دعايةٌ إسرائيليّةٌ متخبّطةٌ يقودها “أدرعي”.. فبماذا تفكّرُ تل أبيب…؟
وكالة أنبا آسيا ـ
محمود عبد اللطيف:
منذُ أنْ سقطت الطائرةُ الإسرائيليّةُ بأقدمِ صاروخٍ موجودٍ في سورية، وحكومةُ الاحتلالِ تحاولُ مستميةً إقناعَ العالمِ أنّها ما زالت متفوّقةً على مستوى الاستخبارات والقوى الجويّة والتكنولوجيا، إذ ذهبت في دعايتها الإعلاميّة للقولِ إنّها دمّرت نصف الدفاعاتِ الجويّة السوريّة، كما زعمت أنّها اغتالت الشيخ أكرم الكعبي قائد حركةِ النجباء العراقيّة التي تقاتلُ إلى جانبِ الجيشِ السوريّ، وتحاولُ القولَ إنّها تمكّنت من تدميرِ “طائرةٍ من دونِ طيّار” إيرانيّة كانت قد دخلت أجواءَ فلسطين المحتلّة.
الدعايةُ التي يحاولُ المتحدّثُ باسمِ جيشِ الاحتلالِ الإسرائيليّ “أفخاي أدرعي” أنْ يقودَها، تشيرُ من خلالِ تخبّطها إلى الحالةِ المعنويّة السيئةِ للجبهةِ الداخليّةِ لكيانِ الاحتلال، فخلقُ تبريراتٍ من قبيلِ أنَّ الصاروخَ السوريّ لم يتسبّب بتدميرِ الطائرةِ لأنّهُ انفجرَ قربَ الطائرة، لا يستندُ إلى منطقٍ علميٍّ، إذ إنَّ الصواريخَ التي تحلّقُ في الجوِّ لا تنفجرُ من تلقاءِ نفسها، وإنّما تنفجرُ في حالِ إصابتها للهدف، أو أنْ يعترضَها صاروخٌ مضادٌ أو بالون حراري، وبالتالي ما ساقتهُ الصحفُ الإسرائيليّة من معلوماتٍ مفترضةٍ عن نتائج تحقيقِ جيشِ الاحتلالِ الإسرائيليّ حولَ إسقاطِ طائرةٍ تعدُّ الأكثرَ تطوّراً في العالم كلّها لا تندرجُ تحتَ منطقٍ علميٍّ، وبعضها ما يثيرُ الضحكَ كالقولِ “إنَّ خوفَ الطيّارَين من إصابةِ طائرتهما دفعهما للقفرِ قبلَ أنْ تتمَّ الإصابة، ما أدّى بالطائرةِ إلى السقوط”.
المميّزُ في الحدثِ، أنَّ تل أبيب لأوّلِ مرّةٍ تعترفُ بإسقاطِ طائرةٍ لها من قِبلِ الدفاعاتِ الجويّة السوريّة، وفي حين أنَّ الحكومةَ السوريّة كانت قد أكّدت خلالَ العام الماضي إسقاطَ طائرةٍ إسرائيليّة، ولم تتمكّن وسائلُ الإعلامِ من الحصولِ على تسجيلِ فيديو لتلكَ الحادثة، إلّا أنَّ حكومة الكيانِ الإسرائيليّ لمْ تنفها، وقامت بعدَ أسبوعٍ بالإعلامِ عن تحطّمِ طائرةٍ ومقتلِ قائدها في طلعةٍ تدريبيّةٍ في النقب، ولعلَّ القول إنَّ هذا الإعلان كان للتغطيةِ على السببِ الأساسِ في مقتلِ الطيّار الذي سلّمت جثّته لذويه بعده، كانَ التبريرُ المنطقيّ بالنسبةِ إلى إسرائيلَ دون أنْ تضطرَّ للاعترافِ بسقوطِ الطائرة.
ولا يُعدُّ حدثُ إسقاط الطائرةِ هو الإنجاز الأوّل للدفاعاتِ الجويّة السوريّة، فبغضِّ النظرِ عن كلّ عمليّاتِ إسقاطِ الصواريخِ التي أطلقتها حكومةُ الاحتلالِ الإسرائيليّ خلالَ الأشهرِ الأربعة الماضية، يكفي التذكير بأنَّ العدوانَ الأمريكيّ على قاعدةِ الشعيرات الجويّة على إثرِ مسرحيّة “كيماوي خان شيخون” كان أكبر اختبارٍ لفاعليّة الدفاعاتِ الجويّة السوريّة، فحينها وصلَ صاروخان فقط من أصلِ 51 صاروخَ تاماهوك أُطلقت باتّجاهِ القاعدة المذكورة، بالتالي ستفكّرُ إسرائيلُ بعدَ كلّ هذه المعلوماتِ بأنّها لمْ تعد تمتلكُ “حريةَ العملِ الجويّ” التي يحاولُ “أدرعي” الترويج لها، فالسماءُ السوريّة صارت “مثلث برمودا” بالنسبةِ للأهدافِ المعادية.
ومن المتوقّعِ أنْ تكثّفَ “إسرائيل” من دعايتها الإعلاميّة لكلّ عدوانٍ قد تُقدِم عليه في الداخلِ السوريّ خلالَ المراحلِ القادمة، فطلب “تل أبيب” التدخّلَ من قِبَلِ موسكو لضمانِ عدم توجّه دمشق للتصعيد، يشيرُ إلى ذعرِ كيانِ الاحتلالِ، ممّا قد تفرضه سيناريوهات الحربِ المفتوحةِ مع الدولةِ السوريّة خاصّة وأنَّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله أعلنَ أكثر من مرّةٍ أنَّ الحربَ القادمةَ لن تكونَ بجبهةٍ محدودة، بل ستكونُ كامل خطوط الفصلِ مع شمالِ فلسطين المحتلّة والجولان السوريّ المحتلّ خطوط نارٍ مشتركةٍ بين الجيشِ السوريّ والمقاوَمة اللّبنانية لمواجهةِ الاحتلال، والتقديراتِ الإسرائيليّة أشارت أكثرَ من مرّةٍ إلى أنَّ مسألةَ دخول المقاوَمة اللبنانيّة إلى “الجليلِ الأعلى” لن تأخذَ وقتاً طويلاً من أيِّ حربٍ قادمة.
بالتالي، يمكنُ القولُ إنَّ الطائرةَ الساقطةَ أكّدت لـ “تل أبيب” جدّيّةَ دمشق في تبديلِ قواعدِ الاشتباك، وأجبرت حكومة الاحتلالِ على التفكيرِ في ماهيةِ القدراتِ العسكريّة السوريّة المُحضّرة لأيّة مواجهةٍ مع جيشِ الاحتلالِ الإسرائيليّ خاصّةً من الترسانةِ الصاروخيّةِ للجيش، واحتمالات تدخّل حزب الله وبقيّة فصائلِ المقاوَمة، وإنْ كانَ الجناحُ العسكريُّ لحركةِ “حماس” المعروف باسمِ “كتائب عز الدين القسّام” يمتلكُ علاقةً متوتّرةً مع دمشقَ، إلّا أنَّ طهرانَ تمتلكُ التأثيرَ المباشرَ الذي مكّنَ من دفعِ هذا الجناحِ من المقاوَمة الفلسطينيّة لإصدارِ بيانٍ، كانَ أشبه بإعلانِ جهوزيّةٍ للقتالِ في أيّةِ لحظةٍ اندلعت فيها الحربُ ضدّ سورية.