دلالات الظهور المفاجئ للأسد في داريا ونصرالله في الضاحية
صحيفة السفير اللبنانية ـ
سامي كليب:
تؤكد المعلومات الأمنية المتوفرة لدى أصحاب الشأن، أن إسرائيل كانت تراقب بدقة كبيرة كل التحركات السورية والإيرانية، وتلك التي يقوم بها «حزب الله» بشأن نقل الأسلحة المتطورة من طهران إلى الحزب عبر دمشق. دمرت جزءا بسيطا منها، وعجزت عن معرفة طريق أو مخابئ الجزء الأهم. تابعت عمليات الرصد من «الأعلى» عبر وسائل حسّاسة جدا، وساعدها في ذلك وجود قوات حلف شمال الأطلسي في المنطقة.
تبيّن للأطراف الثلاثة، أي دمشق وطهران والحزب، أن عمليات الرصد الإسرائيلية والأطلسية كثّفت منذ عامين مراقبة تحركات الرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله. دفع ذلك المولجين بأمن الرئيس السوري ومستشاريهم (غير السوريين في بعض المرات) إلى فرض خطط تقضي بعدم التحرك في عدد من الأماكن الحساسة. لكن هذا لم يمنع الأسد من «إزعاج» الأمنيين في بعض التحركات ومخالفة نصائحهم والخطط.
ماذا استجد إذا؟
تقول المعلومات الأمنية، إن الأسلحة التي كانت تشغل إسرائيل قد وصلت إلى «حزب الله». ربما وصل أهم من تلك التي كانت تعتقد أنها ستصل. بات الحزب مع سوريا وإيران قادراً فعلا على تكبيد إسرائيل خسائر هائلة، إذا ما أقدمت على مغامرة عسكرية.
أضيـــف إلى ذلك تعــديل جوهري في الإستراتيجيات العسكرية المشتركة، بحيث أصبح احتمال مواجهة إسرائيل أولوية. ادخل ذلك قلقا مضاعفا عند الإسرائيليين، خصوصا بعد معركة القصير. أصبح القادة الإسرائيليون يأخذون بعين الاعتبار أن الحزب انتقل من القتال في وضع الدفاع وعلى أرضه، إلى الهجوم وعلى أرض غير أرضه… ويربح المعركة. في دمشق قرار مركزي الآن يقول: «سنرد بقوة على إسرائيل إذا ما اعتدت مجددا. نحن ليس لدينا ما نخسره بعدما دمرت الحرب الكثير عندنا وتوقفت الحركة الصناعية، أما هي فسوف لن تحتمل انهمار الصواريخ وشل الحركة في مناطق عديدة وتدمير بنى تحتية مرصودة بدقة».
يدرك السيد نصر الله أن إسرائيل تريد استهدافه. هو هدف دائم منذ حقق أكثر من انتصار على جيشها. لم يكن ظهوره أمام مناصريه إذا من قبيل «المغامرة». بات يعرف تماما أن إسرائيل ستشتعل الأرض تحت أقدامها إذا ما تخطت هذه المرة حدودها. لم يكن بالصدفة قوله، قبل فترة، إن المقاومة هذه المرة ستدخل إلى فلسطين، ثم تأكيده قبل يومين الرغبة في اقتلاعها من الوجود.
لم يكن بالصدفة أيضا تعريج السيد نصر الله على خصوصيته «الشيعية». ربما أزعج الأمر بعض محبيه لكونهم اعتادوا عليه «سيدا عربيا» وليس سيدا شيعيا فقط، ولكن للأمر أهمية قصوى هذه المرة من منظور التحليل المشترك الإيراني ـ السوري ـ «حزب الله».
قال السيد هذا الكلام فيما الأميركيون يصولون ويجولون في المنطقة لتمرير «صفقة» تسوية غريبة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لا بأس إن هم أسقطوا الدور الأوروبي في مصر ليعودوا إليها بمبعوثيهم يستفيدون من الأزمة الحالية التي أدت في بعض تفاصيلها إلى تدمير أنفاق غزة وتطويق حركة حماس. هم يدركون تماما أن الحركة كادت تفقد رصيدها العسكري والمالي مما كانت توفره إيران وسوريا والحزب، لكنهم فوجئوا قبل فترة بأن طهران والحزب عادا يفتحان الأبواب أمام بعض قادتها، لإدراكهم بضرورة الحفاظ على الجانب المقاوم.
أراد السيد حسن نصر الله بتركيزه الكبير على فلسطين، في اليوم العالمي للقدس، التأكيد على أن لا تسوية ستتم من دون «الشيعة» أو من دون محور المقاومة. قال هذا الكلام ليؤكد أن كل محاولات تضخيم وتعزيز الفتنة المذهبية الشيعية ـ السنية لن تؤثر مطلقا على أن البوصلة تبقى فلسطين. هذا الكلام دقيق ووجهته واضحة. السيد يخاطب الأميركيين وقاعدتهم العسكرية المتقدمة في المنطقة، أي إسرائيل. يكفي أن يتابع المرء خضة إسرائيل منذ أن شاهدت السيد أمام مناصريه وكيف تسابق الإعلام على رصد هذا «التهديد»، ليفهم حجم القلق.
في هذا المناخ بالضبط اطل نصرالله على شعبه في يوم يحمل رمزية كبيرة، أي اليوم العالمي للقدس. فكرة هذا اليوم هي إيرانية بامتياز. أطلقها الإمام الخميني. كان لا بد إذا من مناسبة كهذه تتخطى حدود المذهبية الضيقة والفتن المتنقلة والكيديات المحلية للعودة إلى فلسطين. كان في ذلك أيضا رسالة، ولكن من مكان عال جدا على كلام رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي صوّب سهامه على المقاومة في لحظة اشتباك قصوى بين المحورين.
ولأن الاشتباك في ذروته، تماما كما جس النبض بين الأميركيين والروس في ذروته، كان لا بد للأسد من الظهور في منطقة خطيرة وحساسة، هي داريا. كانت هذه المنطقة الواسعة مسرحا لاشتباكات عنيفة، ومقرا لخطر كبير، ومنطلقا لقصف مناطق مهمة في دمشق، بينها المزة. بدت لفترة طويلة عصيّة على الاختراق، تماما كالخالدية في حمص. سيطر الجيش على المنطقتين وهو يكمل التقدم.
لا يمكن القول إن الذهاب إلى داريا آمن مئة في المئة. لكن إيصال الرسالة في مناسبة «عيد الجيش العربي السوري»، تحمل من الرسائل ما لا يمكن حصره. فهي تقول من منظور السلطة، إن الخيار العسكري مستمر وهو يحقق انجازات. وتقول إن أي تسوية في جنيف وغيرها يجب أن تأخذ الأمر بعين الحسبان، رغم الإدراك السوري الرسمي بأن لا تسوية ممكنة في الأفق، وأن المستقبل مرهون لعمليات عسكرية نوعية. وتقول إن «النصر» الذي تحدث عنه الأسد لن يحققه سوى الجيش. وتقول إن لا قبول مطلقا «للإخوان المسلمين» في أي تركيبة مقبلة. داريا حساسة في هذا السياق. وأما على المستوى الإقليمي والدولي فهي تؤكد لإسرائيل و«الأطلسي» أن استهداف الأسد غير ممكن. هكذا أمر من الصعب التفكير به طبعا من دون تنسيق دقيق مع «حزب الله» وإيران، وخصوصا مع الدرع الديبلوماسي والعسكري والسياسي للنظام السوري على المستوى الدولي، أي روسيا.
وإذا ما أضيف إلى تزامن الظهورين المتعاقبين للأسد ونصر الله، كلام الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني حيال المنطقة وسوريا، والذي وازن تماما بين صلابة الموقف الديبلوماسي والعسكري من جهة والرغبة في الانفتاح من جهة ثانية، يفهم المرء تماما سبب الهيجان الإسرائيلي الذي عبّر عنه بنيامين نتنياهو حيال إيران وروحاني. يشير موقف روحاني حول الحوار مع أميركا وسرعة الرد الايجابي من الأميركيين إلى أن ثمة شيئاً ما يسير على الطريق ولو ببطء بين الجانبين. هذا أيضا يفتح الباب أمام احتمالات كثيرة، وفي هكذا لحظات يصعب تصور مغامرة إسرائيلية أو أطلسية ضد الأسد أو نصر الله، حتى ولو أن إسرائيل ليست من النوع المؤيد للصفقات والتسويات في المنطقة.
لعل هذا ما يفسر تماما يقين السيد نصر الله والأسد بأن محورهما مع إيران وروسيا وصولا إلى الصين بدأ ينتصر. هكذا قالا مؤخرا لزوارهما. بينما كان رئيس الاستخبارات العامة والأمن الوطني السعودي الأمير بندر بن سلطان يزور موسكو وسط تكثيف تصريحات المعارضة السورية السياسية والمسلحة الناقدة للغرب لأنه لا يستجيب.
ومع ذلك فالحذر كبير عند الأسد ونصر الله وحلفائهما من أن ما بقي من الصيف الحالي يحمل مخاطر عسكرية كبيرة، وربما اكبر من أي وقت مضى.