دلالات «الإبلاغ» الأميركي
صحيفة الوطن السورية-
عبد المنعم علي عيسى:
كشف موقع «واللا» الإسرائيلي الأسبوع الماضي معلومات على درجة عالية من الأهمية لجهة أنها تكشف، في العمق، عن التوجه الأميركي حيال التعاطي مع إيران في ضوء الأزمة الناشئة مع هذه الأخيرة في أعقاب رفض طهران للنص الذي قدمه الاتحاد الأوروبي، واعتبره نهائياً، صيف العام الماضي، كسبيل للوصول إلى اتفاق معدل عن اتفاق «فيينا» 2015 الذي ألغاه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب شهر أيار من العام 2018.
يقول التقرير الذي استند، كما ذكر واضعوه، على معلومات متقاطعة لـ10 مسؤولين إسرائيليين، أن إدارة الرئيس جو بايدن أبلغت كلاً من إسرائيل وألمانيا وفرنسا بأنها «عاكفة في هذه الآونة على دراسة إمكانية عقد اتفاق جزئي مع إيران»، وهذه الدراسة تقوم على معطيين اثنين، أولاهما أن تقوم إيران بتجميد أجزاء من برنامجها النووي يقضي بالوقوف عند درجة تخصيب لليورانيوم لا تزيد على 60 بالمئة، أما ثانيهما فهو أن تذهب الولايات المتحدة، بعد خطوة إيران آنفة الذكر، نحو تخفيف «وازن» للعقوبات المفروضة على هذه الأخيرة.
يشير «الإبلاغ» الأميركي سابق الذكر إلى العديد من المؤشرات في اتجاهات شتى، ولعل الأبرز منها يتعلق بالجانب الأميركي عينه، فواشنطن اليوم باتت موقنة تماماً بأن لا مشاكل تقنية تعترض البرنامج النووي الإيراني، وأن إيران باتت على مشارف «الجنة النووية»، وأن الذي يعترض العبور إلى تلك «الجنة»، بشكل معلن، هو القرار السياسي الذي تتأرجح خياراته، وحساباته، تبعاً للعديد من المعطيات وهو لا يزال يرى أن «اللحظة» المناسبة لم يحن أوانها بعد، والشاهد هو أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية مارك ميلي كان قد قال قبل أيام: «باتت المسافة المطلوبة ما بين المواد المطلوبة لإنتاج قنبلة نووية في إيران لا تتعدى 12 يوماً»، وإن كان قوله ذاك يحتمل المبالغة لجهة المدة القصيرة التي وضعها ولربما قصد من وراء ذاك تحفيز «صانع القرار السياسي» الأميركي على تحديد خياراته بسرعة لأن الوقت بات «خادماً» للإيرانيين، وهو «يلعب» ضد خصومهم.
تدرك واشنطن، من خلال النظرة السابقة، أنها أخطأت عندما ردّ مفاوضوها على طلب إيراني ورد في بداية المفاوضات، التي كانت «مبشرة» عشية انطلاقها بعد أشهر على وصول جو بايدن إلى سدة السلطة في واشنطن، بضرورة حصول طهران على «ضمانات» تمنع تكرار سيناريو أيار 2018، فالرد الأميركي كان صلفاً لدرجة أن المفاوض الأميركي قال: «ومن الذي يستطيع أن يقدم مثل ضمانات كهذه» قبيل أن يخفف من لهجته ليضيف: «عادة الاتفاقات تعكس مصلحة آنية وهي متغيرة ومن الصعب تقييد قرار أي رئيس أميركي مقبل في ضوء هذه الآلية»، والراجح هو أن هذا التعاطي الأميركي مع الطلب الإيراني هو الذي خلق عثرة على طريق مفاوضات لم تنجح الجولات التي تلتها في حلحلتها، على الرغم مما يقال عن إن هناك أسباباً عديدة حالت من دون التوصل إلى اتفاق من نوع «الدعم العسكري الذي تقدمه إيران إلى روسيا» في سياق صراع الأخيرة الدائر راهناً مع الغرب على الأراضي الأوكرانية، ومن نوع «قمع إيران» للتظاهرات في إيران التي جاءت على خلفية وفاة مهسا أميني، فهذه، وهي غالباً ما ترد كمبررات في وسائل إعلامية غربية، لا يمكن لها أن تقف عائقاً أمام مفاوضات ستكون النتائج التي ستؤول إليها، سواء نجحت أم فشلت، شديدة التأثير في التوازنات الإقليمية بل والدولية على حد سواء.
باتت تل أبيب الآن هي «قطبة» الصراع المخفية والمعلنة، فالأخيرة ترى أن إعلان إيران لنفسها «دولة نووية» مسألة تهدد «الأمن القومي» لكيان الاحتلال، ومن الصعب عليها المساومة في مسار يهدد وجودها ومصير من جمعتهم من أشتات الأرض، وهي ترى أن «الاقتراح» الأميركي إذ يعكس نزعة «تسووية» مع إيران ستكون على حسابها بالتأكيد، ترى أيضاً أن الأخير يرمز في سياق دلالاته إلى اتساع هامش المناورة لدى طهران إزاء ضغوط واشنطن، وهذا سيؤدي سريعاً إلى تبلور معادلات إقليمية برزت تباشيرها قبل وقت بالظهور، والاتفاق السعودي – الإيراني أنموذجا، وهي لن تصب على الإطلاق في جعبة المصالح الإسرائيلية، بل ومن المقدر لها أن تضعف «وظيفية» الكيان الذي قام أصلاً كذراع عسكرية قادرة على بسط هيمنتها على المنطقة، من حيث أنه وسيلة أقل تكلفة من التدخل الغربي المباشر في هذه الأخيرة، خصوصاً أن الوظيفية إياها سبق لها وأن عانت من عطب واضح إبان حرب 1991 و2003 على العراق.
رفضت إيران «المقترح» الأميركي الذي نظرت إليه تل أبيب على أنه محاولة لتبريد الجبهات مع طهران، في حين أن الأولى، أي تل أبيب، كانت ترى أن مصلحتها تسير عكس ذلك، وإذا ما كان من الصعب عليها القيام، منفردة، بعملية عسكرية تطول المنشآت النووية الإيرانية لأسباب تقنية ولوجستية، إلا أن الإحساس بـ«الخطر» إلى جانب تأزم الوضع الداخلي لدولة الاحتلال، سببان قد يجعلان كل السيناريوهات ممكنة.