خُطى السلام الدافئ تمضي بثبات..
صحيفة القدس الصادرة في فلسطين المحتلة عام 1948 ـ
الدكتور محمد بكر*:
عندما تُوصف زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لواشنطن بالزيارة الملكية والشيء الوحيد الذي ينقصها هو الاعلان عنها وتظهير أن الادارة الأميركية قد استقبلت الأمير محمد كملك للعربية السعودية كما جاء في تقرير أميركي نقلاً عن الضابط السابق في المخابرات الأميركية وعضو الفريق الانتقالي في إدارة الرئيس أوباما بروس ريدل، كون أن الحالة الصحية لولي العهد محمد بن نايف استناداً لتقييم ثلاثة من كبار ضباط المخابرات الأميركية، تتدهور بوتيرة متسارعة وربطاً مع جملة من التصريحات والتحليلات الصادرة مؤخراً والتي تشرح ماهية العلاقة السعودية الإسرائيلية وتكشف في عمق توجهاتها فإن أشد المتفائلين لن يستطيع أن يخفي بأن هذه المنطقة وبرغم كل مالفها من مشاهد دموية وانهيارات بالجملة في مؤسسات وعوامل الأمان والاستقرار في عدد من دولها لازالت ترقد على فوهة بركان قد تنفجر حممه في أي لحظة وإن ناراً تلوح ألسنتها في الأفق لا أحد يدرك ساعة امتدادها والجغرافيا التي ستطالها.
قبل أكثر من أسبوع كان لافتاً توصيف الدراسة التي نشرها مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في تل الربيع ” تل أبيب بالتسمية الاسرائيلية ” لجهة ما سمتها الدراسة السلام الدافئ الذي تسعى مصر السيسي لصياغته مع إسرائيل مضيفةً ( إن كان السلام مع إسرائيل في النصف الثاني من السبعينات جزء من عملية مصرية واسعة فإن السلام الدافئ اليوم هو بخلق نظام اقليمي جديد يضم مصر والسعودية واسرائيل ودول الخليج من أجل الاستقرار الأمني ومواجهة أعداء مشتركين)، كذلك وفي ذات السياق وبحرفية الطرح نتلمس ما كان قد أدلى به المسؤول السابق في المخابرات السعودية أنور عشقي لصحيفة يديعوت أحرنوت بأنه من السهولة بمكان للسعودية واسرائيل تحديد أهداف مشتركين وإن بلاده ستكون عرابة التطبيع مع اسرائيل وستشركها في السوق الحرة اذا تبنى نتنياهو مبادرة السلام العربية.
لن نحتاج لصياغة وتقديم الدلائل لمعرفة أن جل مايصدر سعودياً سواء من تصريحات عشقي أو نظرية تركي الفيصل في العقل العربي والمال اليهودي لم يكن ولن يكون لخدمة القضية الفلسطينية ولا كرمى لعيون الفلسطينيين، فبروس ريدل نفسه أكد أن {محور وجل لقاءات الأمير محمد في واشنطن لم تتطرق مطلقاً للصراع العربي الإسرائيلي} ، فالعين على إيران والدفع السعودي لأي مبادرات أو تحالفات هو في اعتقادنا باتجاه انهاء وتجريد النفوذ الايراني من التمدد والسيطرة في المنطقة، ومن هنا نقرأ ونفهم ماقاله خبير الشؤون السعودية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى هندرسون، تعقيباً على زيارة الأمير محمد لواشنطن، لجهة أن السعوديين وبرغم الأهمية لديهم في توطيد العلاقات العسكرية والأمنية مع الجانب الأميركي إلا أنهم فقدوا أساساً إيمانهم بإدارة البيت الأبيض وينتظرون اليوم الذي تنتهي فيه ولاية أوباما، مضيفاً أن الخطر بالنسبة للسعودية هو إيران وهناك رؤية مشتركة بينهما لمواجهة ذلك ومع أن الاتصالات ( والكلام لهندرسون) بين الجانبين قائمة إلا أن هذه الرؤية والمسعى لن يفضيا إلى شيء بحسب تعبيره.
حديث جون برينان رئيس الاستخبارات الأميركية، واشادته بالسعودية كأفضل حليف في مكافحة الإرهاب على مدى الخمسة عشرة سنة الماضية، ونفيه القاطع لجهة عدم وجود دليل على تورط العربية السعودية لا كدولة ولا كمؤسسة أوحتى مسؤولين في أحداث 11 أيلول وحذف اسم التحالف السعودي من القائمة السوداء للأمم المتحدة، وعودة ذات الأسطوانة والخطاب الناري للتكرار على لسان الجبير لجهة مشاطرة الجانب الأميركي الرأي في أن الحل السياسي في سورية سيكون برحيل الأسد سياسياً أو بالسلاح، وإن إيران هي مصدر زعزعة الاستقرار ودعم الارهاب تماماً كالبيان المشترك الصادر عن البعثتين الاسرائيلية الأميركية في الحوار السنوي الاستراتيجي لجهة العمل على دحر جميع التهديدات التي تمثلها إيران، يؤكد مدى حضور المال السعودي وتأثيره على أي مسار مصاغ أميركياً يدين العربية السعودية وإن كل التصريحات الأميركية التي تكاثرت مؤخراً على لسان كلينتون وترامب حول تمويل السعودية للارهاب وقبلها تصريحات أوباما، لن يؤثر على المسار الذي ترسمه الأقلام السعودية الإسرائيلية ولن يُبرد الدفء والغايات الساخنة، ومن هنا نفهم تصريحات المرشد الخامنئي لجهة أنه إذا تم تمزيق الاتفاق النووي فإن بلاده ستحرقه لأن الأصل هو في وجود الجمهورية الإسلاميةوقدراتها وهذا غير قابل للتفاوض. ”
السلام الدافئ ” يسير واثق الخطوة، دفءٌ تتصاعد وتيرة حرارته تباعاً ولا أحد يعلم أبعاد وامتدادات غليانه، والأهم كيف سيكون الحضور الدولي للروس عند حدوث ذلك، لكن المعلوم أن هذا السلام الدافئ لن يكون إلا بمنزلة النفخ في النار، والمستمر دون انقطاع.
*كاتب صحفي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83@gmail.com