانعة قد حققت نصراً جديداً، ليس للفلسطينيين وحدهم، بل ربما يحرف كل البوصلات الضائعة إلى اتجاه القدس لتحديد ساعة الصفر لبدء عملية التحرير.