«داعش»، حزب الله والمسيحية.. قراءة ثلاثية الابعاد
” توكيل مجموعة خاصة من المجاهدين لتطهير إمارة البقاع الإسلامية بشكل خاص ولبنان بشكل عام من كنائس الشرك، هذه المجموعة ستعمل على إستهداف الصليبيين في الإمارة ولبنان لإيقاف قرع أجراس الشرك”. بهذه العبارة استهل ما يسمى “احرارالسنة” (داعشي الطابع) بيانهم اليوم على يوتيوب، لتستتبع ما تسمى جبهة النصرة في القلمون التهديد بالويل والثبور وعظائم الامور لحزب الله ” الارهابي المجرم”.
البيان الذي لم يعد غريباً ومستهجناً على تلك الجماعات، بالغ الخطورة في مضمومه وأبعاده، لاستهدافه المسيحيين في المباشر الى جانب حزب الله عبر رسالة تخويف وترهيب واضحة لجزء رئيسي من النسيج الديني اللبناني، وكأنه يشي بخطة عمل عمادها ضرب المسيحيين وتهجيرهم وترهيب المقاومة من خلالهم، خاصة بعد الاجراءات الأمنية الحديدية التي أفشلت حتى الأن أغلب استهدافاتهم وعطّلتها.
إزاء هذا التطور وابعاده، لا بد للقيادات السياسية والروحية المسيحية من وقفة استنفار وتأهب بل الذهاب الى أعمق من ذلك حيث تفرض التطورات الداهمة، تداعي كل القوى المسيحية لمواجهة هذا الواقع الخطير وإعادة قراءة الخيارات الاستراتيجية والتكتيكية من مجمل الصراع كاملاً.
هنا لا بد من إعادة تقييم الخيارات السياسية والقناعات الفكرية داخل النسيج السياسي المسيحي إنطلاقاً من المصلحة المسيحية المطلقة لا الفردية الضيقة، مع الإستناد الى قراءة هادئة في تقييم التحالفات السياسية وأدائها وفوائدها وجدواها في هذا الظرف الاستثنائي.
ان الانقسام السياسي في لبنان والمنطقة، انعكس بطبيعة الحال انقساما مسيحياً – مسيحياً أدى إلى اصطفاف وتمترس منطلق من خلفية تحالفات تكتيكية ظرفية ضللت الرأي العام وأطبقت عليه بالخوف الدائم من الاخر، لتجعله عاجزاً عن تحليل المشهد بمعزل عن هذا الاصطفاف.
وبالتالي بات واجباً، مخاطبة الرأي العام المسيحي ومسائلته عن اسس هذه القناعات وكيفية تصويبها في ظل الصراع المحتدم على امتداد العالم العربي والاسلامي بين قويتين سياسيتين تمثلت الاولى بتبني مشروع العداء لاسرائيل وللصهيونية والثانية التي اشهرت العداء لتلك القوة الممانعة تحت شعارات مذهبية بغيضة.
لا بد من التوجه الى الانسان المسيحي المتمسك بتعاليم المسيح الداعي الى المحبة والسلام ونبذ البغضاء، المتصالح مع نفسه ونساله : هل هالتك صورة الشهيد محمد منتش وهو يلقي التحية على تمثال السيدة العذراء ويلملم الايقونات ويمسح عنها غبار الإرهاب وبطشه أم صورة الكنائس المدمرة والدماء المضرجة وعافنات الدقون التي “استعادت مجد الاسلام” بتحطيم تمثال البتول ؟
هل تمعنت جيداً في صورة التحرير في جنوب لبنان حينما حمت المقاومة بأشفار عيونها بيوت الناس وأعراضهم في المناطق المحررة في حين استباحت الغوغاء الحجر والبشر في غزوة الاشرفية؟ هل سألت نفسك يوماً لماذا وضع أمين عام المقاومة معادلة ” تل ابيب مقابل بيروت ” ولم يضع معادلة تل ابيب مقابل الضاحية ؟
هل فكر المشرقي يوماً ، أن الصهيونية العالمية أسست لطرد المسيحية المشرقية لأنها البقية الباقية من المسيحية الأصيلة وقد تكرست المؤامرة بمفهوم صراع الحضارات التي نظر وخطط لها برنار لويس وصموئيل هننغتون ونفذتها الاذرع المتأسلمة من التكفيريين، فهجرت ودمرت وفجرت ولم تبق حجرا ولا بشر ولا من يحزنون ؟
اليوم، يهدد التفكيريون بضرب كل كنائس لبنان وكل الوجود المسيحي فيه مثبتين حقيقة الهواجس التي انطلقت منها المقاومة للمشاركة في الحرب على سوريا وليأكدوا ان الحرب الوقائية الاستباقية كانت الخيار الصحيح. ولولا الجهد الجبار الذي بذلته المقاومة من دمها وشبابها لكان لبنان اليوم نموذجا مكررا للمشهد العراقي ولكانت الة القتل قد حصدت عشرات المئات من الابرياء.
لذلك , فإن المسيحيين المشرقيين مدعوون اليوم اكثر من أي وقت مضى, واي تهديد سبق, الى التفكر والتبصر لرؤية البعد الخفي للصراع , بداية عبرمعرفة الصديق من العدو، كلٌ بما ملكت يداه وتاريخه, وهذا يرتب على رجال الدين المسيحيين ان يساهموا في صناعة راي عام واع لحجم المخاطر, وان يتيقنوا هم قبل رعيتهم , ان اسرائيل عدوهم الاوحد وان الرهان على سلام العدو رهان خاسر في ظل هذه الهجمة الشرسة لادواتهم الاجرامية في المنطقة , وعلى الساسة ايضا ان يترفعوا عن المصالح الشخصية الضيقة ويرتقوا الى مستوى الخطر الداهم الذي يهدد اصل وجودهم وما تبقى منهم.
ان استهداف المسيحيين عبر التاريخ الحديث منذ حادثة خطف الاب توما الراهب الكبوشى اخر ايام ابراهيم باشا ابن محمد على باشا (1840) والتى اثبتت التحقيقات حينها ضلوع عشرة يهود بها وكان مبررهم ان الاب توما ناقض اصل يهودية المسيح وحمل مسؤولية صلب المسيح لليهود ودعا مسيحيي العالم الى نبذ اليهود القتلى، تؤكد ان المسلسل الذي بدا مع بدء الحركة الصهيونية وما بعدها لم ولن ينتهي ,ولكنها انتقلت الى حرب بالوكالة تماشيا مع نظرية الحرب الناعمة (القتال من الخلف).
ان كل من يبحر في قارب توصيات السنودس للشرق لن يغرق وكل من يبحر عكسه لن يوصله هذا الابحار الا لكندا وفرنسا واوستراليا. لذالك، فإن كل ما يجرى اليوم من استنزاف للمسيحي المشرقى هو نتاج خطة، يقوم بإعدادها الغرب ويشنون من خلالها حرباً وصفوها بالصليبية على كل من يقع أمامهم فى الشرق من مسلمين ومسيحيين، خدمة لمصالح الصهيونية العالمية، تستعمل فيها ادوات متطرفة تسهم من جهة فى تاجيج الصراع، وتؤمن من جهة اخرى افراغ الشرق من مسيحيه الذين وصفهم أحد المفكرين يوما بأنهم ملح هذه الارض المقدسة التى لا طعم لها بدونهم.
سلاب نيوز – حسن غندور