خيانة النقب ووعد المقاومة
موقع العهد الإخباري-
أحمد فؤاد:
بين مناخ مربك، وعالم يموج بالشك والخوف، وإيقاع متسارع للأحداث، بشكل مخيف، أصبح الركون إلى أرضية صلبة من الحقيقة أمرًا تحيطه غلالة من الضباب، وسط مفاجآت خاطفة وغير متوقعة، ومواقف للأطراف المتحركة أحيانًا على غير هدى، وخطط أميركية وصهيونية تُركت لتنضج طويلًا وبعيدًا في الظل، ثم تستدعى إلى صدارة المشهد العجيب في الشرق الأوسط.
ضرب كيان العدو قنبلة هائلة بجمع 4 أنظمة عربية وفوقهم الولايات المتحدة، في اجتماع كل ما فيه يحمل دلالات وإشارات وكلمات لا تنتظر التفكير لتتضح، في النقب، وبقرب ضريح بن جوريون، استغل الكيان فرصة المناخ العالمي المهتز ليزيد من تمدده في قلب العالم العربي، بدفع أميركي غير خافٍ، وبنظام رسمي عربي يثير القرف والاشمئزاز، ويستحق أن تفرد له صفحات وصفحات في دفاتر الخيانة والعمالة.
وظّف الكيان الدعم الهائل الذي قدمه دونالد ترمب، بفرض العلاقات العلنية على الأنظمة العربية، وتمكن من ترجمة ضغوط الرئيس الأميركي السابق إلى اتفاقات معلنة وموقعة، وزيارات متبادلة ولقاءات ودودة، ومع انخراط الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن في صراع البقاء على قمة المسرح العالمي، وحشد كل جهوده وموارده ومن خلفه حلفاؤه الكبار في الغرب لمواجهة خطر روسيا، ثم ما هو متوقع من التوجه التالي إلى محاولة حصر الانطلاق الصيني الآخذ في الارتفاع، لكي يضع على الطاولة، وأمام أنظمة لا تجيد إلا البيع، ما يعتقد أنه الشكل النهائي للشرق الأوسط الجديد.
وضع الكيان الصورة التي رسمها، شرق أوسط يصبح فيه رئيس الوزراء الصهيوني قائدًا للعمل العربي المشترك، موجهًا ومرشدًا لدول أصبحت كيانات وظيفية في خدمة أي سيد طالما تحصل على الشرعية الأميركية، ووكيل أول للمصالح الأميركية يوزع الأدوار ويضبط الإيقاع بين مختلف الأطراف، يمنح ويمنع ويعطي ويأخذ ما يريد وقتما يريد.
يأتي الاجتماع غير المسبوق، شكليًا ومن الجانب الصهيوني، كرسالة كاشفة على من يقود من في هذه المنطقة، وبالتالي لمصلحة من تعمل تلك الأنظمة العربية، سواء التي حضرت في النقب، أو الأخرى التي تنتظر موجة الصدمة الأولى لتلتحق مسرعة بركب السقوط. يريد الأميركي بلا شك طي صفحة الخلافات بين توابعه في المنطقة نهائيًا، وإرساء وضع جديد ينظم قواعد استمرار الجميع في الخدمة، بسرعة وحسم شديدين.
وباستثناء الإمارات، التي تعد بالأصل وضعًا شاذًا، فلا هي دولة تمتعت بأسباب للنشأة وعوامل استقرار ومصادر استمرار، فإن مشاركة وزير خارجيتها تبدو فكاهية مثله تمامًا، فالأمير الذي ذهب لتوقيع اتفاق التطبيع الصهيوني الإماراتي في واشنطن، وجلس كالأبله لا يدري أين يضع اسمه، والمؤكد أنه لم يكن يعرف على ماذا سيوقع، شارك في توزيع ابتساماته على الكاميرات، ربما استباقًا لمشاركة السعودية في السباق نحو الخيانة والارتماء تحت أقدام الصهاينة.
أما بقية الأنظمة التي تشارك في اجتماع العار، فإنها أنظمة ساقطة منذ زمن طويل، فلا مصر ولا المغرب أو البحرين قدمت للقضية الفلسطينية سوى الخذلان ومحاولة تحقيق أقصى استفادة للعدو الصهيوني من شرذمة الموقف العربي، والسبب الأساس الذي يدفع محمد السادس والسيسي إلى عرض كل ما يمكنهما القيام به هو الأزمة المالية التي تعصف باقتصادات مصر والمغرب، وأنباء لجوء الدولتين إلى الخضوع لبرامج جديدة من صندوق النقد الدولي، للحصول على عدة مليارات من الدولارات لإنقاذ فرص استمرار نظامي الحكم في البلدين المنكوبين.
وخلال الأسبوع الماضي تحولت التكهنات حول مفاوضات الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي إلى أنباء وأخبار، ثم تأكدت بتصريحات رسمية، عن أزمة اقتصادية حادة تواجهها حكومة السيسي، وتستلزم دفعة جديدة من القروض الأجنبية لعبورها، في ظل الارتفاع الجنوني بأسعار القمح والبترول، ومصر للأسف هي أكبر مستورد قمح عالميًا، والميزان التجاري في حالة خلل دائم ومزمن مع العالم الخارجي.
وفي تصريح مقتضب للمتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء المصري، قال إن “مصر والصندوق دخلا مفاوضات للحصول على برنامج للدعم الفني وقد يتضمن تمويلًا جديدًا لمواجهة الأحداث الحالية وتقلباتها”، وقبل أيام قال مجلس الوزراء إن مصر تواجه موقفًا صعبًا مع ارتفاع التضخم عالميًا ومشاكل سلاسل التوريد وصعوبة الحصول على تمويلات بسبب رفع أسعار الفائدة الأميركية.
صندوق النقد الدولي رحب، من جانبه، بإجراءات رفع الفائدة التي أقدم عليها البنك المركزي المصري بـ 100 نقطة أساس، والسماح بتراجع جديد للجنيه أمام الدولار بنسبة تدور حول 16%، ما يؤكد الشكوك التي ساقها عدد من محللي جي بي مورجان وجولدمان ساكس وموديز وكابيتال إيكونوميكس بوجود مفاوضات مبكرة بين الحكومة المصرية وصندوق النقد، وهي التي كانت وراء حزمة الإجراءات الجديدة والصعبة جدًا.
وحصل النظام المصري بالفعل على ما يوازي كامل حصته في صندوق النقد الدولي على هيئة 3 برامج، في 2016 تسهيل ائتماني ممدد بقيمة 12 مليار دولار، وفي 2020 استقبلت مصر قرض اتفاق استعداد ائتماني بقيمة 5.2 مليار دولار، وأخيرًا 2.8 مليار دولار قبل عام ونصف عبر برنامج أداء التمويل السريع لمواجهة تداعيات تفشي فيروس كورونا، وآثاره المدمرة على الاقتصاد الذي يعاني الخلل وغياب أية أولويات للإنفاق والإصلاح.
لكن أخطر ما في قصة مصر الجديدة مع القروض هو ما أشارت إليه بعض التقارير الدولية التي ناقشت أنباء المفاوضات الجديدة، وهي أن مصر تجاوزت حصتها من الاقتراض من صندوق النقد الدولي بالفعل، وأي اتفاق قروض جديدة سيعني –وبشكل تلقائي- خضوع البلد لبرنامج استثنائي ومشدد، وهو ما سيترجم إلى إجراءات أكثر ترويعًا من كل ما حدث بالفعل.
في هذه المرحلة من مسيرة صعبة تخوضها الأنظمة العربية، التي قبلت الدخول في بيت الطاعة الأميركي، فإن كل ما اتخذته من سياسات وقرارات قد أثبت فشله، ولم يعد بد من الذهاب إلى تنفيذ أي، وكل، ما هو مطلوب منها، ولو كان على حساب الكرامة والشرف والدماء الغزيرة التي سالت في حروبنا مع العدو الصهيوني، وقد أحسن الكيان استغلال الورطة الجديدة.
وفي مقابل الخيانة الرسمية العربية تبقى نقطة تستحق التوقف والتسجيل، وفكرة عمرها يزيد عن العام وجب أن نتوقف عندها بالفحص والقراءة الهادئة.
في شهر كانون الثاني/ يناير من العام الماضي 2021، قال سماحة السيد حسن نصر الله في خطاب مفصلي ما نصه: “أنتم محاصرون، أميركا وعظمتها محاصرة، أعداؤنا كلهم محاصرون، ليس نحن المحاصرين، من يُؤمن بالله لا يمكن أن يَشعر بأنه مُحاصر ولو أُقفلت عليه كل الجغرافيا التي يتواجد فيها”.
كالعادة وعهدنا الدائم بسيد الوعد الصادق، لم تكن كلماته في الذكرى الأولى للجريمة الأميركية باغتيال الحاج قاسم سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس معنوية وفقط، كانت تترجم الحقائق الجديدة التي ارتسمت على الأرض بأحمر قانٍ هو أغلى ما تقدمه المقاومة لدينها وأمتها وبلدها، حقائق بنت إصرارا أسطوريا على الوفاء للدم، ومسيرة إيمانية كان القتال أحد مفرداتها في مواجهة العدو، وكان الإيمان هو سلاحها الأمضى في مواجهة كل حادث وأمام كل موقف.
لم يعد محور المقاومة محاصرًا معزولًا، هذه الحقيقة التي لفظها سماحة السيد قبل عام ويزيد هي اللافتة الوحيدة التي تصلح عنوانًا للمرحلة الحالية، برغم دقة الظرف وتشابك الأزمات مع واقع ملغز، وصورة لا تزال في طور التكوين عن قوة صارت أخيرًا صاحبة كلمة وقدرة في توجيه مصائر الأمة ومقاديرها، وعن إمبراطورية توشك على الأفول، غير مأسوف عليها.
للمرة الثانية، وأيضًا غير المسبوقة، قامت قوات الحرس الثوري الإيراني بقصف القاعدة الصهيونية في أربيل بالعراق، والتي تنضوي تحت حماية القنصلية الأميركية، في فعل بهي جبار، ولم نعاين حتى اليوم ردًا من واشنطن -كما في عين الأسد- سوى ابتلاع الإهانة والضربة الجديدة بصمت مطبق، بل وزاد عليها التوجه إلى استرضاء طهران وشراء ودها لإنجاح مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي.
ومن فلسطين، عين القضية، يبرز الفشل الاسرائيلي على أيدي أبناء الأرض، حيث سجلت ثالث عملية نوعية أدت الى مقتل 5 مستوطنين، وبثت الرعب في قلوب المستوطنين، ما يؤكد أن لقاءات التطبيع لن تنفع العدو بأي شيء، ولن تقدم اليه أمانًا مزعومًا، فالكيان المؤقت على طريق الزوال.