دعم إدارة بايدن لمسار التّطبيع.. الرّسائل والأهداف
صحيفة الوفاق الإيرانية-
شرحبيل الغريب:
ثمة إرهاصات قوية تدفع سيناريو بدء تخطيط المملكة العربية السعودية للانخراط في مسلسل التطبيع في المستقبل القريب.
رغم الحديث المتكرّر في البدايات عن عدم حماسة إدارة جو بايدن الأميركية لدعم مسلسل التطبيع مع “إسرائيل”، خرج وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مجدداً في تصريحات علنية رسمية لأول مرة، خلال لقائه نظيره الإسرائيلي يائيير لبيد في العاصمة الإيطالية روما على هامش جولة أوروبية، عن دعم الإدارة الأميركية اتفاقيات التطبيع التي أبرمتها “دولة” الاحتلال الإسرائيلي مع دول خليجية وعربية أخرى، وأن الإدارة الأميركية الجديدة ترغب في تعزيز المزيد من اتفاقيات التطبيع، شرط ألا تكون بديلاً من الانخراط في مسار سياسي مع الفلسطينيين، وهو ما ينسجم تماماً مع تصريحات سابقة، قالت إنَّ الرئيس الأميركي جو بايدن يولي أهمية كبيرة لتطبيع الدول العربية مع “إسرائيل”، خلال أول اتصال هاتفي أجراه مؤخراً مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، قال فيها: “هناك أهمية استراتيجية للعلاقات بين إسرائيل والإمارات. أنا أدعم تقوية هذه الاتفاقيات وتوسيعها”.
الموقف الأميركي يطرح هذه المرة وفق رؤية جديدة مختلفة عما كانت عليه في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إذ تحضّر إدارة بايدن خطّة لإعادة العلاقات مع السلطة الفلسطينية، والتي انهارت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو ما أكده القائم بأعمال المبعوث الأميركي لدى الأمم المتحدة، ريتشارد ميلز، حين قال إنَّ الولايات المتحدة ستستأنف العلاقات مع السلطة الفلسطينية، وستدعم حلّ الدولتين وفق اتفاق متبادل، بهدف إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
تُعتبر الإمارات أوَّل دولة خليجية وثالث دولة عربية توقّع اتفاق تطبيع للعلاقات مع “دولة” الاحتلال، في حين تعتبر البحرين الرابعة، ثم السودان، وأخيراً المغرب، بعد الأردن في العام 1994، ومصر في العام 1979.
وضوح موقف إدارة بايدن من قضية التطبيع وتشجيعها على توسيعها، تطرح تساؤلاً مهماً في هذا الصّدد: هل تدفع مثل هذه التصريحات دولاً أخرى إلى التقدّم خطوة إلى الأمام والتطبيع؟ وما الرسائل والأهداف من وراء ذلك؟
– دعم واشنطن العلني لمسار التطبيع في عهد إدارة بايدن يهدف في الدرجة الأولى إلى ضمّ المزيد من الدول العربية إلى مستنقع التطبيع، وجعلها دولاً صديقة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وفي المقابل، عدوةً للدول التي ترفض هذا المسار، وتعزيز وجود حالة من الاصطفافات في المنطقة لمحورين أساسيين؛ الأول يؤمن بالتطبيع، ويكون قادراً على التعايش واللحاق بالدول المطبعة بعد دمج “إسرائيل” فيها، والآخر يرفض التطبيع، ويؤمن بعدالة الحقوق والقضية الفلسطينية، ويتمثل ذلك بدول محور المقاومة الذي يدعم الشعب الفلسطيني في مواجهة المشروع الإسرائيلي.
– دمج “إسرائيل” في الشرق الأوسط الجديد، وعودة استراتيجية واشنطن القائمة على تأمين أمن الاحتلال الإسرائيلي ومصالحه في المنطقة، كثابت من الثوابت في السياسة الأميركية تجاه “دولة” الاحتلال. هذا التأييد يعدّ بمثابة رسالة دعم وتأييد لحكومة نفتالي بينيت وسياساتها في المنطقة.
– إدارة بايدن تريد أن يمضي قطار التطبيع مع دول جديدة، وبالتوازي طرح مشروع حل سياسي متمثل بحل الدولتين، أو كما هو معروف بـــ “خيار التسوية”، خلافاً لما كان يطرح في عهد الرئيس ترامب تحت عنوان تطبيع وتطبيق “صفقة القرن” وفرضها على الفلسطينيين من دون مفاوضات سلام.
– تصريحات ذات رسائل مزدوجة للدول العربية التي لم تطبّع بعد مع “دولة” الاحتلال الإسرائيلي، ورسالة لحكومة بينيت بأن على تل أبيب، مقابل دعم الإدارة الأميركية لهذا المسار، تقديم تنازلات خلال المرحلة المقبلة، في حال طرحت الإدارة الأميركية حلولاً سياسية لاستئناف المسار السياسي المتمثّل بالمفاوضات.
– ترسيخ شكل جديد من العلاقة بين “إسرائيل” وحلفائها على جميع الأصعدة، وبشكل مختلف، باعتبار ذلك جزءاً من استراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط.
راهن الكثير من الأوساط داخل “دولة” الاحتلال على أن تنضمّ دول عربية جديدة إلى ركب التطبيع، على غرار ما قامت به الدول الأربع عهد ولاية ترامب، فبالنسبة إلى عدد من هذه الدول، في حال قررت الإقدام على التطبيع، ستكون حساباتها أكثر تعقيداً، كالمملكة العربية السعودية، التي انتهجت مقاربة مدروسة بدلاً من الاندفاع والتسرع في اتخاذ أي خطوة بهذا الشأن، إذ إنَّ صمتها آنذاك وتطبيع البحرين، باعتبارها الساحة الخلفية للمملكة السعودية، يعدّان بمثابة موافقة واضحة على مسار التطبيع مع “إسرائيل”، كما أنّ انخراطها في علاقات استخباراتية سرية بديلاً من العلاقات الدبلوماسية العلنية خلال الفترة الماضية مؤشر على وجود النية لذلك .
ثمة إرهاصات قوية تدفع سيناريو بدء تخطيط المملكة العربية السعودية للانخراط في مسلسل التطبيع في المستقبل القريب. التحضيرات الفعلية بدأت تُعزز هذا المسار، لكن وفق رؤية وحسابات خاصة، إذ تعهَّد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بتعزيز الحوار بين الأديان في إصلاحاته الداخلية، ومن الممكن أن يكون هدف ذلك هو تبرير أي اتفاق تطبيع مستقبلي قريب مع “إسرائيل”.
مثل هذه الخطوة ستستغرق وقتاً من الزمن، لكن بعد حدوث مستجدات مختلفة على الصعيد الداخلي السعودي أولاً، ثم على الصعيد السياسي العربي في المنطقة، فالمسبّبات الداخلية المعطّلة تتمثل بوجود الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي يعارض مسار التطبيع من دون وجود دولة فلسطينية.
أما على الصّعيد العربي والفلسطيني، فالمملكة العربية السعودية بقيادة محمد بن سلمان لا تستطيع الآن الذهاب إلى تطبيع مفتوح ومباشر مع “إسرائيل”، أو أن تقفز كما قفزت الإمارات والبحرين وغيرهم من الدول من دون مقدمات، بل إنها ستعمل خلال المرحلة المقبلة على أن تقدّم للشارع العربي من جهة، والفلسطيني من جهة أخرى، بعضاً من المكتسبات، أو شيئاً من قبيل إعادة طرح المبادرة العربية للسلام من جديد، وإحياء هذه الورقة كخطوة تبريرية للإقبال على خطوة التطبيع لاحقاً في حال تهيأت الظروف، وخصوصاً في ظل انشغال الإدارة الأميركية في ملفات إقليمية أكبر.
في تقديري، إنَّ خيار حلّ الدولتين الذي يروَّج ويجري التحضير له الآن من أطراف عدة، لن يكون سوى وهم وسراب جديد لأطراف التسوية، ولن يعيد الحقوق للشعب الفلسطيني أمام واقع فرضه الاحتلال، بل إنَّ جميع الجهود الدبلوماسية التي من الممكن الحديث فيها مع الاحتلال ما هي إلا ملهاة ولعبة إسرائيلية لكسب الزمن وشراء مزيد من الوقت لسرقة المزيد من الأرض الفلسطينية، ولن يقدّم الاحتلال فيها أي تنازل لطرف المفاوض الفلسطيني الذي يعي الاحتلال مدى ضعفه، وهو أكثر ما يمكن أن يشجّعه على المزيد من السرقة والقتل وتهويد ما تبقى من المقدسات، فيما لن يجني المطبع العربي إلا المزيد من العار، وسيسجّل في صفحاته المتخاذلة تجاه القضية الفلسطينية، فيما ستكون الغلبة والمستقبل لمحور المقاومة الذي يتجهّز لخوض المعركة الفاصلة والحاسمة مع الاحتلال الصهيوني، والتي ستنتهي باجتثاث مشروعه السرطاني من الأرض الفلسطينية المقدسة.